اتصل محمود بهاتف مريم قائلا:
- مريم أخبري السائق بأن يعود إلى الشركة الآن.
وكانت مريم صامتة وهى ترى مكالمة محمود قادمة من هاتف خالد فوقع هاتفها من الصدمة، وفجأة سمع محمود صوت صرخة مريم وطلق ناري.
هرع محمود ولا يعلم كيف يتصرف فقد شل تفكيره، وأمسك رياض من ياقته وهو يقول:
- أنت السبب في كل هذا.
- اهدأ قليلا.
وجاءت مكالمة إلى رياض من السائق وهو يقول:
- ألحقنا يا سيد رياض لقد جاء إلينا شخصاً ملثم أوقف السيارة في شارع فارغ، وأخذ الحقيبة من مريم وأطلق عليها الرصاصة وهرب.
- أين أنتم الآن؟
- نحن في شارع مائة وثلاثون.
- سأرسل سيارة إسعاف الآن
وتم نقل مريم إلى المشفى وبقي محمود يؤنب رياض لما فعله، وقال الطبيب:
- إن حالة مريم ليست مستقرة، أما السائق بخير وقفنا نزيف رأسه بسبب الحادثة وتوقف السيارة فجأة.
ذهب محمود إلى السائق ليسأله:
- ماذا حدث؟
- فجأة صدمتني سيارة خرج منها رجلاً ملثم، فتح الباب وأخذ الحقيبة، ولم تقاومه مريم فقد كانت تبكي بدون توقف وكأنها في عالم أخر، ولا أعلم لماذا أصابها برصاصة وهى لم تقاومه، كما أنها لم تكن تراه أمامها من الأساس وأنا لم أستطع الحراك بسبب الاصطدام.
فقال محمود في نفسه: إذن كنت تنوي قتلها يا رياض، ولكن هل كل ذلك من أجل حمايتي؟ لا، لا أظن ذلك، فماذا تخفى عني يا رياض؟
وبعد ذلك قال رياض لمحمود:
- لقد دفعت تكاليف المشفى، والآن سأذهب إلى الملثم لأخذ الحقيبة، ويأخذ المال المتفق عليه فالحقيبة مغلقة، وهو يظنها أوراق ولكني سألقنه كلمات قاسية لأنه أطلق الرصاصة على مريم.
- هل من الممكن أن تعطيني رقم الملثم؟ فهناك شخصاً أريد منه أن يسرقه.
- هل عدت محمود القاسي الذي عرفته؟ الذى يتخلص من أي شخص وأي شيء يقف أمامه، فقدت تغيرت منذ سنتين بعد الحادث، والذي أثر فيك مع أنك منذ قبل كان لا يهمك شيء.
- نعم عدت، والآن اعطيني الرقم.
- هو يغير رقمه مع كل عملية، فأنا ذاهب إلى ميعاد محدد مسبقاً، سأخبره بأمرك عند مقابلته.
- حسنا إذن.
ورحل رياض وهو يقول في نفسه: من الجيد عدم إخبار محمود برقم الملثم الآن، لأن علي التحدث مع الملثم قبله لاتفق معه بأن يخبرني بما تفكر فيه يا محمود، كما أني أريد من الملثم التخلص من صديقتي السابقة عهد.
جاءت الممرضة إلى محمود وهى تخبره أن مريم قد أفاقت، والطبيب قال:
- إن الحالة استقرت ولكن عليها عدم الانفعال.
وكأنها تنتظر منه مالا مقابل ذلك الخبر، فلم ينتبه محمود وذهب مسرعاً إلى غرفة مريم
ووجدها تبكي وتقول: ليتني مت.
فقال محمود: أعتذر عن ما أنتِ فيه، سأصل إلى الفاعل وسأسلمه بنفسي إلى الشرطة، ولا تقلقي من الإيصال، ها هو مزقيه بنفسك.
- أين خالد؟
- خالد من؟
- خالد الذي حدثتني من هاتفه لتخبرني أن أعود إلى الشركة.
- كنت بالماضي إنسان مستهتر، يفعل أي شيء يريده، وبدون قصد اصطدمت بخالد ويبدو أنه لم ينتبه على الطريق، فقد كان يكتب رسالة من هاتفه وكانت الرسالة لكِ، كان الشارع فارغاً وكنت أنا أتسابق بسيارتي مع سيارة رياض ومعه صديقته، وظهر خالد فجأة بالطريق ولم أنتبه فصدمته، وخرج رياض من سيارته مسرعاً واخبرني أنه قد مات، فساعدني رياض بإزالة أي أثر للحادث، وأخذ رياض الجثة وقام بدفنها واخبرني بعد ذلك بمكان دفنها، أما أنا فعدت إلى المنزل وكأن شيئاً لم يكن، وكان معي هاتفه، لقد مات خالد منذ سنتين وظللتِ ترسلي له الرسائل، حاولت تعويضك عنه بفعل الأمور التي تحبينها وكل شيء تمنيته حاولت فعله، إنها حادثة بدون قصد اقسم لك وحاولت إخفاء الأمر لأحمي نفسي، وحسبت حساب كل شيء إلا أن أقع في حبك؛ والآن أريد أن تسامحيني على ما فعلت وأن كان تسليم نفسي سيريحك سأسلم نفسي، ولكن سؤالاً أخيراً، لماذا أحببتِ خالد كل هذا الحب؟ لمَ بقيتِ بانتظاره كل تلك المدة؟
- خالد لم يكن يحب القهوة بالحليب، ولا الروبيان، خالد لم يشاركني أشيائي المفضلة ، خالد لم يكن مزيفاً، كان على طبيعته، نسمع بعض ونحكي لبعض ما يحدث في يومنا، نتشاجر ونختلف، نتصالح، يعرف كيف يصالحني ويعرفني جيداً، يعرف ما يزعجني وما يفرحني، أثق بحبي داخل قلبه كما كان يثق هو، هو لم يمت هو باقٍ بقلبي، كان يكفيني أن أحكي له عن يومي، عن مخاوفي عن أحداثي السعيدة ، وكنت أفكر كيف سألومه عن غيابه عني كل تلك الفترة، ولكنك الان أكدت الحقيقة التي طالما هربت منها، والآن أرجوك أعيد إلي هاتف خالد، واعلم أني لا أسامحك على ما فعلت.
- ها هو الهاتف.
- أين جثة خالد؟ أريد رؤيته.
- أخبرني رياض بمكان دفنها، سأخرج الجثة وأبحث عن مكانها بدقه حسب وصف رياض.
- سأذهب معك.
- لا فحالتك حرجة، لا تقلقي سأنفذ رغبتك.
- سأذهب معك فأنا بخير، إن الرصاصة التي اخترقت جسدي لا تؤلمني، ولكن ما يؤلمني الرصاصة التي اخترقت قلبي.
- سأبقى بجوارك حتى تستطيعي الخروج وسنذهب سوياً.
وصل محمود مع مريم بعد يومين إلى الأرض الصحراوية بالطريق ووجد زرع الصبار وقام بالحفر بالجوار وتم إخراج الجثة، ولكن الغريب أن هناك طلقة رصاصة على جمجمة الرأس، فقال محمود:
- كيف هذا؟ لم أطلق عليه الرصاص! وتذكر أن صديقه رياض كان يحمل مسدساً وهو من دفن الجثة، إذن هو الذي فعل هذا، ولكن لماذا فقد مات بسبب الحادثة؟
- ماذا لو لم يكن خالد قد مات حينها؟ هل تأكدت من موته حينها؟
- لا لقد ثبت بمكاني في السيارة، ورياض هو من نزل من سيارته ليرى ماذا أصابه وأيضاً صديقته السابقة عهد، ولكن لماذا يفعل رياض هذا لو لم يمت؟ لماذا لم يرسله إلى المشفى؟ ولماذا أخبرني أنه مات؟
- يبدو أن رياض شخصاً ليس سهلاً، فأنا لاحظت أن أمور الشركة معه، والآن عليك التواصل مع تلك الفتاة لتعلم ماذا حدث؟
- سأذهب لأسلم نفسي، ولكن أولاً علي معرفة حقيقة الأمر، والتحدث مع عهد الآن، ستبقى الجثة هنا وسأعيد دفنها.
- اذهب أنت وأنا سأبقى بجوار الجثة حتى تعود.
- لن أتأخر.
اتصل محمود بعهد صديقة رياض السابقة:
- عهد هل تذكريني أنا محمود صديق رياض.
- نعم أذكرك.
- أريد مقابلتك الآن.
- لا بأس، فأنا الآن في النادي، في انتظارك.
- سآتي في الحال.
وقالت عهد في نفسها: لماذا يريد مقابلتي يا تُرى؟ ولكن مهما يكن السبب يبدو أنه قد حان الوقت للاعتراف بما حدث بالماضي.
بعد مرور ساعه وصل محمود إلى النادي وقال:
- عهد أريد أن أسألك سؤال، أتذكرين تلك الحادثة منذ سنتين؟ لقد رافقتي رياض أثناء دفنه للجثة، هل حقا كان ميتاً حينها؟
- لا لم يكن كذلك، وفي أثناء حفر رياض أفاق ذلك الشخص، ولكن رياض أخرج مسدسه وأطلق عليه رصاصة اسقطته أرضاً.
- لماذا فعل هذا؟ ولماذا لم تخبريني بذلك؟
- لأنه أخبرني إذا ظللت معتقد أنك كنت سببًا في مقتل شخص، سيستغل رياض هذا لمصلحته من ترقيات وأموال ، كما أنه أعطاني مبلغاً لإسكاتي مع المبلغ الذى أعطيته لي مقابل صمتي، وبهذا استفدت أنا أيضاً من هذا، ولكني شعرت بالقلق من رياض، لذلك ابتعدت عنه لأتجنب شره.
- لقد اكتشفت الأمر الآن فور رؤيتي للجثة، عليك المجيء معي للشرطة لإخبارهم بالتفاصيل.
- أأنت مجنون؟ هل تطلب مني أن أسلم نفسي للشرطة؟
- ليس هناك وقت، إذا لم تفعلي ربما يقتلك رياض، فأنتِ الشاهدة الوحيدة، وأنا الآن سأذهب إلى الشرطة لأعترف بكل شيء، فقد افتضح أمرنا وعلينا المبادرة.
- ليس لي دخل بشيء، وسأنكر معرفتي بكم، والآن انتهى الحديث بيننا.
وكان محمود يسجل كل هذا الكلام سراً بدون علم عهد، وكانت مريم جالسة بجوار جثة خالد إلى أن وصلت سيارة الشرطة ومعهم محمود، أخذت الشرطة الجثة وتم القبض على رياض وتم القبض أيضاً على الشخص الملثم أثناء محاولته قتل عهد في النادي، وتم تقديم التسجيل الصوتي باعتراف عهد، كما أن عهد اعترفت بما حدث حينها، وتم إثبات أن الطلقة من مسدس رياض المرخص، وتم الحكم على محمود وعهد بحكم مخفف وإعدام رياض وذلك الشخص الملثم.
أما مريم فقد زارت محمود بالسجن مرة واحده فقط لتخبره أنها سامحته، لأنه لم يتخلص من الهاتف وظل يستقبل الرسائل، وطوال هذه المدة كانت تنتظر عودة خالد، وأن خالد سيظل حاضر حتى في غيابه، ونصحته بعد خروجه من السجن أن يهتم بشركته لكي لا يبقى بالشركة الحاضر الغائب، وأن يختار موظفين مخلصين وأصدقاء صادقين، وبقي محمود يرسل رسائل كتابية إلى مريم من داخل السجن طوال حبسه دون أي رد من مريم، وبعد مرور عامان خرج محمود من السجن، وحاول مقابلة مريم وبعد العديد من المحاولات تزوج من مريم...
You must be logged in to post a comment.