رواية ضحية المنزل الجديد
بعد غربة دامت عشر سنوات خارج البلاد قرر آدم وزوجته فريال العودة إلى مصر.
كان آدم في الأربعين من عمره يعمل طبيب جراح، أما فريال فقد كانت في الثلاثين من عمرها وتعمل مهندسة ديكور.
بعد مرور اسبوع من العودة تواصل آدم مع سمسار شقق وأخبره بمواصفات المنزل الذى يريد شراءه بأن يكون طابقين وبه حديقة واسعة وحمام سباحة والأهم من ذلك أن يكون بمنطقة حيوية، وبعد أن شاهد الزوجان بعض الصور استقر رأيهما على أحد المنازل، واتفق الزوجان مع السمسار على رؤيته في اليوم التالي، وبعد أن رأوا المنزل
قال السمسار إلى آدم:
-أن المالك السابق توفى منذ أشهر قليلة، ووريثه الوحيد هو مراد أبن أخيه وهو حاليا مسافر بالخارج، ووكيله هو مَن سيتم عملية البيع.
-لا بأس بذلك، وأتمنى أن تتم الإجراءات بأسرع وقت، فالمنزل كبير ويحتاج الكثير من الترتيبات.
-حسنا، وبالمناسبة هناك خادمة تحتاج إلى عمل، كما أن زوجها يجيد السواقة، ما رأيك؟
-موافق على ذلك.
-حسنا، سأتواصل معهم ليأتوا إلى المنزل فور انتقالكم.
وفى خلال اسبوع تم البيع وتم شراء أثاث جديد وتغير ألوان الجدران وكانت فريال هي مَن تُشرف على ذلك، وبعد الانتهاء انتقل الزوجان إلى المنزل، وفى مساء اليوم ذاته جاءت الخادمة جليلة وزوجها أنيس إلى المنزل.
فى صباح اليوم التالي أحضرت الخادمة جليلة الفطور بغرفة الطعام وكان الفطور انواع مختلفة من الجبن ومربى وخبز والشاي الساخن، وقالت لها فريال:
-بعد ساعة أحضري لنا عصير التفاح بالحديقة.
-حسنا سيدتي؛ ثم عادت الخادمة إلى المطبخ.
وأثناء تناول الفطور قالت فريال إلى آدم:
-ما رأيك أن نقيم احتفال لنلتقي بأصدقائنا؟
-كنت أفكر بهذا أيضاً.
-حسنا، نحتاج منظم حفلات وأريد فقرة الساحر ستكون ممتعة وقارئة الفنجان.
-علينا الآن تحضير قائمة بأسماء الأصدقاء وأرقمهم.
-ما رأيك أن نرسل رسائل بالبريد أفضل من أن نتصل
كنوع من التغيير وأيضاً ليكون خبر عودتنا مفاجأة لهم؟
-فكرة جيدة عزيزتي.
بعد مرور أسبوع كان يوم الاحتفال
وفى المساء كان المنزل ملئ بالإضاءة والزينة وطاولة طعام بالحديقة مليئة بأشهى الأكلات وكانت فقرة الساحر من أفضل الفقرات، وكانت الفقرة التالية قراءة الفنجان،
جلست فريال وصديقاتها لشرب القهوة وكانت جالسة بجوارهم امرأة ترتدى عباءة سوداء وتضع حجاب يخفى نصف شعرها وكانت عيونها الواسعة مليئة بالكحل ويدها مزينه بالسلاسل الذهب والأساور الذهبية.
قالت قارئة الفنجان إلى احداهن ستحملِ قريباً، ولأخرى ستحصلين على هدية من حبيب قريباً، ولأخرى سترثين مبلغ كبير قريباً؛ وعندما امسكت بفنجان فريال وقع الفنجان وكُسر، فقالت قارئة الفنجان:
-إنه إنذار شؤم.
فقالت فريال:
-لا بأس سأشرب غيره.
وعندما امسكته قارئة الفنجان قالت:
-احذري، عليكِ أن تحذري من هذا المنزل الملعون.
-ما هذا الهراء؟!
-ارتدي هذه القلادة وستبقى بأمان.
رحلت بعد ذلك قارئة الفنجان وانتهت الحفلة.
بقيت فريال بالحديقة تلك الليلة وهى تفكر في كلام قارئة الفنجان ولاحظ آدم شرودها، فقام بسؤالها:
-عزيزتي، ما الأمر؟
فحكت له فريال ما حدث، وضحك آدم ضحكه عالية، فغضبت فريال وقالت:
-أتضحك وأنا أقول لك أن المنزل ملعون.
-إنها تقول كلاما كاذبا لتكسب المال، إذا كانت منكن مَن ترتدى خاتم الزواج فإنها تنتظر أن تحمل بطفل، ومَن لم ترتدي خاتم زواج فهي تنتظر حبيب، ولأن صديقاتك من الطبقة الراقية إذاً ربما ترث إحداكن مبلغ كبير، ولأن فنجانك كُسر فقالت لما لا تخيفك قليلاً.
-نعم يبدو كلامك منطقيا، وماذا عن تلك القلادة؟
-يبدو أنكِ دفعتي مبلغ أكبر بسبب تلك القلادة.
-نعم.
-بالتأكيد هي مزحه منها، لتأخذ مالا أكثر.
-أنت محق أشعر بالراحة الآن وأستطيع النوم.
عند الساعة الرابعة صباحا في ليلة يوم الاثنين كانت الأمطار تهطل بغزارة، واستيقظت فريال من النوم وهى تصرخ، فقال زوجها:
-ماذا هناك عزيزتي؟ هل هو كابوس؟!
-نعم، كانت السماء تمطر وذهبت إلى مكان غريب، وقَتلت رجلا وطعنته عشر طعنات بعد أن أصابته بجهاز كهربي صاعق.
-اهدئي عزيزتي، أنتى بالمنزل.
-إنه حقا كابوس مخيف، أين القلادة؟
-على الطاولة.
ذهبت فريال إلى الطاولة وارتدت القلادة، ثم عادت إلى النوم.
في الصباح استيقظت فريال ونزلت إلى الحديقة وبقيت تتمشى بمفردها تفكر بذلك الحلم إلى أن استيقظ آدم وتوجه إليها وعندما رأته قالت:
-صباح الخير، هل نويت أن تتمشى في الصباح؟
-لا؛ جليلة اخبرتني انكِ هنا، أخبريني هل ذهبتِ إلى أي مكان؟
-لا، لماذا؟
-لأن حذائك الأبيض مغطى بالوحل.
-أنت تمزح، أليس كذلك؟
-لا، لقد وجدته هكذا بجوار حذائي، ونظفته لكِ.
-لم أخرج به حتى الآن، دعك من هذا أنا جائعة، سأطلب من جليلة تحضير الفطور.
-لقد طلبت منها بالفعل تجهيز الفطور وإحضاره إلى هنا بالحديقة.
-جيد.
وبعد تناول الفطور قرأ آدم الجريدة وكان هناك خبر لفت انتباهه وهو:
"تم العثور على جثة شخص مطعونا عشر طعنات ويبدو أنه قُتل بعد منتصف الليل أثناء سقوط الأمطار والغريب أن ذلك الضحية احتراق منزله العام الماضي".
أخفى آدم الجريدة عن فريال ليفكر كيف سيخبرها بالأمر،
ولكن فريال علمت بالأمر أثناء مشاهدتها إحدى القنوات الاخبارية بالتلفاز بعد الظهر.
جلس الأثنان صامتان على طاولة الطعام لتناول الغداء، ولاحظت فريال نظرات آدم إليها وما هي لحظات حتى بدأت فريال بالحديث:
-ما أخبار المشفى التي كنت تنوي إنشاءها؟
-وجدت أخيراً قطعة أرض مناسبة لبناء المشفى.
-جيد.
ثم عم الصمت بينهم حتى قرر آدم البدء بالحديث:
-عزيزتي، أولا أريد أن أخبركِ أن مهما حدث سأبقى بجانبك ولن اتخلى عنكِ.
-لما تقول هذا؟
-لقد قرأت خبر بالجريدة وكانت نفس الجريمة التي رأيتها بالحلم، أخبريني بالحقيقة.
-لقد علمت بالخبر من التلفاز وصدقني لم أفعل شيء.
-لقد كان حذائك مغطى بالوحل.
-يبدو أن هذا المنزل هو السبب، لذلك سأذهب إلى السمسار وأعرف منه طريقة للتواصل مع المالك السابق الذى ورث ذلك المنزل وأسأله إذا كان يعرف شيئا.
-حسنا، وانا سأذهب إلى عنوان الضحية الذى احترق منذ عام لأعرف سبب الحريق.
-حسنا اذن هيا ننطلق الآن.
في منزل الضحية وحيد
بحث آدم عن أحد جيران الضحية، ورأى امرأة عجوز جالسة بشرفتها تنظر على المارّين بالشارع، فقال لها:
-أنا أُدعى آدم صحفي بأحد الجرائد، أريد منك بعض المعلومات بخصوص مقتل وحيد.
-حسنا، أسألني.
-كيف احترق المنزل العام الماضي؟
-لقد قام شخص مجهول بدلق الجاز ثم أشعل النار وكان وحيد نائم بالداخل واستيقظ على أصواتنا وكان الجيران يحاولون إطفاء النيران واستطاع وحيد الهرب ولكنه أُصيب ببعض الحروق البالغة وعالجها بمبلغ كبير بعد ذلك.
-هل له أقرباء أو أصدقاء؟
-منذ أكثر من سنتين كان يزوره ثلاثة شباب ويلعبون الأربعة ألعاب ورقية وكانت تحدث دوما بينهما شجارات، ولذلك اجتمع الجيران وأخبروا وحيد أن شارعنا لا يقبل بهذه التصرفات الطائشة فإما أن يرحل وإما أن يتوقف عن ذلك، واستسلم وحيد للأمر، ويبدو أنهم انتقلوا بمنزل أحد أولئك الشباب للعب لذلك بقي وحيد يعود إلى منزله بوقت متأخر من الليل، وهذا كل ما لدي.
-شكرا لكِ، هذا يكفى.
كانت فريال في تلك الأثناء تتحدث مع السمسار:
-هل من الممكن أن نتواصل مع المالك السابق؟
-لا، إنه مازال مسافر كما قلت لكِ من قبل.
-وماذا عن وكيله؟
-لقد سافر بعد أن قام بالبيع.
-هل ممكن إعطائي رقم هاتفه أو بريده الإلكتروني؟
-لقد مُسح الرقم من هاتفي بدون قصد، هل هناك خطبا ما بالمنزل الجديد؟
-لا، ولكن إذا استطعت التوصل مع أحدا منهم أبلغني على الفور.
-حسنا سيدتي.
وقبل خروجها من المكتب دخل عامل المشروبات وكان هو نفسه الوكيل الذى أتم بيع ذلك المنزل إلى آدم وزوجته فريال ويحمل كوب شاي، نظرت إليه فريال وقالت إلى السمسار:
-هل هذا هو وكيل المالك السابق !! إنه موظف لديك!! هذا يعني أن ما فعلته كان تمثيلية وعملية نصب واحتيال!!
نظر السمسار إلى العامل وقال بغضب:
-أكان يجب أن تحضر في ذلك الوقت، لقد خربت كل شيء ارحل الآن من أمامي؛ ثم نظر إلى فريال وقال:
-اجلسي سيدتي وسأشرح لكِ كل شيء ارجو أن تهدئي.
-حسنا، وإياك أن تكذب.
-هناك سر خطير يخص ذلك المنزل، أو كما يصح وصفها باللعنة.
-لعنة؟!
-نعم، المنزل ملعون، بعد أن قُتل جميع ورثة المنزل.
ضحية المنزل الجديد (الفصل الثاني)
بقلم: أمنية نبيل
You must be logged in to post a comment.