رواية ضحية الأصدقاء (الجزء الثاني)

نهضت عالية مسرعة لغرفة ابنتها وأشعلت الإضاءة وقالت لها:

- ماذا هناك يا ميرنا؟

- رأيت أبي محبوس ونحاول أن نفتح له الباب فرأيت شبح يهاجمنا وصرخت لأحذرك منه ولكن لم تسمعيني فهربت منه ووجدت نفسي وحدي وصرخت لينقذني أحد ورأيت شخص يحاول يبعد الشبح وظل يناديكِ ولم تسمعينا واستيقظت قبل أن يأكلني الشبح.

- هذا فقط كابوس وليس حقيقة اهدئي يا ميرنا.

- أنا خائفة يا أمي.

- سأنام بجانبك هذه المرة، اطمئني.

في اليوم التالي رن هاتف عالية ولم تكن ترغب بالرد على سهام، فحتى الآن عمرو غاضب منها، ولكن تذكرت أمر العمل فقالت: لا أريد الرد ولكن أريد معرفة معلومات عن العمل الذي أخبرتني عنه؛ فأجابت الهاتف:

- عالية لا أستطيع أن اقابلك في الوقت الحالي بسبب ابنتك.

- ماذا هناك؟

- لقد قمت بافتتاح مصنع للأغذية وأريد توظيفك بالعلاقات العامة، ما رأيك؟

- هذا جيد ولكن أحتاج بعض الوقت لتدريب لأني لم أعمل منذ فترة.

- لا تقلقين سنقوم بتدريبك وبترتيب كل الأمور ولكن هل ليس لديك مانع بالعمل؟

- نعم بالتأكيد، ولكن سأسأل عمرو أولا.

- وماذا عن ميرنا؟

- سأعطيها لوالدتي حتى عودتي، ولكن اخبريني ما سبب مجيء مدحت المرة السابقة؟ كيف تعرفتي عليه؟

- تعرفت عليه أنا ورباب يوم زفافك، ثم قابل رباب مصادفة أثناء العمل، وعندما علم بتجمعنا أراد أن يفاجئك.

- لقد تضايق عمرو كثيرا وأخشى أن يرفض عملي بسببه.

- ولماذا أخبرتهِ؟

- لا أحب أن أخفي شيئا عنه ولكن في الحقيقة ميرنا من أخبره.

- حسنا سأتصل به وأشرح له الأمر، رباب معي وتريد محادثتك.

- حسنا.

- مرحبا عالية.

- مرحبا رباب، هل ستعملين مع سهام وتتركين عملك؟

- نعم، فهي تحتاج الكثير من الموظفين وأريد دعمها، وفي الحقيقة راتبها أعلى من شركتي.

- هذا جيد.

- نعم بالتأكيد سننتظرك في الغد.

أغلقت عالية الخط وتضايقت أن سهام ستتحدث إلى عمرو، وشعرت أنها ربما أوقعت بينهم، وأنها أخطأت لتدخل شخص بينهم، ولكنها لم تعطها فرصة لترفض عرضها بالتدخل، كم سهام خبيثة ولئيمة. 

عند عودة عمرو إلى المنزل، حاولت عالية أن تشرح الأمر لعمرو وقالت:

- مدحت تعرف على رباب وعندما علم أنها ستقابلني جاء معها، أي أن مدحت جاء لمصاحبة رباب.

- يصاحبها أينما شاء ولكن لا يصاحبها بمكان أنتِ به.

- جاء لأنه ابن خالتي لا أكثر أو أقل.

- هذا غير مقبول، وكلامي لن يتغير لن تذهبين لرؤية سهام أو رباب.

تعجبت عالية من حديث عمرو، فموقفه لم يتغير وكأن سهام لم تحدثه أو ربما حدثته وأوقعت بينهم، فسألته وقالت:

- ألم تحدثك سهام لتشرح لك الأمر؟

- لا، لم تتحدث إلي، ومهما قالت لن....

قاطع حديثه مكالمة من سهام:

- مرحبا عمرو.

- مرحبا سهام.

- لم نتحدث من زمن.

- نعم يبدو كذلك، متى عُدتِ؟

- منذ أشهر وسأفتتح مصنع أغذية.

- حقا؟ هذا جيد، بالتوفيق.

- ألم تخبرك عالية؟

- في الحقيقة لا ولكن الأفضل أعلم هذا منكِ.

- إذن أنها لم تخبرك بأمر عملها معي.

- واضح أنها لم تخبرني بالكثير، وماذا أيضا؟

- هذا لأنك وصلت منزلك للتو.

ضحك عمرو وقال:

- بالفعل، كيف عرفتِ؟

- أنسيت أنني كنت أعمل معك في هذه الشركة وأعلم متى تعود؟

- اعتقدت أنكِ نسيتِ، فقد سافرتِ منذ أعوام.

- لا أنسى ذكريات الماضي، فما بالك... لا عليك.

- جيد.

- المهم، أنتظر موافقتك لعمل عالية معي، وأيضا لا تُسيء فهم تواجد مدحت معنا، فزوجتك لم تكن تعلم من سيأتي سواي، وأردت أن أفاجئها بحضور رباب وعندما علم مدحت بذلك اراد أن يأتي معنا، هذا كل شيء.

- لا مانع بشأن عمل زوجتي ولكن أعذريني على شرطي هذا، ألا يكون هذا العمل سبب في تواصل مدحت بزوجتي.

- هو ابن خالتها على أية حال، مهما حاولت أن تفصلهما ستجمعهم المناسبات والمقابلات العائلية، يجب أن تثق بزوجتك سواء تواجد مدحت أو غيره.

- أنا أثق بها كثيرا، لذلك لم أمانع عملها، ولكن لا أثق بمدحت.

- حسنا، سأتولى أمر مدحت بما يخص شركتي ولكن لا أعدك بالتعامل خارج إطار شركتي.

- هذا يكفي، وأنا سأتولى غير ذلك، سأقوم بتوصيلها ذهابا وإيابا.

- ما أجمل حديثك، يا ليت جميع الرجال مثلك، يا ليتني أحظى برجل مثلك؛ ثم أكملت في نفسها: يا ليتني حظيت بك.

- شكرا لمجاملتك.

- أبلغ سلامي لعالية وسأنتظرها غدا.

- حسنا.

لم تشعر عالية بالراحة من هذه المكالمة وما أشعل النار بقلبها هدوء عمرو تجاه عملها وكذلك موضوع مدحت بعد هذه المكالمة وليس بسبب حديثها معه، فشبّ الشجار بينهم ولكن في الاتجاه المضاد، وأصبحت عالية من تغار على عمرو من سهام، لم ترغب عالية بالعمل بسبب كل هذا الخلاف، ولكن شعورها بحاجتها للعمل، ليست حاجة مادية ولكن حاجتها لمواكبة العصر والتطلع لكل ما هو جديد وتحقيق نفسها وذاتها لتعزز ثقتها بنفسها وقدراتها هي من دفعتها للتفكير مجددا في الأمر.

أخبرت عالية والدتها بأمر عملها وترك ابنتها ميرنا عندها، فشجعتها لتحقيق نجاحتها وهي ستعتني بحفيدتها وتراعيها.

في اليوم التالي ذهبت عالية باكرا إلى أمها وتركت ابنتها وبعد ذلك ذهبت للمصنع، وقامت باستقبالها رباب صديقتها، وقالت:

- أهلا بكِ يا عالية، لم تأتي سهام بعد، ما رأيك نتحدث سويا حتى تأتي.

- حسنا.

- كيف حال زواجك؟ وحال ابنتك الآن؟

- جيد، وماذا عنكِ؟

- لا جديد، فقط أعمل لتحقيق ذاتي واستقراري المادي والمعنوي.

- وكيف تعرفتِ على مدحت؟

- سأجيبك ولكن هل تسألين لأنكِ تغارين عليه؛ وظلت تضحك بمكر.

- الأمر ليس كذلك، ولكن تفاجأت برؤيته معكم.

- رأيته أنا وسهام بحفل زفافك، وعندما قام بالدعاية لخدمات شركته لنا، رأيته وقد ألفته لكن لم أتعرف عليه، هو من تعرف علي وعرفني بنفسه، وبدأنا نتواصل من وقتها، وعندما عادت سهام عرفتها عليه لتستفيد منه في إنشاء مصنعها.

- هكذا الأمر إذن.

- نعم.

جاءت سهام وقامت بتحديد فترة تدريب لعالية أما رباب فلا تحتاج، ولكن رباب أرادت أن تدعم عالية في عملها وساعدتها كثيرا ولم تفارقها حتى تمكنت من العمل تمام ويأكلون ويشربون ويتسامرون سويا طوال اليوم، جاء مدحت إلى الشركة لمقابلة سهام ودخل لمقابلتها وأنه أحضر خاتم ليعطيه إلى عالية ولكنها لن تقبل ذلك فأراد أن تعطيها هذا الخاتم بنفسها، تحدثت إليه بحدة وأخبرته ألا يأتي إلى الشركة مجددا فهذا شرط عمرو وهي وعدته ولن تخلف وعد عمرو مهما كلفها الأمر وأنها لن تعطيها الخاتم بالتأكيد، فقال لها:

- اهدئي يا سهام، حسنا لن آتي الشركة مجددا، ولكن ما هذه الهدية؟

- هذه الهدية إلى عالية لألتحقها معنا.

- ما رأيك أعطيها الخاتم مع الهدية.

- لا لن أفعل.

- حسنا ربما رباب تساعدني، ولكن لن أحدثك مجددا ولن تكونين صديقة لي.

- اسمعني يا مدحت، أنا أقدرك كصديق ولكن ما تطلبه لا يجوز.

- أعدك لن أطلب شيء مجددا، هذا أخر طلب يخص عالية، هذا الخاتم اشتريته منذ كنت بالجامعة، كنت أعمل أثناء دراستي منذ الثانوية لأوفر ثمن هذا الخاتم وأقدمه لها، وبعد أن أخذته مني ولبسته وأحبته، قامت بإعادته لي بعد خطبتها، لم أفرط فيه وكل رجائي أن تأخذه مرة أخرى.

- ولكن إن رأته ستعرف أنه منك، ولن تقبله بالتأكيد.

- لقد غيرته بواحد أغلى وأجمل.

- سأهديها ساعة لم تتعدى ألف جنيه وأنت تخبرني أن أعطيها خاتم بعشرة آلاف كهدية؟ لا يعقل بالتأكيد.

- اخبريها أنه تقليد.

- حسنا ولكن لن افعل شيء كهذا ابدا.

- لا تقلقين، لن أضايقك ابدا.

- هيا أخرج ولا تزورني بالشركة ممكن خارجها.

- حسنا.

 ذهبت سهام وسألت عالية:

- كيف يبدو الأمر؟

- يبدو أفضل فساعدتني رباب كثيرا.

- حسنا انتظري.

قامت سهام بإعطاء عالية هدية وقالت:

- هذه هدية بسيطة بمناسبة التحاقك بنا، كيف ستعودين المنزل؟

- شكرا على الهدية، سيأتي عمرو لاصطحابي.

- جيد، منذ زمن لم أراه.

جاء عمرو لاصطحاب زوجته وسلم على سهام وكذلك رباب، قالت سهام:

- لم أراك منذ زمن، لمَا لمْ تسأل عن زميلتك بالكلية؟ هل عالية تمانع؟

- لا ليس الأمر كذلك ولكن أنتِ تعلمين انشغالات الحياة، هل تزوجتِ؟

- لا ليس بعد ولكن ربما قريبا.

- هل لديكِ حبيب؟

شعرت سهام بفضول عمرو وظنّت أنه ما زال مهتم بها وشعرت بالمشاعر تجاه ثم قالت:

- شيءٌ كهذا، ستعلم قريبا.

- حسنا جيد أريد أن تعرفينا عليه إن أفصحتِ عنه.

- بالتأكيد، ما رأيك بالعمل معنا؟

- لا فأنا مرتاح بعملي، شكرا لعرضك.

قالت رباب:

- ألا تريد العمل بجوار زوجتك؟ وابتسمت ابتسامة ماكرة.

- يكفي المنزل؛ وضحك ساخرا.

- ماذا عنكِ يا رباب هل تزوجتِ؟

- لا فأنا مرتاحة هكذا، ليس لدي حاجة؛ وضحكت ساخرة.

كانت عالية تشتعل غضبا من حديث عمرو لهن ولاسيما حديث عمرو إلى سهام وتبادل نظراتهم، فقالت: 

- هيا يا عمرو تأخرنا على ميرنا.

- حسنا يا عالية؛ ونظر لهن وقال ألقاكم بخير.

عند ركوب سيارة عمرو، قالت عالية:

رواية ضحية الأصدقاء (الجزء الثالث)..

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author