غادرت شمس الكلية وقررت ألا تذهب إلى الكلية مرة أخرى، وظل طارق ينتظرها كل يوم وأراد أن يسأل عنها ولكن لا يعلم اسمها حتى، فسأل عنها إحدى الطالبات وقام بوصفها، فنظرت إليه إحداهن وقالت: تقصد شمس.
سرح قليلا وقد عجبه الاسم وقال:
- نعم هي.
- هي الوحيدة التي تكره الكلية كثيرا ويبدو أنها ستتركها.
- ألا تعلمين أين تسكن؟
- لا، فلتسأل شئون الطلبة.
- ما اسمها بالكامل؟
- لا أعلم فلم نتعرف جيدا.
شعر طارق بالذنب تجهها فهو لم يقصد أن تترك الكلية بسببه هو فقط كان يتسلى، ولكن يبدو أنه أحدث ذنب كبير، فحاول معرفة بيانتها وعلم أنها ابنة صاحب أشهر المعامل " ماتركس" وقرر الذهاب للمعمل والسؤال عنها.
طلب من السكرتيرة مقابلة صاحب المعمل وبعد أن قابله وعلم ما فعله وأراد أن يقابلها ويعتذر منها، ذهب إلى منزلها وحينما رأته صرخت بوجهه وقالت له: ماذا تفعل هنا؟ هل تريد مني مغادرة المنزل أيضا؟
حاولت أمها نادية تهدئتها أما رجاء لم تهتم لشيء وقالت لابنتها: نادية هي من دلعتك، لم أحسن تربيتك.
قالت نادية: أعذريها يا رجاء فهو ضايقها كثيرا.
علم طارق أنها حكت ما حدث لتلك السيدة الطيبة وهو لا يعلم أيهم أمها الحقيقية، شعر بالأسى عليها أكثر وألح في الاعتذار منها، فتقبلت اعتذاره وقررت العودة للكلية.
عندما رآها طارق شعر بالراحة وكعادته لا يحضر محاضراته ويمرح ويتسلى ولكن دون أن يقترب من شمس.
تعجبت شمس من هدوء الأيام في الكلية وشعرت أن هناك شيء ينقصها، فكان طارق يدخل الإثارة والحيوية ليومها بالكلية، كان يشغل تفكيرها وظلت تراقبه من الحين للأخر، انتظرت أن يحاول مجددا التقرب لها وهي لن تصده كالسابق ولكن بلا جدوى، لاحظت نادية تغير بحيوية شمس وبدأ الحديث بينهم:
- ماذا هناك يا شمس؟
- لا شيء، أنا بخير.
- لمَ تخفين علي، ألست كأمك؟
- بل أنتِ أمي بالفعل، ولكن أنه أمر غير مهم.
- أحكي لي وسأحكم بنفسي.
- في الحقيقة.. أنا... أقصد...لا أعلم من أين أبدأ؟
ابتسمت نادية ابتسامة ماكرة وشعرت بأن شمس يبدو عليها أعراض الحب، فحاولت فتح الكلام وقالت:
- هل الأمر متعلق بذلك الشاب الذي آتى منذ شهر أو أكثر؟ لا أتذكر اسمه.
أحمرت وجنتيها ونظرت بالأرض وهي مبتسمة وبصوت رقيق وقالت:
- تقصدين طارق؟
- نعم هو، هل الأمر يخصه؟
- كيف عرفتي أنه هو؟
- أشعر بابنتي الغالية، فقد كبرت ابنتي وتشعر بالحب.
ثم تحدثت بقوة وقالت:
- لا، لا، لا ليس الأمر كذلك.
ثم عاودت الحديث برقة وقالت:
- فقط يبدو أني معجبة به.
ضحكت الأم عاليا وقالت:
- كل هذا إعجاب فقط، لا يهم، وهل هو معجب بكِ أيضا؟ أظن ذلك.
انتبهت شمس لأمها نادية وقالت:
- لمَ تقولين ذلك؟ هل فعل شيء جعلك تشعري هذا؟
- هل أنتِ حمقاء يا شمس؟ ألا يكفيك أن يسأل عنك ويحاول الوصول للمنزل ويحاول إقناعك بالعودة للكلية؟
شعرت بالإحباط وقالت:
- وبعد أن عدت لم يحاول الحديث معي مرة واحدة.
ابتسمت الأم وقالت:
- أليست هذه رغبتك من البداية؟
- نعم، ولكنّه لم يسأل عن حالي مرة واحدة كنت أود أن يتوقف عن مضايقتي فقط لا أن يتركني تماما.
- ولكن أتذكر جيدا أن وقتها تغيبت عن الكلية ولم تريه يوم ولم تبالي وكان كل أملك أن يترك الكلية أو ينقل بكلية أخرى، أليس كذلك؟
- أمي.. أمي.
- نعم يا شمس.
- هذا من الماضي لكن الآن أريد أن يتقرب لي مجددا ماذا أفعل؟
ضحكت الأم وقالت:
- انتظري لتتأكدي من مشاعرك، فربما فقط أستفذك تجاهله لكِ، وفي النهاية لا يجب أن تنجرفي وراء المشاعر فهي مهلكة.
- لمَ مهلكة؟ ألم تحبي أبي منذ طفولتك؟
- ورغم ذلك لم أحاول فعل شيء حتى لا أندم، دعوت الله في كل صلاة بدعاء الاستخارة واستجاب الله دعائي لأنه كان خيرا لي وإن كان شرا فلم ليكن زوجي الآن، يجب أن تسلمي اختياراتك لله وحده.
- رغم أن كلامك يحبس مشاعري ولكن شعرت بالراحة بعده، وسأترك الأمر كله لله.
بالخطأ استمعت رجاء لحديثهم وتذكرت منير وظلت تبكي وتقول:
- يا ليتني كنت برشدك يا نادية، ولكن غروري بشكلي وجمالي وحبه لي جعلني أظن أنني أستطيع امتلاكه، ولكن أقدار الله وحدها من تنتصر، لا مال ولا شكل ولا أي محاولات أخرى، أشعر بالذنب تجاه نادية، كيف هي تراعي ابنتي وتنصحها هكذا أما أنا ....، ولكن لا أحد يستطيع حل ما فعلته بالماضي.
في اليوم التالي ذهبت شمس إلى الكلية وتركت الأمر واستمعت لنصيحة زوجة أبيها وأمها الروحية نادية بأن تقاوم مشاعرها، وبعد أيام جاءت إحدى زميلتها وأخبرتها أن هناك رحلة جامعية الشهر المقبل وأنها تريد أن يذهبوا تلك الرحلة، فقالت شمس: أشعر برتابة الأيام حقا، وأحتاج لتلك الرحلة.
ذهبت رجاء إلى أحد المشايخ وطلبت منه النصيحة، وأنها فعلت ذنب بحق شخص وندمت وتريد التكفير عن ذنبها والتوبة إلى الله، فأخبرها صدق التوبة سيبدأ عند رد المظالم، وتركها تفكر كيف ستفعل هذا؟ ولكن يبدو نيران الذنب ستظل تلاحقها أبدا.
لاحظت نادية التغير المفاجئ على رجاء فيبدو عليها الحزن والهم طول الوقت، فأشفقت عليها وحاولت الحديث معها، وقالت لها:
- ماذا هناك يا رجاء؟ ما يحزنك؟
- أشعر بذنب كبير ولا أستطيع رد المظالم أو أن أتطهر منه، ولا أعلم ماذا أفعل؟ وأشعر أن الله لن يقبل توبتي.
- من قال لك أنه لن يقبلها؟
- أخبرني أحد المشايخ أن الله يغفر الذنوب في حقه ولكن حق العبد يجب أن يطلب مسامحة العبد ورد المظالم.
- حاولي عزيزتي رد المظالم، أريد مساعدتك أكتر ولكن يبدو أنكِ لا تريدين التحدث عن الذنب.
- نعم، حتى الآن لا أستطيع البوح به، ولكن هل لديك نصيحة لي دون الإفصاح عن ذنبي؟
- ادعِ الله أن يهديكِ للتوبة والتطهر من الذنب ويلهمك الصواب دون حول منك ولا قوة.
- ماذا تعني دون حول مني ولا قوة؟
- أي دون أن تفعلي شيء فقط الله هو من يدبر الأمر.
- هذا هو ما أريده حقا، أن يدبرها الله وحده فقد عجزت عن حلها، أنتِ أجمل من عرفت بحياتي.
- لم أكن أرى هذا الجانب منك، فقد ظلمتك بحكمي أنك قاسية القلب.
- لم تظلميني ولكن لك الفضل في التغير هذا.
- لا لست أنا، إنه الله هو من أراد أن تتوبي وترجعين إليه.
- كم أنت جميلة.
- وأنتِ أيضا.
وقاموا باحتضان بعضهما...
سرحت نادية وتذكرت كيف أتى زوجها ليخبرها بالزواج من رجاء، عندما عاد من العمل باكرا ثم قال لها:
- وددت أن أخبرك بأمرٍ ما.
- ماذا هناك يا عزيزي؟
- أنتِ تعلمين أننا ذهبنا للكثير من الأطباء وانتظرنا الإنجاب كثيرا بلا جدوى، فما رأيك إذا...
- لقد عرضت عليك أن تتزوج كثيرا وأنت من كان يرفض، فإذا وجدت من جعلتك تغير رأيك فلا بأس.
- ليس الأمر كذلك، أنا فقط أحتاج للأبناء، ولذلك...
- لا عليك، هذا اختيارك ولك الحرية فيه ولكن رجاءً دعنا ننفصل، فأنا لا أستطيع منعك ولكن لا أستطيع أن أتحمل هذا الوضع.
- مستحيل، أنتِ حب عمري وابنة عمي الذي عاهدته ألا أتركك أبدا وأن أحافظ عليك، وأنا لا أخلف وعدي.
ظلت نادية تبكي وقالت:
- صدقني يا عزيزي لا أستطيع.
- إذن لن أتزوج، فأنا لا أستطيع التخلي عنك أبدا.
- لم يعد ينفع.
- ماذا تقصدين؟
- أنت فكرت ويبدو أنك اختارت، لم يعد ينفع التراجع، تزوجها كما شئت.
- وماذا عنك؟ هل ستبقين معي؟ حاولي أرجوك.
- فقط اتركني فترة لأتقبل الأمر.
- خذي وقتك وأنتظر قبولك ببقائك معي.
ثم عادت لوعيها وقالت : رغم صعوبة شعوري وقتها إلا أن شمس هونت علي مرارة الأيام.
آتى وقت الرحلة وكان هذا أفضل وقت لتصفية الذهن وتحديد ما أهدفها التي تحتاج التركيز عليها،
You must be logged in to post a comment.