دعوات ابو الهدى

قصة قصيرة بقلم اياد قندح

أبو الهدى رجل في الستين من عمره ،يعيش مع زوجته في بيت صغير ،يتكون من غرفتين ،يكمن سر سعادة ابو الهدى _كما يقول دائما_في "الحاكورة" الصغيرة الممتدة امام الغرفتين فهو يحب الزراعة ،ويمضي معظم وقته بالعمل فيها .كثيرا ما كان يستغني عن شراء بعض الفواكة والخضراوات لأنه يزرعها في "حاكورته" المحببة .ورغم انه يعيش من راتب التقاعد هو وزوجته ،الا انه كثيرا ما اقنع جيرانه انه يعيش في بحبوحة .فلحياته البسيطة ليس هناك متطلبات كثيرة ورغم انه حُرم من نعمه الاولاد ،الا انه قنع ورضي بقضاء الله واستمر وزوجته في هذه الحياة الهادئة .

ليالي الصيف يجلس تحت شجرة التوت التي زرعها والده_كما يؤكد دائما امام اصدقائه_ يتسامر هو وضيوفه ،ويشربون من ماء "الزير" الراقد تحت شجرة التوت ، وكثيرا ما سمع الجيران صوت ابي الهدى وهو يصلي صلاة الفجر جهرا تحت الشجرة.هكذا كانت حياة ابو الهدى قانعة وهادئة.

ولكن دوام الحال من المحال_كما يقولون_ فقبل سبعة اشهر اصابه مرض في المفاصل، واضظر لزيارة الاطباء المختصين كثيرا،مما اوقعه في ضائقة مالية  كبيرة اغرقته بالديون واستمر الوضع من سيء الى اسوأ الى ان اتى اليوم الذي لم يعد يوجد في بيته كسرة خبز .وها هو يصلي صلاة الفجر تحت الشجرة ،ويدعو الله "يارب يا ارحم الراحمين" انت اعلم بالحال "اللهم فرج كربنا".بعد ان فرغ من الصلاة ،جلس وزوجته يتحاوران لبحث هذا الوضع الصعب .واخيرا استقر الرأي على ان يستدين خمسة دنانير من احد معارفه حين يذهب الى المسجد لصلاة الظهر .

ودع زوجته وخرج في طريقه الى المسجد متكئا على عصاه وبينما هو يسير ببطء نظر بين قدميه واذا بورقه نقديه من فئة الخمسة دنانير انحنى والتقطها ،ثم تلفت حوله ليسأل عن صاحبها ،فلم يجد احدا رفع راسه الى السماء وشكر الله على هذه الهديه الثمينه وسار في طريقه الى المسجد ،واكثرا من الشكر والدعاء واثناء عودته اشترى لنفسه ولزوجته طعاما بالخمسة دنانير.

وفي المساء جاء جاره ابو هيثم لزيارته ، فأخبره ابو الهدى عما حدث معه اليوم . وان الله لا ينسى احدا وانه لن يخاف الجوع بعد اليوم .وتحدثا فترة طويلة من الليل وكانا في غاية السرور.

وفي اليوم التالي خرج ابو الهدى كعادته لاداء صلاة الظهر في المسجد .وحين وصل الى نفس المكان وجد هذه المره اربعة دنانير فقط .تلفت حوله فلم يجد احدا ،وضعها في جيبه ورفع رأسه للسماء شاكرا لله . وكان اشد فرحا من اليوم الذي سبقه .وفي المساء اخبر ابا هيثم بالحادثه وكانا في غاية الدهشه .

تكررت هذه الحادثه ثلاثة  ايام اخرى ،وفي كل يوم تنقص الخمسة دنانير دينار اخر ،الى ان اتى اليوم الذي وجد ابو الهدى وهو في طريقه الى المسجد دينارا واحدا فقط ،التقطه ووضعه في جيبه وشكر الله كثيرا وكاد يطير من الفرح .

اصيب ابو هيثم بدهشة شديدة وقد احتار في هذا الرجل رغم انه هو الذي كان يضع له النقود في الطريق .فقط كان ميسور الحال ويعلم بحال جاره ،فقرر ان يساعده دون ان يجرح شعوره ،ولانه يحب الدعابه ابتكر هذه الطريقه لايصال النقود لابي الهدى .ولكن ما لم يفهمه ابو هيثم لماذا كان يزداد سروره ،كلما نقص المبلغ دينار اخر بدل ان يغضب_وهذا ما اراده ابو هيثم(من الدعابة)_ .فلم يجد اجابه لسؤاله وعاد الى بيته وهو في حيره من امر هذا الرجل .

صلى ابو الهدى صلاة العشاء ،وذهب لينام ،ثم بدأ يدعو الله في فراشه كعادته قبل ان ينام ."اللهم ارحمنا يا ارحم الراحمين"اللهم اني اشكرك على هذه النعمه التي ارسلتها لي ولكن يا رب ارجو ان نبدأ غدا بخمسين دينارا بدلا من خمسة مثل المرة الاولى ،فانت اعلم بالحال ،وانا واثق انك لن تخذلني"يا مجيب الدعوات يا رب العالمين" انهى دعاءه ونام سعيدا بانتظار الغد.

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author