سحر الوديان
لم أكن أعلم أن للوديان سحرٌ هكذا إلا عندما رأيته حقاً بعينى و بقلبى سوياً و حديثى هنا عن ثلاثة أودية لها سحرٌ جذاب و حتى لا أُطيل عليكم فإنى سأصفها لكم كما رأيتها تماماً و هى :
الوادى الأبيض :
هكذا يسمونه و هو وادٍ أبيض فسيح تربته ملساء ناعمة يمرُ بين جبلين أبيضين من جهة الشرق و الغرب ينتهى كلُ جبلٍ منهما بفوهةٍ بركانية داكنة اللون و لعل اللافت للنظر هنا أن الفوهة البركانية لا تظهر بوضوح إلا عندما يقترب أحدهم من الوادى الأبيض و يمر به برفق دون عجلةٍ من أمره و إذا حاول المرء منا صعود أحد الجبلين فعليه أن يتحمل المخاطر المُحدقة به فقد يستطيع أن يتسلق الجبل و لكنى لا أضمن له النزول منه بسلام فقد يُرهقه السير و قد يصيبه إعياء شديد من ملمس الجبل ذاته و قد تنزلق قدميه و يسقط مغشياً عليه قبل أن يرى بأم عينيه تلك الفوهة الملتهبة كما ينتهى الوادى الأبيض جنوباً إلى وادٍ فسيح متسع شرقاً و غرباً و ممهد إلى أبعد الحدود ليس للمرور عليه فحسب بل أيضاً للإستمتاع بتربته الملساء و شكله الرائع أيضاً.
الوادى المظلم :
و قد سُمى بهذا الإسم لأنه بالفعل مظلم أغلب أيام العام لا تشرق به الشمس أبداً و هو يمر أيضاً بين تلالٍ مرتفعة و بصيغةٍ أدق تلٌ يقع من جهة الشرق و تلٌ يقع جهة الغرب يتميز بتربته الملساء الناعمة إلى أبعد الحدود إذا مر به المرءُ منا وجد حلاوةً و طراوةً من أمره و المدهش فى الأمر أن التلال الواقعة شرقاً و غرباً قد تهتز و كأنه قد أصابها زلزال و ذلك فى عدة مواقف إلا أن تلك الزلازل لا تخلف قتلى أو جرحى فالتل هنا يختلف من حيث الإرتفاع و التكوين عن الجبل فهو لا يملك فوهةً بركانية كما فى الجبل و لكن سطحه مستوٍ و مرتفع قليلاً يمرُ الإنسان منا فى هذا الظلام الدامس فى لحظاتٍ معدودة إلا أنها تكون لحظاتٍ سعيدةٍ للغاية.
وادى العسل :
و هو يختلف كليةً عن الأودية التى سبق الحديثُ عنها فهو وادٍ عميق يقع أيضاً بين جبلين من جهة الشرق و الغرب إلا أنه يتميز بتربته التى تميل إلى الحمرة نوعاً ما كما يحوى أيضاً بعض الهضاب المتناثرة يميناً و يساراً إلا أن أكثر ما يُميز ذلك الوادى هو أنه يحوى فى باطنه بئراً سحيقاً لا يدرُ ماءً كما هو معروفٌ و شائعٌ لدينا إذ يمتلىءُ البئرُ عن آخره بالعسل الفياض فلابد لكل من يمر بهذا الوادى أن يأخذ كأساً من هذا العسل الذى سوف يُثيرُ لعابه ليأخذ كأساً آخر يكفيك رشفة واحدة من الكأس حتى تذهبَ بعيداً بعيداً شريداً فى غياهب ذلك الوادى و لكنى أحذر كل من سيمرُ فى ذلك الوادى من مغبة السقوط فى آباره السحيقة فمن يسقط فى هذه الآبار لا يستطيع الخروج منها أبداً أما ما يتملكك من شعور عندما تتجول فى ذلك الوادى فلديك شعورٌ واحد لا يذهبُ أحدٌ هناك إلا و يعتريه ذلك الإحساس إنه شعورٌ سيادى تشعرُ و كأنك تملك العالم كله و تجلسُ على كرسى العرش فهنا ستحكم و تديرُ البلاد و لكنى أحذر مجدداً من السقوط فى الهاوية.
أتمنى أن أكون قد وضعت الصورة أمام كل من أراد أن يقوم بتلك الرحلة السياحية الممتعة التى لو قام بها شخص منا لن ينساها ابداً فليست الوديان مثل أى مكان فمرورٌ بها لا ينساه إنسان.
رحلة سعيدة
You must be logged in to post a comment.