حياكة القدر
ذات يوم أرسلت الشمس أشعتها الذهبية لتعلن النور والدفء ومعاني الفرح إلا أن بعض الغيوم المثقلة بالسواد وألوان الحزن المقيتة حجبت قليلاﹰ من النور وباتت تتوارى أياماً وأياماً تعود ...
فباتت الحكايات تولد بين النور والظلام الدامس وتجبل على الحزن والفرح معاً،
فلا الضحكات دائمة ولا نهر الدمع مستمر لا ينضب.
كان صوت دقات آلة الخياطة تضج بذاك المكان البسيط، وكانت لفائف الخيوط تدور راقصةﹰ لتنسج أجمل الملبوسات النسائية متقنة الصنع بالغة الذوق والرقي الإنساني .
وكانت أنامل عامر تعزف بمهارة تامة وتتراقص فرحاﹰ بعمله الذي يحب ويمارس ،
وفي لحظة قدرية شعر بالحرارة تسري في عروقه وببداية لحن يتعالى من عمق قلبه حينما بدأت معزوفة استثنائية تشدو على وقع أنغام كعب نسائي قادم إليه وبات لحن قلبه يتعالى ويتناغم مع اللحن المقترب وتتسارع دقات قلب عامر أكثر فأكثر دون أن يجد تفسيراً!!
إلى أن مَثلت أمامة امرأةﹲ تلقي التحية عليه مُعرفةً بنفسها أن اسمها نور
توقفت عينا عامر أمام عينان لوزيتان واسعتان ذات لون عسلي فيهما الكثير من الدفء الحنان.
صمت كثيراً متأملاﹰ .. غارقاً بقسمات وجهها ..
حتى ظنت انه لا يسمع كلماتها من ضجيج آلته فكررت قائلة أنا نور جئت إلى هنا من أجل العمل فقد سمعت أنك بحاجة لمساعدة خياط، ولمّا لم يقوى عامر الإجابة على كلمات نور، قبض على قلبه لتخفت تلك المعزوفة بالغة الغرابة والجمال تلك التي لم يسبق لقلبه أن دق بها رغم جميع المعزوفات النسائية التي سمع بها عامر !!
قال متلعثماً نعم ... وراودت مخيلته فكرة رؤيتها كل يوم تعمل في ذات المكان وأنه سيسمع ذات اللحن ويطرب له قلبه كما حصل قبل قليل!!
أيقظت نور عامر من غيبوبته قائلةً بحزم هل أستطيع العمل هنا ؟
قال متداركاً : نعم أنا بحاجة لمساعدة تعينني على كثرة زبائني ، ومنذ تلك اللحظة بدأ القدر بحياكة قصة ليست باعتيادية ..
نهض من فراشه بهمةٍ عاليه .. فتح مذياعه على النغمات الفيروزيه .. حلق ذقنه.. شرب قهوته على عجل..وارتدى أجمل ثيابه ... سارت قدماه نحو معمله الصغير بلهفة عجيبة ونشاط غير معتاد..
وصل عامر فرأى نور تعمل باجتهاد تام منذ لحظات الصباح الأولى
دخل قائلاﹰ : صباح الخير ردت وهي منهمكة بالعمل صباح الخير
جلس عامر يتأملها خلسه ويعمل على آلته الخاصه ..
صباحات كثيره متتالية جميلة يرى فيها عامر نور وتمر أيامه فتنير عتمة قلبه وتثير شغفه للحياة أكثر فأكثر ... حتى بات مدركاً أن دقات قلبه لها ليست براحلة وأن في اسم الحبيبة كثيراً من الرسالات القدرية له ...
في ليلة استثنائية قرر الشاب الوسيم أن يخبر ذات العينين اللوزتين بما اعتراه لعلها هي الأخرى تعزف في قلبها لحناً خاصاً له دون أن تبوح له كما يفعل تماماً .
في الصباح التالي الذي كان مختلفاﹰ جداً كتب القدر ل عامر بداية حياة وردية مع جميلته نور، نعم جميلته لأنه في هذا اليوم تماماً عرف جيداً أن نور قلبه كما أسماها منذ زمن ليس بقصير وقلبها يدق بحروف اسمه .. يدق ويعزف لحناً من الحب والوفاء له وحده.
عامر لم يكن شاباً يعبث و يلهو بالمشاعر دون اكتراث ولم يكن أيضا ضعيفاً يخشى القرارات المصيرية لذلك سارع بخطبة حبه من والديها واختطفها لبيت الزوجية الذي كان في مخيلة عامر أنه جنة الأرض لا أقل !!
مرت أيامه كما تمنى جيداً فقد حظي بجميلته وأصبحت رفيقة يومه يستيقظ بنور بسمتها ويغفو بين ذراعيها بدفء حنانها ...
لكنه أيضاً منذ أن أصبحت رفيقة العمر فاض قلبه بحب أكبر وعشق لا يكتب ولا يحكى ، فقد عرف من جميلته مرح الأطفال وصفاء القلب وحنان الأمهات ..
فقدم لها الحب والإهتمام حتى أنه كان لأهلها رجلاً محباًطائعاً لوالدتها وكأنها أُمه فعلا،كانت نور سعيدة حد السماء مطمئنة البال فالعشق أعطى لوناً بهياً لحياتها ما عرفته من قبل ..
لكن الحياة كما دوماً ليس بها حال يدوم فقد توالت الأيام والشهور ونور تحلم ببسمة طفل يشبه عامر .. قطعةﹲ أخرى منه ،يثير سكون البيت ويتوج حلمها الوردي لكنها بقيت أسيرة الإنتظار ، أما عامر فقد كان دوماً يطبطب على قلبها ويمنحها الطمأنينة قائلاﹰ بأن الفرصة كبيرة أمامهما وأنه لم يمضي الكثير من الوقت ليصيب قلبها الحزن واليأس.
وباتت السنين تمضي مسرعةﹰ وتترك لدى نور حلماﹰ عالقاﹰ في السماء يأبى الهطول.
وعامر ذاك النبيل ما زال نبعَ الطمأنينة والأمل لجميلته، إلا أن عيناه باتت تبوح للناظرين أن بداخله ألمﹲ تركته سنين الإنتظار في عمق قلبه ، وأصبحت أصوات أطفال الحي تنكأ جراح الروح وتجلدها أكثر ..
ماذا لو كنت مكان عامر ؟
ما مصير حب استثنائي وزواج رائع دون أطفال؟
أترك للقسم الثاني الإجابة على الأسئلة وأنتظر تعليقاتكم ..
دمتم بخير
حنان هودلي
You must be logged in to post a comment.