سأل نبيل أخيه عن شمس وقال:
- أشعر أن هذه الفتاة مألوفة بالنسبة لي، لا أعلم لماذا؟
- من الممكن لأن أبيها صاحب معامل "ماتريكس" وهي بمجال دراستك، فربما ذهبت إلى هناك مسبقا ورأيتها دون أن تتعرف عليها.
- هل أبيها صاحب معامل "ماتركس"؟! كم ودت العمل بهذا المعمل لما فيه من أجهزة حديثة ومتطورة، فهمت إذن – وكان يقصد فهمت سر انجذابي إليها –
- فهمت ماذا؟
- لا شيء، أقصد فهمت سبب شعوري بالألفة تجاهها.
وبعد انتهاء العام الدراسي عزم طارق على خطبة شمس وألح على أبيه في طلبه، فوافق أبوه وذهبوا جميعا لخطبة شمس وحدد أبو طارق ميعاد مع السيد عادل، أخبر عادل زوجته رجاء ونادية وشمس عن ميعاد طارق هو ووالده لخطبة شمس، فرحت رجاء ونادية بهذا الخبر فستتزوج ابنتهم شمس من الشاب الذي أحبته، ولكن لم يبدو الفرحة على شمس، تعجبت نادية وقالت لها:
- لماذا لا يبدو عليكِ الفرحة؟ أليس هذا ما رغبتِ به طيلة الدراسة الجامعية؟
قالت رجاء:
- ماذا بكِ يا ابنتي؟ أنتِ ستتزوجين من حبيبك فأنتِ محظوظة حقا، قليلا ما تتزوج البنت من حبيبها.
نظرت إليهم والدموع تنهمر من مقلتيها وتصرخ وتصيح: لا أريد هذه الزيجة، لا أريد؛ وذهبت إلى غرفتها تبكي وتصيح.
تعجب كل من رجاء ونادية هذا التصرف فقالت رجاء:
- أنا حقا لا أفهم ابنتي، يا ليتني تزوجت من حبيبي.
- ولمَ لم تتزوجيه؟
- لأني فقيرة وهو كان يرغب بالزواج من ثرية.
- إذن لم يُحبك، لو أحبك لما كان أهتم بالمال أو أي شيء أخر.
- لا بل أحبني كثيرا، فحبنا منذ طفولتنا، لم يرى أحدٌ منا نفسه مع أحد أخر.
- عجيب هذا الأمر، وترك كل هذا وفضّل المال!
- هذا ما حدث، لهذا... أنا...
- تزوجتِ من ثري.
ظلّت تبكي رجاء وحاولت نادية أن تخفف من حزنها وقالت:
- لا عليكِ حبيبتي، هو أتعس منكِ الآن بالتأكيد.
انتبهت رجاء وخشيت أن تكون علمت شيئا وقالت في نفسها: ولكن كيف وهي تعاملني برفق ولين، لا ربما لم تعلم شيء.
- كيف علمتي أنه تعيس؟
- سيُدرك حقيقة أن المال فقير ولكن بعد أن خسر غناه.
- ماذا تقصدين؟ كيف المال فقير؟
- المال الذي لا يُنفق مع الحبيبة يفتقر إلى السعادة والفرحة رغم امتلاكه، ولكن المال ولو قليل إن أُنفق مع الحبيبة والشريكة والمؤنسة للقلب سيملأ القلب بالسعادة والفرحة ويفيض، وبعد أن فضّل المال وترك الحب سيُدرك أنه لو ظل ينفق أموال العالم فلن تعوضه عن السعادة التي كان يشعر بها مع محبوبته.
- يا لهذا الكلام الرائع، هل تظنين أنه تعيس فقط لفقدي؟
- بالتأكيد، لا شيء أتعس من فقد حبيبة ولن يعوض فقدها أية إنجازات.
- أتعلمين يا رفيقتي نادية؟ لو كنت أتحدث إليك منذ أن عرفتك، ربما ما كنت أذنبت الكثير من الذنوب.
- لا عليكِ من الماضي فلم يفوت الأوان بعد، هيا نذهب ونفهم من شمس لمَ لا تريد هذه الزيجة؟
وقالت رجاء في نفسها: ليتني أستطيع البوح بثقل ذنبي فسأموت خنقا به؛ ثم قالت لنادية:
- لا بل اذهبي وحدك، اعلم أنها تحب أن تحكي معكِ أكثر مني.
- لا تقولين هذا، هذه ابنتك أنتِ، ولكن.. ولكن هي كل حياتي.
- أرأيتِ؟ أنتم سترتاحون في الحديث من دوني، هيا اذهبي وحدك.
- حسنا.
ذهبت نادية لتفهم من شمس ما سبب ردّة فعلها هذه!
- شمس.
- نعم أمي.
- ماذا هناك؟ ماذا أصابك؟ أليس طارق حب الجامعة؟
- في الحقيقة يا أمي أنا فتاة سيئة، لا يمكنني الزواج بطارق.
- أخفتني يا شمس ما الأمر؟
- لقد انجذبت لأخيه ويبدو أنني أحببته والغريب أني ما زلت أشعر بالحب تجاه طارق، أنا أحب اثنان في وقت واحد، وإن تزوجت طارق سأشعر أنني أخونه مع أخيه والعكس صحيح.
- اهدئي عزيزتي، ربما لم تستطيعي التفرقة بين الاعجاب والحب، هذا خلط مشاعر وتحتاجين أن تبتعدي عنهم لتحكمي أيهم الحب وأيهم الإعجاب.
- لا أعلم يا أمي، أشعر أنني أريد أن أكون بجانبهم معا، أشعر أني شخص سيء وأناني.
- ليس الأمر كذلك ولكن انتظري فترة ربما تكتشفي حقيقة مشاعرك مع مرور الأيام.
- حسنا أمي.
ذهبت نادية إلى رجاء وأخبرتها أن تطلب من عادل أن ينتظر فترة حتى تستطيع ابنتنا معرفة مشاعرها وقول رأيها النهائي، سألتها رجاء:
- ما الأمر؟
- يبدو أن شمس مشاعرها مختلطة مع أخيه.
- كيف هذا؟
- تشعر أنها تحب الاثنان طارق وأخيه.
- وأين رأت أخيه؟
- لا أعلم تفاصيل ولكن النتيجة واحدة هي تشعر أنها تحب الاثنان.
- أمرٌ غريب حقا!
جاء ميعاد حضور منير وأبناءه نبيل وطارق، عندما رأتهم رجاء صُعقت وقالت في نفسها: يبدو أن ذنبي سينكشف، الآن فهمت...
نظرت رجاء إلى منير وقالت:
- رغم أنني من انجبت شمس ولكن أمها التي ربتها هي نادية، فكانت شمس عوضها عن خطف طفلها.
تعجب الجميع من حديث رجاء الغريب، ماعدا منير فهم رسالتها وما تريد إخباره به، وأنه يجب إيقاف هذه الزيجة، فحاول منير إفساد الأمر وعاد للمنزل وأخبر أولاده طارق ونبيل لن يتزوج أيا منهم هذه الفتاة أبدا.
غضب طارق وهو لا يعلم سر هذا التغيير المفاجئ وبعد إلحاح طارق ونبيل لمعرفة السبب راوغ منير وأخبرهم أنه بسبب أن رجاء حبه القديم وهو لا يريد أي صلة تذكره بالماضي، وطلب منير من طارق السفر بعيدا لتتحسن نفسيته ويتقبل الأمر.
مرت الشهور بمرارتها على طارق وشمس وكذلك نبيل ولا يعلم أحد ما سبب كل هذا...
حاول نبيل استعادة عمله انشغل وقتها بعمل رسالة الماجيستير والتي كانت عن تطورات في عالم التحاليل وظهور تحليل جديد وهو تحليل الحامض النووي وقام بفحص عينة له ولأبيه كتجربة ولكن ما أصدمه أن النتيجة غير متطابق تماما، فأراد أن يتأكد وأخذ عينة من أخيه بعد أن فتش بملحقاته ليجد بعض الشعر في فرشاته وقام بالتحليل لأخيه وأبيه ووجد النتيجة مطابقة فعلم أن المشكلة ليست بالتحليل ولكن يبدو هناك خطأ أخر، ظن نبيل أن أمه قد تزوجت وأنجبته قبل الزواج من أبيه منير فذهب لأبيه وسأله وقال:
- هل أنا ابنك يا أبي؟
تغير وجه منير وشعر بالتوتر وقال:
- لماذا تقول هذا يا بٌني؟
فأخبره نبيل بنتائج التحاليل، فحكي له منير ما حدث بالماضي:
You must be logged in to post a comment.