لا أزال اذكر رحلتي الأولى للمدرج الروماني، كنت حينها أبلغ من العمر 20 ربيعا و150 كتابا، وأعزوفة واحدة، وأحلام كثيرة، كانت حينها سمائي ملونة باللون الزهري والطريق نحو العتبة الأولى عند البوابة مكتظ بالورود البيضاء من كلا الجانبين، كانت العصافير التي ذكرت بالأساطير ترفرف حولي، وحلمت حقا بأن تلامس قدماي قطرات المطر المبعثرة على أدراجه وأن استنشق رائحة الماضي، وان تسترجع ذاكرتي الأشخاص الذين عبروا من هنا فيما مضى، لقد سعيت حتى أقصى درجاته، صعدته بفرح وخوف وحذر، لكن ليتني لم أصل، ليتنا لم نتلاقى بتاتا وليتنا وقعنا وانتهت حكايتنا قبل أن تبدأ، لكن كان عليها أن تحيا في سبيلنا وان نموت لأجلها،كنت أرتدي سترة بنية داكنة طويلة وقبعة حمراء من الصوف بينما كنت ترتدي بنطال ابيض وسترة بيضاء، تمسك جيتارا عتيق وتعزف الموسيقى بكل إحساس، كانت هادئة تناسب قطرات المطر وصوت الهواء الذي يلفح وجهي ويداك، ثلاثة أمتار هي المسافة التي فصلت بيننا آنذاك، وددت الاقتراب منك لكني ما استطعت، ابتسمت فقط ثم تلاقت أعيننا وتاهت أرواحنا وتراقصت قلوبنا، توقف المطر وتوقفت الحياة بنا عام وعامين وثلاثة أعوام، ثم استيقظت على رحيلك، كنت حلما جميلا بحثت عنك بعيني، حاولت إيجادك، لكن المدرج بات فارغ من كل الوجوه وبات بلا معنى؛ لأنك كنت معناه، بكيت السماء مرة أخرى بكيت كثيرا وبقوة وبكيت معها كثيرا ثم انتهى ومضى واختفى أحدهم، اختفى ولم يعد وبقيت ذكرى وورودا بيضاء تزين مدرج حبنا، ولا أزال للان انتظر عودتك ومجيئك إلي، لا يزال فستاني الأبيض والقاعة التي حجزناه بانتظارك، لا تزال مستمرة الحياة بدوني بل بدون كلانا، لقد خرجنا عن المسار وأنتظرك لتدخل للسباق مرة أخرى، لا يزال كل شيء يصرخ باسمك
يُوسُف.. لا تذهب
You must be logged in to post a comment.