في أول يوم جامعي ذهبت شمس إلى كليتها ويبدو عليها الحزن، وكان من أحد طلاب الكلية طالب اسمه طارق، وهو دائما لا يهتم أو يبالي بالدراسة لذلك لم يحضر أول محاضرة.
شمس فتاة تبلغ من العمر سبعة عشرة عاما، قصيرة القامة وخمرية البشرة وعيونها عسلية، تحب الدراسة العلمية ولاسيما العلوم نظرا لحبها لأبيها وعمل أبيها بهذا المجال.
لاحظ د. شادي محاضر هذه المحاضرة عبث شمس بالمحاضرة وعدم اهتمامها، فقال لها وهو يصف مكان مقعدها وتصرفاتها:
- يبدو أنك لم ترغبين بهذه الكلية، ولمَ حضرتي المحاضرة إذن؟ فلتذهبي حتى تعلمين قيمة هذه الكلية.
خرجت شمس وهي متضايقة من توبيخ د. شادي وقررت ألا تأتي لهذه الكلية، وعند خروجها غاضبة اصطدمت بعمود بالكلية فرآها طارق وظلّ يضحك، نظرت إليه بغضب وهي تريد من تخرج غضبها به وقالت له:
- تبدو شخص طفولي لتضحك على أمر طارق كهذا!
انتبه لها وقال:
- نعم.
- ألم تسمع يا أحمق؟
- بل أنكِ ناديتني فأجبتك بنعم.
- ماذا؟
- اسمي طارق، وما اسمك؟
- أنت أجدب حقا.
- ماذا تقولين؟ ألا تعلمين إلى من تتحدثين يا حمقاء؟
- ما هذه النرجسية يا فتى!
ورددت كلامه بسخرية وقالت بصوت مسموع: وماذا إن علم من هو والدي هذا الأحمق.
قال لها:
- حقا! من هو؟
- لن أخبرك فأنت لا تهمني.
وأنهت الحوار ورحلت فألحق بها وقال:
- أعتذر لكِ، لا تغضبي.
وقبل أن تجيبه أخرج مفرقعات من جيبه وقام برميها أرضا حتى أصدرت أصوات عالية أخافتها ثم قال:
- عليكِ واحد.
صرخت بوجهه عاليا وقالت:
- أنت حقا طفولي أكثر مما توقعت، لا أريد رؤيتك مرة أخرى.
ظل يضحك وقال: لم أعلم ما اسمها.
تذكرت شمس يوم من أسوء أيام حياتها، يوم نتيجة الثانوية العامة عندما كانت ترغب بالتحاقها بكلية العلوم لتعمل مع أبيها في معامله الشهيرة "ماتريكس"، كما أنها أحبت العلوم من أبيها منذ طفولتها.
كان الجميع يتوقع لشمس مجموع كبير ولكنها حصلت على مجموع بسيط جدا تكاد تلتحق بكلية الخدمة الاجتماعية، عنفتها أمها رجاء كثيرا وأسمعتها أشد الكلمات وقالت لها:
- لقد خزلتني ولن تحققي هدفي أن تتمكنين من العمل في معامل والدك، أنتِ فاشلة.
ظلت تبكي شمس وهي تردد:
- لقد ظُلمت يا أمي صدقيني، فأنا دائما أتفوق في دراستي ولا أعلم لمَ يحدث لي ذلك.
تركتها أمها وهي بغرفتها وهي تبكي حتى أحرقت دموعها وجهها من البكاء، فطلبت زوجة أبيها نادية من رجاء أن تدخل غرفت شمس وأذنت لها وتركتهم، وعندما دخلت وهي تشتكي لأمها الحانية نادية وتقول:
- صدقيني يا أمي، أنا قد ظٌلمت، معظم إجابتي صحيحة وتوقعت مجموع عالي.
- لا تبكي يا ابنتي، أنا واثقة من ذلك، ولكن هذا نصيب لا تعلمي أين الخير؟
- ولكن لا أرغب بالذهاب إلى أي كلية سوى كلية العلوم مثل أبي.
- لا تعترضين على نصيبك لعل الخير يكمن في الشر، ما فائدة أن تلتحقي بكلية العلوم وتعانين من صعوبة الدراسة وصعوبة موادها، من الممكن أن تتفوقين بكلية الخدمة الاجتماعية ويعلو شأنك بها.
- هل تعتقدين ذلك؟
- بالتأكيد.
عادت شمس للمنزل واستقبلتها زوجة أبيها نادية بلهفة وسألتها:
- كيف كان أول يوم بالجامعة؟
بكت شمس وقالت:
- ما زلت غير متقبلة هذه الكلية ولا أريد الذهاب.
- لا يا شمس إن لم تحبيها لن تنجحي بها، وقتها ستشعرين أنك خسرت كل شيء، يجب أن تتقبلي واقعك وتجدين السعادة فيه، الفترة الجامعية من أجمل الفترات وهي فترة الشباب والمرح والانطلاق، افرحي واسعدي بأجمل أيام عمرك ولا تضيعيها في الحزن فتندمين، حاولي إيجاد مميزات كليتك وأهميتها، وانسي أيام الضغط النفسي في الدراسة الثانوية وامرحي بمرحلتك هذه.
مسحت دموعها وقد شعرت براحة من كلام زوجة أبيها والتي تعتبرها هي أمها وقالت:
- أشعر أنكِ أنتِ أمي الحقيقية، وأن من خُطف هو ابن أمي رجاء!
لم تتحمل نادية سماع هذه الكلمات حتى أشعلت نيران الذكريات وتلألأت عينيها من الدموع التي لم تستطع كبتها، فشعرت شمس بأنها أخطأت فيما قالت ثم أسرعت وقالت:
- أرجوكِ سامحيني ولا تبكي، فأنا غبية حقا، لقد ذكرتك بابنك.
- لا عليكِ يا ابنتي ولكنني لم أنساه يوما، فإن استليقت عند نومي أتذكر كل ما حدث وأظل أدعو الله أن أجده.
- أتحبينه لهذه الدرجة؟ هل تحبيه أكثر مني لأنه ابنك وأنا لست ابنتك؟
- لا تقولين هذا فأنتِ ابنتي ولم أشعر يوم بغير ذلك، فأنتِ من كبرتِ أمامي وكل ذكرياتي معكِ، وهو أيضا ابني، أحبكم مثل بعض.
- أمي.
- ماذا؟
- هل.. هل إن وجدته وغرقنا أنا وهو وتستطيعين إنقاذ واحد منا، من ستنقذين؟
صمتت نادية وتخيلت ما قالته شمس والدموع عادت مجددا بعينيها وقالت:
- سأنقذه هو فلا أتحمل فقده أمامي بعد أن وجدته وسأغرق معكِ لأني لا أستطيع العيش من دونك.
وقتها تذكرت نادية حينما طلب منها زوجها عادل أن تختار اسم لابنة زوجته الثانية رجاء واختارت لها اسم شمس، فوجدت في شمس عوض عن ابنها التي لم تسميه حتى وقامت براعيتها وكأنها ابنتها التي ولدتها، أما رجاء أمها لم تهتم لها وكأنها في عالم أخر، فقامت باحتضانها وقالت لها:
- افرحي بالمرحلة الجديدة، ابنتي كبرت وأصبحت طالبة جامعية، هيا نذهب لشراء ملابس ومستلزمات كثيرة معا.
ضحكت شمس وفرحت بكلماتها وشعرت بتحسن كبير بعد الحديث معها، وقررت شمس ألا تخيب رجاء أمها نادية وأن تذهب للكلية.
في اليوم التالي وظلت شمس طوال الطريق تفكر كيف ستضايق هذا الشخص، وكانت تجلس في السيارة شريدة الذهن، أخرجت أجرة السيارة وقامت بدفعها فأخبرها السائق أن شخص ما قد دفع لها، فتعجبت ونظرت خلفها فوجدت ذلك الشاب بالكلية، وقبل أن تنطق بكلمة قال لها: لقد وصلنا هيّا انزلي.
قالت له:
- كم أنت شخص سخيف، اتركني وشأني فأنا لم أتقبل الكلية بعد، لا تثقل الأمر علي.
كانت تقول هذه الكلمات وهي تحاول إخفاء دموعها.
- أنا أيضا لا أحب الدراسة وكنت سأكتفي بالثانوية العامة لولا إلحاح أبي وأخي، يبدو أننا سنصبح أصدقاء الفشل.
ضحكت من كلماته ونزلت بعض القطرات من عينيها التي لم تستطع منعها من النزول وقالت:
- لست فاشلة! فأنا دائما متفوقة ولكن ظُلمت في نتيجتي.
- النتيجة واحدة، لا نحب كليتنا.
- رغم أن الأسباب مختلفة لكنك محق، النتيجة واحدة.
- ما اسمك؟
- ولمَ تسأل؟ هل تظن أنني أحب معرفتك، فقط اتركني.
- كم أنك مغرورة ومتعالية، أنا لا أحب معرفتك أيضا.
ذهب الأثنان وقررت شمس أن تنتبه لدروسها وتحقق نجاح في واقعها الغير مقبول، أما طارق لم يحضر كالعادة وقال في نفسه: هذه المغرورة أريد أن ألقنها درساً.
وجد طارق نفسه ينتظر خروج شمس من المحاضرة وقال لها: يا.. أنتِ.
قالت له وهي غاضبة: لا تحاول محادثتي مجددا.
وأدارت رأسها بعيدا عنه، فقال لها: كنت سأخبرك أن تغلقي سحابة حقيبتك.
نظرت لحقيبتها ووجدتها كما هي فقالت له: أيها اللئيم، توقف عن تصرفاتك الطفولية.
قال في نفسه: سأوريكِ من هو اللئيم.
وقرر أن يحضر المحاضرة ويقوم بمضايقتها، وبعد أن دخلت للمحاضرة وجلست بمقعدها، وجدت شخص جلس بجانبها وكان هذا الشخص هو من يضايقها! فحاولت أن تقوم من مقعدها ولكن دخل المحاضر وبدأ في درسه ولم تستطع تغيير المقعد، ابتسم طارق ابتسامة النصر وهو يراها لا تستطيع مغادرة المقعد وسينجح بمضايقتها مجددا، تظاهر بأنه سيربط رابطة حذائه وقام بفك رابطة حذائها دون أن تشعر وربطها مع رابطة حذائه واستقام مجددا وهو يحاول كتم ابتسامته.
لاحظ المحاضر عبث هذا الطالب وقام بتوجيه الكلام له وقال: إن لم تهتم بالمحاضرة فلتغادر.
أعتذر من المحاضر وحاول أن ينضبط طيلة المحاضرة حتى تأتي لحظة الخروج من المحاضرة، وعندما انتهت المحاضرة ظلّ طارق جالس بمقعده أما هي فأسرعت للمغادرة ووقعت على الأرض ساندة على مقعدها، فضحك طارق عاليا وقال لها:
- هل تريدين المساعدة.
نظرت إليه في غضب شديد وقالت صارخة:
- يا أحمق، ماذا فعلت؟!
ظل يضحك وقال:
- حسنا انتظري.
وقام بفك الرابطة وقال لها:
- ألن تخبريني ما اسمك؟
- إن لم تتوقف عن أفعالك هذه سأقوم بشكوى ضدك للعميد.
- أوه، لقد انتابني الزعر.
You must be logged in to post a comment.