الؤلؤة الثالثة الحزن
ثم ألقی البحر بياقوتة خضراء معرقة حمراء وكأنما عروقها توحي بشئ مكتوم أو كأن الدنيا كلها فيها تقول آه آه علی الذي كان
وكتمت نفسي وتركت البحر يلقي بكلماته إلي لكن البحر يصور ولا يتكلم كي أشاهد بصمت
ثم هاج الموج فإذا في كل قطرة ذكری حزينة كان البحر هو أمين سرها
وتوالت الأحزان وضقت بها حزنا كأنما الحزن لا يرضی إلا أن يأتي بإخوانه الأحزان
إنه يسلب من الإنسان سعادته وحريته ثم نفسه وأحبابه حتی ... حتی .. حتی يسلب حياته
وتجلت صورة فتی إذا رآه الشباب كبّر وإذا عرفه ترجّع تدور حوله الدنيا ولكنه ليس فيها ويغرب عنه الموت وهو عنه باحث كأنه يقول أيها الموت متی ستلقاني حتی أخرج مما فيه ليجيبه الحزن وما أدراك ما بعد الموت ما ستلاقيه
رأيته وكانت أسباب السعادة حوله تطوف لكنه كلما لها التفت جعلها حزنه حزنا فوق حزن وألم فوق ألم
وكأنني به أسأله لم لا تذهب للأصدقاء أو تكلم الأحباب فنظر بعبوسه الذي كأنه ولد به وفي عينه دمعتان ترقرتا وأراد الكلام فما استطاع ولكنه بوجهه يقول ساعدني أخرجني لا أحب ما أنا فيه ... ثم ... هاج البحر وتصاعد الموج وتجلت صورة رجل حكيم كأنه من الآخرة لكنه حي في الدنيا ملتحف برداء أبلته الدهور يشهد له بما ذاق من صعوبة الحياة حاد العينين كأنه ينظر ليقتلع ما في قلبك ويخترق أغشية صدرك لا يبصر صورتك أو ينظر ظاهرك ساكن الوجه مطئطئ الرأس نحل اليدين
كأنه خلق ليبعث الناس من موتهم لحياتهم ويرشدهم من دنياهم لأخراهم يری الناس حوله يفرحون بما أوتو وهو يقول أين محبوبي أين تكون لست في الأرض ولست في السماء وليس العقل يدركك ولا العين تبصرك غبت فكيف نعرفك فيجيبه نداء الحق (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) فيخر باكيا وينظر صامتا يريد أن يری المحبوب فليس له في الدنيا مرغوب إلا آن يری وجه المحبوب فهكذا هو حزنه حزن إذا مر علی القلب غسل ما فيه
وهاج البحر وتشكلت الصور وإذا بأيبس كعود النقا منتفخ العينين كأنما بليت به السنين لا يملك كلمة ولا حركة وفي عينه صورة لا تتغير صورة من رآها يسعد لكنها انقلبت معه حزنا حزن بدا مثل الجنون وصاحبه يريده ألا يزول
وهذا لعمري لعجيب أن يطلب السقم والألم حتی لا تغيب عنه صورة المحبوب
هذه الأحزان الثلاثة أشرفها ثانيها وأسوأها آولها أما ثالثها فهو من ومضات الحب ولم يخلق الحب ليُعرف
إن هذه الدنيا خلقت والأحزان داخلها حتی من السعادة يتولد الحزن ومن الحزن تنشأ السعادة وبعد كل ليل صباح
ثم هدأ البحر فاستشعرت قلب المحزونين ذاك القلب الخاوي وتبدت صورة أم تمسك طفلها الذي لا يتحرك أو ينطق
إن أصعب الحزن الذي لا يمكن الشعور به
You must be logged in to post a comment.