يكِل الله ألأفراد والشعوب إلى اختياراتهم ،فلا يتسلق المفسدون إلا على أكتاف من انحنوا لألتقاط مطامع النفس وملاحقة نزواتها، أو من تقزّم عقله لا يتعلم من تكرار التجارب..مُتبلِّدٌ حسه يُلدغ من جُحرٍ مرتين ولايبالي! قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وجاء في الأثر"كيف ماكنتم يولى عليكم " وهناك تعريف شائع للسياسة أنها:فن الممكن!..وبما أن الفساد موجود فبديهي أنه من الممكن الذي أُتيح لصاحب السلطة وماعليه إلا أن يمارس الفن فيه!! وقد أفصحت الشعوب عن هذه المعادلة عبر المثل الشعبي "من فرعنك يافرعون قال مالقيت احد يردني"
تشوشت علاقة الحاكم بالمحكوم وغابت الصورة الصحيحة لهذه العلاقة في أذهان الناس!والتي هي عبارة عن عقد بين طرفين ألأمه فيه ألأصيل والحكام وكيل عنها، ويتضح هذا المعنى من "قول عمر:هل تدرون ما مثلي ومثلكم ؟مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم الى رجل منهم فقالوا له :أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ قالوا لا يا أمير المؤمنين، قال فكذالك مثلي ومثلكم" '١' كما أن الأمة وأهل الحل والعقد كانوا متمسكين بهذا الحق ويتضح ذالك في الحوار الاتي: -عمر 'رض' وقد جمع الناس حوله :لقد شغلتموني بإمركم ،فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال؟ -علي 'رض' : ما أصلحك واصلح عيالك بالمعروف..ليس لك من هذا المال غيره. -القوم: القول ماقال علي '٢'
إستحضار هذه الصورة الصافية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم -وإن قد يراها البعض مثالية متسامية عن الواقع -هي ذخيرة حية لمواجهة المفسدين..فهي تكشف الصورة المزيفة بمنطق الحق الذي يراد به باطل والشعارت المراد بها ذر الرماد على العيون وإرهاب المخالف بالتدليس وليّ نصوص الشريعة، فتحرر المرء من قيود متوَهمَة ،وتشحن النفس بشحنات تعزز الأنفة ورفض الضيم حينما تعلم أن من يتسلط عليك ليس إلاّ لص فاجر يرى أنه دولة! وعلى الاقل أجزم أن من تتضح عنده هذه الصورة أنه لن يكون من أولئك الذين تتقرح منهم أكباد المصلحين! والذي وصفهم الكواكبي وكأن قيح كبده يخرج من قلمه فقال:العوام هم قوة المستبد وقوته، بهم وعليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريما، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعدونه رحيما، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليهم منهم بعض الأباة قاتلوهم كأنهم بغاة" '٣'
إن من واجب اليوم تحرر الثقات من عجزهم! ..فلابد من تجاوز حالة "عجز الثقة" لمكافحة جلد الفاجر ، وإستعاذة النبيﷺ من عجز الثقة وجلد الفاجر،هو دليل على أنها حالة ينبغي السعي للخروج منها والأستعاذة أول المسعى.. نعم ..'لابد' على السطر سهله ونقلها للواقع صعب!ومع ذالك لابد مما ليس منه بُد.. وكل من وجد في نفسه أستعداد للعمل بإخلاص وتجرد لله وكفاءة في أي عمل ،يدفع به المفسدين اليوم او يخفف من فسادهم فهو ثقة، وهو أدرى بإسباب عجزه وكيف يخرج منها، لإن العواقب باتت تتضح أنها وخيمة والخيار ماعاد متعدد ،وغاية وجودنا في الدنيا بذل أسباب( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ )وهل العمل إلا بذل أسباب؟!!
عَنْ حُذيفةَ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ" '٤' وقالﷺ: ... لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد السفيه، ولتأطرنه على الحقِّ أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم يلعنكم كما لعنهم" أي بني أسرائيل '٥'
ولنا أن نستحث بعضنا بعضاً ومن يكلّف غير نفسه عالة!
_____
'١' ابن سعد ٢٠٩/٣ بإسناد صحيح
'٢'ابن جرير الطبري ٤٥٢/٢
'٣' طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد -ص ١٣٩
'٤'رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
'٥' رواه أَبُو داود والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ. هَذَا لفظ أَبي داود.
You must be logged in to post a comment.