سد مأرب .. وحضارة سبأ .. الفئران والكرونا .
على أرض اليمن ، بدأت حضارة مملكة سبأ
بلدة طيبة شاكرة لأنعمه ، فلما أعرضوا عن ربهم أرسلنا عليهم سيل العرم ، بعد انهيار السدعليهم ، و كان من وراء انهيار السد جحافل الفئران ؛ أما حضارتنا فإلى زوال بما كسبت أيدي الناس ، والسبب جحافل الكورونا ، فاعتبروا يا أولي الأبصار ..
منذ آلاف السنين كانت هناك قرية وبلدة طيبة يأتيها رزقها رغدا من عند الله ، قال تعالى " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ " وقد أنعم الله على أهل هذا القرية ، فكانت مساكنهم ومعيشتهم آية من آيات الله في كونه ، كانت لهم جنتان ، عن يمين الوادي وشماله ، تسقط عليها الأمطار ، وتجري من بينها الأنهار ، فتنبت الأشجار ، وتنضج الثمار وتتساقط، فكانت المرأة تخرج بقصعتها فوق رأسها ، فتمشي بين الأشجار ، فتمتلئ قصعتها بكل أنواع الفواكه ، والثمار ، وما مست بيدها فرعا ولا غصنا ، فتعود إلى بيتها ، وهي تحمل ما لذ وطاب من الفواكه والطعام ويحكي المؤرخون خلو أرضهم وأجوائهم من الهوام والحشرات المؤذية، وقد كان من عظيم ما أنعم الله - تعالى - به عليهم، أنهم كُفُوا مؤونة السفر ومشقته، ورُفِع عنهم عنَتُ الطريقِ ولصوصه، فارتاحوا في سفرهم وأَمِنوا، وسببُ ذلك اتِّصالُ القرى بينهم وبين الأرض المباركة، فكانوا يسافرون من اليمن إلى الشام في أمن وطمأنينة، لا يحملون للسفر زادًا لوفرته في طريقهم، ولا يعدون له عدة؛ بل يسيرون فيه ما شاءوا، ويستريحون في القرى التي في طريقهم، وهي على مراحل لا تنقطع عنهم؛ ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾[سبأ: 18.
وذلك حيث كان أهل هذه القرية يعبدون الله عز وجل ، فلما كفرت بأنعم الله ، وإن من نواميس الكون وقوانينه و سنة الله في خلقه ،هي أن الله سبحانه وتعالى ينعم بالخيرات على عباده المؤمنين الشاكرين لنعمه حين يحفظونها ، ويفيض من رحمته على عباده الشاكرين ، فإن كفروا بنعمته وجحدوها بالمعصية وغرهم الاستغناء والثراء العريض نسوا الله عز وجل ولم يشكروا نعمه عز وجل بدل الله نعمتهم خسرانا وذلا .
كان هؤلاء القوم من شدة الثراء يتمنون الشعور بالحرمان ولم يشكروا الله على النعم التي وهبهم إياها سبحانه وتعالى . فلما تغيرت أحوالهم ، فكفروا بعد إيمانهم ، وجحدوا بعد شكرهم ، ومنعوا بعد عطائهم سلب الله منهم هذه النعم ، فبدل أمنهم خوفا ، ورغد عيشهم ضنكا ، وجعل رزقهم كدا . وهكذا " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وقال تعالى " فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور "فقد أنعم الله تعالى عليهم بالأراضي الخصبة، والحدائق الغناء، فلما كفروا بما أنعم الله تعالى به عليهم أرسل إليهم سيل العرم أي سيل مدمر فأبادهم ودمر حضارتهم، وأبدل حدائقهم الغناء وأشجارهم المثمرة بأشجار ذوات أكل خمط أي مر الطعم وأسل أي أشجار ذات أشواك وقليل من أشجار السدر .
فلما أراد الله اهلاكهم سلط عليهم من الهوام والحشرات يقول : المؤرخون سلط على سدهم كما عظيما من الفئران تنخر سدهم ، فانهار السد ، فانطلق سيل عرم أغرق الناس ، والمساكن ، والحدائق والبساتين، فأرسلنا عليهم سيـل العـرم، يقتلع أشجارهم, ويُفسدُ ثمارهم, ويقوضُ ديارهم, ويطمسُ زهرة حياتهم.
لقد كان سيلاً مهولاً يحطم كل شيء , ويدمر كل شيء, يحمل في طريقه الصخورُ العاتية, لتحطيم السد العظيم .
وتحولت معيشتهم من الرغد إلى الضنك ، ومن الغنى إلى الفقر والقحط ، وأصبح لا ينبت في هذا الوادي إلا الأشجار التي لا تثمر ، ولا ينتفع بها الإنسان (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ) ويسأل سائل ، لم غير الله حالهم ؟ ، لم أنزل الله عليهم هذا العقاب ؟ فتجيب الآيات( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ )
هذا جزاء من كفر ، هذا جزاء من جحد النعم ، هذا جزاء من أعرض عن ذكر الله وشكره ، هذا جزاء من بدل إيمانه كفرا ، وضلالا ، وفسادا في الأرض بعد إصلاحها ، هذا جزاء من ظلم الأقلية والمستضعفين في الأرض ، جزاؤه الهلاك والدمار وضنك العيش وضيق الرزق ، والخوف والهلع، وبماذا؟ بأضعف المخلوقات سواء كان فأرا أو فيروسا أو جراد .
هذه هي سنة الله في خلقه ، فمن أسلم وجهه لله وهو مؤمن، وشكر لله نعمه ، وابتعد عما يغضبه ، وصدق رسله، فجزاؤه ( كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) ، وأما من أسلم للشيطان وجهه ، وصدق إبليس في وعده ، وكفر بنعمة ربه ، وأعرض عما جاء به المرسلون فجزاؤهم ( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ) تلك هي سنة الله في خلقه ، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل ، يقول سبحانه (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الأنفال: 53 .
واليوم وقد تعالت الحضارات وكثرت فيها الموبقات وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت وتمكن الناس من كل الأسباب فأكثروا في الأرض الفساد وبارزوا رب العباد أتاها أمرنا فكانت بدايةُ النهاية, وكان لا بد من وضعِ حدٍ لكبرياء القومِ وغرورهم, وتجبرهم وطغيانهم .
فإن السبب فيما نحن فيه اليوم من وباء وبلاء وخراب ، وفقر وضنك ، وظلم وعدوان ، وخوف وهلع وعدم استقرار ، و سوء أخلاق ، وتغير الأحوال ، كل ذلك عقوبة من الله جزاء إعراضنا وسوء خلقنا وظلمنا بعضنا البعض ، ولن يتغير هذا الواقع إلا بعد أن نغير ما بأنفسنا.
ومن يظن أن الحال سوف يتغير للأفضل دون أن نغير نحن أنفسنا ونعود الى ربنا فهو واهم، بل ومكذب بسنن الله الربانية .
بل أقول : إن الأمر سوف يزداد سوءً عاما بعد عام ، إن لم نتنبه من غفلتنا ، ونصحوا من رقدتنا ، ونغير حالنا ، ونعلن توبتنا ورجوعنا إلى واهب النعم ، ومدبر الكون .
وشكرا .. وإلى لقاء ..
You must be logged in to post a comment.