سألد غدا (قصة قصيرة حزينة)

بعد ثقل حملها والضغوطات النفسية من حولها لتقصيرها في واجباتها، وصلت للشهر التاسع أخيرا، ذهبت للطبيبة راجية أن تحدد ميعاد مولدها فهي تلد قيصريا، وفي حملها السابق أُصيبت بتسمم حمل أدى إلى التعجيل بولادتها وانقاذ الأمر بفضل الله وحده، وأخبرت طبيبتها بهذه القصة وأنها يجب أن تلد باكرا حتى لا تُصاب بتسمم حمل كالمرة السابقة، فنسبة إصابتها به أكبر من غيرها، ولكن الطبيبة كانت ترى الوضع جيد وكل شيء على ما يرام فلمَ العجلة إذن؟ تجاهلت الطبيبة أسئلة كثيرة حول خوفها من التأخير وأنها تشعر بأن الطفل يصعُب حركته ببطنها، فتضحك الطبيبة وتجيب بل أنتِ تتعجلين رؤية مولدك وأن بطن أمه أوسع من ذلك العالم، ذهبت الحامل وهي ترى أنها لا تفهم أكثر من الطبيبة وستنتظر لحين الوقت الذي ستحدده لعلها على صواب، ارتفع ضغطها وذهبت لأقرب صيدلية ثم إلى الطبيبة ولكن تلك الطبيبة أخبرتها أن ضغطها طبيعي وربما الصيدلي أخطأ طريقة قياسه، كيف لتلك الغبية لم تنفد بجلدها من استهتار تلك الطبيبة؟ إنه القدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ذات يوم وبعد إجراء تحاليل قبل الولادة والتي شكت الحامل برغم جميعا سليمة الا ان هناك تحليل تخشاه، وأخبرت الطبيبة بمخاوفها، أجابتها أعتقد أنه ما زال طبيعي ولكن الخوف إن زاد قليلا، فلننتظر اربعة أيام ونقوم بتوليدك، بعد يومين جاءت رسالة على الهاتف من الطبيبة إلى الحامل وأخبرتها أنها تريد إعادة التحليل الشائك للاطمئنان أنه ما زال طبيعي، وكان الصوت متوتر وكأن أحد أخبرها أنها أخطأت في تشخيص ما، وبعد التحليل كامت النتيجة أنه زاد عن الطبيعي وأصبحت الحامل وجنينها في خطر، فأخبرتها الطبيبة أن غدا ميعاد ولادتها.
وأخيرا سألد غدا وسأرى مولودي الحبيب...
في فجر يوم الولادة وقد أنهت ختمتها لقراءة القرآن ودعت دعاء ختم القرآن ولم تغفل انتظار ميعاد الولادة، وقد أعدت شنطتها وشنطة المولود وأخبرت ابنها أنهم سيعودون ومعهم أخيه الصغير أحمد.
عند الوصول للمشفى وقد تأخرت الطبيبة عن الميعاد وبدأت المشفى بإجراء الفحوصات وسماع نبض الجنين، لا يوجد نبض، ولكن لم يخبر الطبيب الحامل وسألها:
متى أخر مرة ذهبت للطبيبة؟
منذ يومين.
هل كان الأمر على ما يرام؟
نعم، ماذا هناك؟
انتظري الطبيبة حتى تأتي.

اتصل على الطبيبة وأخبرها بالإنجليزية حتى لا يفهم أحد (zero puls)
ولكن فهمت الحامل أن جنينها قد مات، ظلت تبكي بصراخ:
أرجوك يا الله، لا أتحمل هذا الابتلاء، أرجوك أجعل تشخيصه خاطئ وطفلي حي، وتصرخ رغم إيمانها بالله، لاااااا ابنييييي لااااااا
وبعد وصول الطبيبة وتأكدت الحامل من موت جنينها، أدركت أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وظلت تردد إنا لله وإنا إليه راجعون.
ذهبت للولادة لا تشعر بمن حولها كانت مُخدرة دون تخدير، تستسلم لتعليمات الأطباء وهي في عالم أخر، كان بنج نصفي وأثناء ولادتها تنتظر أن يخبرها أحد أن جنينها حي، تسمع صراخ رضع من الغرف المجاورة تظن أنه صراخ طفلها ولكن بلا جدوى، وبعد أن تمت الولادة وأخبرها الطبيب أن الله يحبها فكان هناك خطر عليها كبير ولكن الله لطيف بها وتمت الولادة بسلام، تذكرت اية سورة البقرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
صدق الله العظيم
ثم طلبت رؤيته رؤية جنينها ورغم تردد الطبيب لكنه أخبر الممرضة بأن تحمله لها لتراه، وجدته مغلق العينين وكأنها ملتهبة حمراء، كانت لأخر لحظة تظن أنها ستراه حي، أدركت أنه مات ونزلت الدموع من عينيها دون النطق بكلمة، لم تشعر بآلام الولادة فآلام قلبها كانت أكبر وأشد، حملها أخيها وزوجها لتتمشى وهي لم تشعر أنها معهم هي ما زالت ليست هنا، حاولت الصمود وهي من داخلها هشة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.
كان من حولها من كبار السن يرون أن هذا الأمر بسيط وليست الأولى لتمر بهذا وهناك الأصعب والأصعب، ولم يدركوا هشاشة قلبها، لم يرحموا حالها وهي تتألم وينزف قلبها وجعا.
كان من مر بظروفها أكثر صلابة من غيره رغم أنها توقعت أنهم سيكونون أكثر من يشعر بوجعها، وكأنهم يقولون في نفسهم لقد مررنا بهذا فأنت لست أفضل مننا لكي تنفدي من هذا الوجع!
هذا القلب البريء أدرك وحشة العالم من حوله، أدرك نفوس البشر الحقيقية، أدرك الخنجر المخفي وراء ظهورهم.
نضجت تلك المرأة فلم لتكن تكمل حياتها ببرائتها المفرطة في وحشة هذا العالم، رات الدنيا بعدسات أوضحت رؤيتها المغشية.
كانت تطمح وتطمع في الدرجات العلى رغم افتقرها للكثير من الأعمال الصالحة، فاختارها الله لصدق نوايا وقلة حيلتها لتصل لدرجة بصبرخا ورضاها وابتلائها، حتى ولم يكن ابتلاء صعب بالنسبة لغيرها ولكن لرقة قلبها فهو الأصعب على الإطلاق، لم يكن الصبر سهلا ولا الرضا على بساط من ريح، فقد عانت من الجزع والشكوى والألم وتعجلها للعوض ولكن كان ابتلائها أكبر من فقدها لجنينها، حتى تتعلم درس لم تتعلمه طيلة ٢٩ عاما وتعلمته في عامين وهو الصبر دون شكوى والرضا دون جزع، فالرضا يحتاج للصبر والصبر يحتاج لقوة إيمان بالله.
صدق الله العظيم إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا
وأيضا إن بعد العسر يسرا
اليسر الذي مع العسر وهو ما يرزقك الله به ليهون عليك ابتلائك، والعسر الذي بعد العسر هو فك كربك وانكشاف غمتك والفرج والعوض المنتظر بعد العسر.
لم ينتهي ابتلائها بعد..
فهي ما زالت تعاني فقدها جنينها وانتظار العوض..
ولكن ما انتهى بالفعل جزعها وشكواها وألمها...
هي صابرة راضية بقضاء الله وما زال ثقتها بالله في عوضه وأجره دنيا وأخرة، حتى ولو أعاقتها الظروف وغُلقت أبواب الأسباب الدنيوية في وجهها فباب الله باق والصبر سيفها والرضا درعها لتحارب اليأس وغزوه من حين لأخر....

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author
Aya
Aya