سرداب مظلم

كنت أسمع كل الأصوات في الخارج تناديني لكنني قابع في عقر ذلك السرداب المظلم، أجابه المستحيل لأجد مناصاً منه لازلت اتسائل كيف أودت بي الحال إليه، يتفنن سجاني الذي اكتوت نفسي لأعرف هويته وأواجه وجهه المقيت بتعذيبي، اكتست جدرانه بعازل للصوت أصرخ ليصمني صدى صوتي بلا مجيب، ينخفض مدى رؤيتي كل يوم حتى كدت أن أصاب بالعمى، أصر عيني لأبصر بالنور الضئيل المتاح لي من أعلاه لأراقب المياه المنسابة تملأ قبري ذاك، كيف لا أسميه قبراً وبت لا أجيد السباحة ولا أملك خياشيم تتيح لي التنفس تحت الماء، تجمدت دموعي كي لا تزيد منسوبه ارتفاعاً، تضيق جدرانه وتطبق على أنفاسي، عقارب وأفاع اتخذت جسدي أفعوانية تلهو بها فلا تطالها يدي لتبعد بث سمومها فيه، تتردد تلك الأصوات في مخيلتي فقد تسعفني باستعادة جزء من ذلك اليوم الذي زلت ساقي إليه، لكنها ما تلبث أن تصبح مصدراً لعذاب جديد فأجابه لنسيانها كل مرة، قد فاض بي الكيل هذه المرة أود أن أنال راحة حتى ولو كان بسكوني للأبد، سمحت لقدمي اللتين ملتا الوقوف وبلغ منهما الخدر مبلغه بأن تأخذا قسطاً من الراحة، غمرتني المياه فما عدت أقوى على الشهيق أبداً، زفراتي تتحول لفقاعات تصدر ألحان موتى البطيء عند انفجارها على سطح الماء، كاد هواء رئتيّ أن ينفذ، وضربات قلبي باتت تتناقص، والرؤية شبه معدومة، لكن روحي رفضت مغادرة هذا الجسد البالي، ببساطة انتفضت بقوة وأخرجت رأسي من الماء، تسارعت أنفاسي وصحبتها نبضات قلبي، وانفرج الضوء لعينيّ حتى كاد أن يعميهما، أيقنت أنني أود أن أعيش، لازال أمامي الكثير لاحققه بعد

لكن السؤال الذي يقتلني كيف سأهرب من هنا فهذه الجدران الزلقة تحول بيني وبين الخارج.

أيقنت حق اليقين أن مهربي مدفون فيي، كان علي إدراك أنني السجان والضحية، وما كانت تلك الجدران التي تضيّق الخناق علي إلا هواجسي منذ أن فتحت عيني على حقيقة كوني ملقاً على سريري بلا حراك، أُجابِه فقدان جسدي قدرته على الجري نحو أحلامي، استسلامي وعدم تسليمي بتلك الحقيقة جعل جدران سردابي تطبق على أنفاسي، وتمنع أفكاري من التدفق، فغرقت في ظلمةٍ أعمتني عن الرضا بقضاء الله الذي اختارني لأصعب امتحان، فانشغلت بصعوبة خوضه وعدم استعدادي له عن محاولتي خوض غماره ، وعن إعطاء نفسي فرصة كي أبرز قدرتي على تجاوزه، لكن ما إن أصابت سهام الصبر قلبي ، وأيقنت روحي أنها ما ألقيت بهذا البلاء إلا لاتجاوز عن أخطاء الماضي واغسل ما لحق بي من شرورها، حتى تهاوت أوهامي وهواجسي كشهب لتحرق وساوس نفسي وأيقنت أن فراري إلى الله فتمسكت بأحلامي فما كان لجسدي أن يقف عائقاً في طريقي وتسلقت سبل الله إليه وحطمت ظلمة سردابي ليضحي نوراً وحبوراً في كل وقت وحين. 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن