بعد غزوة بدر كان من بين الأسرى الذين ظفر بهم المسلمون رجل آذى النبي " صلى الله عليه وسلم " طيلة دعوته , و فضلا عن كونه سيدا من سادات قريش كان رجلا مفوها خطيبا , فخاف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – على النبي و المسلمين من فصاحته , و استأذن النبي " صلى الله عليه و سلم " أن ينزع ثنيتيه , فقال له الرسول " صلى الله عليه و سلم " :- دعه يا عمر فلعله يقوم مقاما تغبطه عليه .
هذا الرجل هو الصحابي الجليل سهيل بن عمر الدوسي , أمضى حياته في محاربة الاسلام و دين الله , و هو من عقد صلح الحدبية مع النبي " صلى الله عليه و سلم " .
ومن المواقف التي يظهر فيها جليلا عداوة سهيل بن عمرو للاسلام , يوم بدر بعد أن حاد أبو سفيان بالقافلة , و لم يعد هناك سبب للمضي قدما نحو خيار القتال , و استكان أهل المكة , ألب سهيل قريشا و حثهم على القتال , و هذا ما كان .
ويوم صلح الحدبية , أرسلت قريش أربعة سفراء للتفاوض مع المسلمين , وكان سهيل هو خامسهم وهو من غقد الصلح , فلما اقبل سهيل و رآه الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال :- هذا سهيل بن عمرو , سهل لكم من أمركم , ان القوم يريدون الصلح .
بدأ سهيل بسرد بنود العقد فكان منها هدنة مدة عشرة أعوام , و رجوع المسلمين الى المدنية المنورة و يعودوا في العام الذي يليه لتادية مناسك العمرة , ومن جاء الى المسلمين من قريش أعاده المسلمون الى قريش , و من ارتد عن المسلمين و ذهب الى قريش لا برد الى المسلمين .
بنود كلها مجحفة – من وجهة نظر المسلمين – فساد الجمع شعور من الظلم و القهر , حتى أن عمر ذهب الى الرسول و قال له :- يا رسول الله ألسنا على الحق ؟ قال :- نعم , أليسوا على الباطل ؟ قال :- نعم فقال عمر :- فلماذا نعطي الدنية في دينينا ؟ فقال الرسول – صلى الله عليه و سلم - :- يا عمر اني رسول الله و لن يضيعني و لن أعصيه .
وكان من بين الحضور أبو جندل , ابن سهيل بن عمرو و قد مسلما يومها , فذهب اليه عمر بن الخطاب و جلس بجواره , و بدأ يشيح بسيفه امامه , و يقول " ايه , ان الرجل ليقتل أباه فالله , و الله لو أدركنا آبانا على الكفر لقتلناهم " ففطن أبو جندل الى مراد عمر بن الخطاب و لكن أبى قبول رأي عمر .
يوم فتح مكة , و بعد أن دخلها المسلمون , اجتمع أهل قريش حول الرسول – صلى الله عليه و سلم – و قال :- ما تطنون أني فاعل بكم ؟ فقام سهيل بن عمرو و قال :- لا نقول الا خيرا , اخ كريم و ابن اخ كريم . فقال الرسول – صلى الله عليه و سلم - :- أقول لكم ما قاله أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم , يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين . فطأط سهيل رأسه و شعر بالجخل , الا انه لم يسلم حتى هذه اللحظة .
بعد غزوة حنين في العام الثامن الهجري , أي بعد واحد و عشرين عام من بداية الدعوة الى الاسلام , أسلم سهيل وهو في السبعين من عمره , و تغير تغيرا جذريا , فقد لزم الصيام حتى شحب وجهه , يقيم الليل , و بدأ يتعلم القران على يدي معاذ بن جبل – رضي الله عنه - , و يكثر من الصدقات و الانفاق في سبيل الله .
في العام الحادي عشر من هجرة و بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه و سلم - , بدأ أهل مكة في محاولة الارتداد عن الاسلام و العود الى كفرهم , فقام سهيل بن عمرو خطيبا فيهم و قال :- يأ أهل مكة لاتكونوا آخر من أسلم و أول من ارتد , والله لايتمن هذا الأمر كما ذكر الرسول محمد – صلى الله عليه و سلم – يا أهل مكة , أين عهد الله و ميثاقه ؟ أفلا يكفيكم من الفوت ما ضيعتمت قبل اسلامكم ؟ وهل كان محمد الا بشرا رسولا ؟ أدى الامانة و نصح الأمة و تركها على المحجة الواضحة , و أشهدكم عليها , و شهد عليكم بها لتكونوا شهداء على الناس من بعده , فكيف يكون الدين للناس كافة ان كان ينقضي بانقضاء أجل النبي – صلى الله عليه و سلم - ؟ فوالله ليبلغن أقصى المشرق و المغرب , فلا يفتننكم عن دينكم قوم مردوا على النفاق و حسبوا الدين مأثرة و امارة تتنازعها القبائل , الا ان اقربكم الى الرسول أوفاكم لذمته واحفظكم لدينه و امضاكم على سنته , فالله الله في أنفسكم . فثبت قلوب أهل مكة و مكثوا على عهد الله . و كان ما قال فيه الرسول – صلى الله عليه و سلم – لعمر بن الخطاب " دعه يا عمر فلعله يقوم مقام تغبطه عليه " .
You must be logged in to post a comment.