حبال الوهم

حبال الوهم

 

كان يلهث بشدة في ذلك اليوم، بدا منهكا وخائر القوى. إتكأ الى سلالم الدرج محاولا التقاط أنفاسه. كان عرقه المتصبب ساخنا حتى خيل إليه انه قادر على احراق بشرته. حاول استجماع قواه فيما كان يقنع نفسه ان تعبه طبيعي وناجم عن عمله الشاق. أراد ان يتناسى حقيقة مرضه وحاجته الماسة للدواء. العم فهيم لا يرى في نفسه سوى أب ومعيل عائلة الأمر الذي دفعه للعمل في العتالة بجد وجهد لسنين طوال، فكان مع كل فلس يدخل جيبه يسقط حزمة صحة وعافية الى أن بات اليوم هيكلا متهالكا يفوح منه شيء من رائحة الموت. 

 

وعندما حل وقت الاستراحة جلس الرجل ارضا ليأكل زوادته المتواضعة التي تكاد لا تعوضه الألياف والطاقة التي بذلها في صباح ذلك اليوم. وفيما هو يتناول طعامه بنهم دوى في مسمعه صوت المرشح النيابي وهو يلقي خطابه. لم يلفت انتباهه سوى ذلك الوعد بانشاء ضمان شيخوخة يسمح لامثاله ان يستريحوا عندما تخور قواهم ويعيلهم على النوم باطمئنان دون مخوف وهواجس. 

 

حدق في وجه الخطيب فتذكر انه نائب في المجلس منذ عدة سنوات. فاستعجب لما قد يلقي شخص طموح ومجتهد ومحب كهذا الرجل خطابا انتخابيا، فإن اصحاب المشاريع والهمم كأمثاله مكانهم يجب أن يكون في السلطة. لا اعلم ان كانت قد سقطت سهوا من ذهنه كل الخطابات الماضية المطابقة لهذه- والتي لم يحقق منها شيء- ام انه اسقطها سهوا. 

 

جاء يوم الاقتراع. دخل العم فهيم خلف الستار العازل ومنح صوته لذلك المرشح، فيما كان يرسم في مخيلته صور لمستقبله مع عائلته واحفاده، يسمع ضحكاتهم ويرى بريق الامل في عيونهم. 

 

فرزت الأصوات واعلنت النتائج وفاز المرشح وبات للمرة الثالثة على التوالي نائبا للأمة؛فتوجه في اليوم التالي الى المجلس يتقبل التهنئة في مكتبه المبرد الرحب. في حين كان العم فهيم تحت وطأة الحر يحاول جاهدا رفع كيس التراب الى أن ادركه التعب وهوى ارضا جثة هامدة في جيبها ورقة رسم عليها مستشفى وطبيب.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٨ ص - jimina
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٥ ص - شهد بركات
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Amani
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٠٨ م - soha
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٠٠ ص - Zm23138244
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ١:٥٩ ص - Kawthar hasan
About Author