شتائي وشتاء الفقراء..!!

شتائي...وشتاءُ الفقراء...!

أجلسُ بجانبِ المدفئة...مرتديةً نصفَ ملابسي التي في الخزانةِ، وفوقَ هذا أضعُ لحافاً سميكاً فوقَ جسدي وألفهُ كالعباءة...مضحكٌ شكلي ابدو كالدببة بهذه الألبسة...

استمتعُ بالشتاء...، وأراهُ أجملَ فصولِ السنةِ بثوبهِ الأبيض، وأنتظرهُ بفارغِ الصبر...

وأنسى أنَ هناكَ من يعانونَ بفصلي المفضل، أنسى بأنَ هناكَ من لا مدفئةَ لديهم ،ولا ملابسَ تدفئهم، ولا أغطية ثقيلةً يلفونَ أجسادهم بها، كم يحزنهم ويؤلمهم ما يفرحني...

أتمنى أن تثلجَ السماء، لكني سرعانَ ما أعكسُ أمنيتي حينما أتذكرُ من يعانونَ البردَ ،ويمرضونَ لشدته...

صغاراً أم كباراً أم مسنين ،فلمَ لا نساعدهم ،لمَ لا نعطيهم مدفئات ،لمَ لا نعطيهم ملابساً دافئة أو حتى أغطيةً ثقيلة...؟!

أليسوا بشراً؟

فهم يشعُرونَ مثلنا، يبردونَ ويشعرونَ بالحر...

جميعنا نحتفلُ بحضورِ الشتاء الا هم، فيومُ عزائهم يومَ حلولِ الشتاء ،يحسبونَ ألف حساب، يهكلونَ ألف هم، يخشونَ المرض ،ويرجونَ عطفَ الشتاءِ عليهم...

ترتجفُ أناملهم، وتهتزُ أجسادهم...،والسماءُ ترمي الأمطار بشدة، وأنا جالسةٌ أفكر وبخاطري ألفُ سؤال:

هل هم بخير؟!

هل يشعرونَ بالدفء الآن؟!

كيف الأطفال هل مرضوا؟!

وهل كبارُ السن تحملوا البرد؟!

يا الهي ماذا أفعل؟!

أشعرُ بالقلق...

انكمشت حول نفسي بجانبِ المدفئة...

فجأة سمعتُ صوتَ طرقاتٍ على الباب، نهضتُ بسرعةٍ عن الأرض وشعري يلفُ كتفي  كنت وحدي بالمنزل ،فقد خرجت عائلتي لتقومَ بزيارةِ بعضِ الأقارب ،ذهبتُ إلى الباب ،فتحته بهدوء ، فإذا هي طفلةٌ صغيرة...،ملابسها ممزقة ،وشعرها مبلل ،ولا ترتدي شيئاً بقدميها ،نظرتُ إليها بحزن...وقلتُ بهدوء:

_م...من أنتِ؟

صمتت الطفلةُ قليلاً ثم قالت بصوتٍ متقطعٍ حزين :

_أ...أنا ماري...

_حسناً ماري تعالي معي...

أدخلتها كانت تبدو لي بعمرِ6سنوات،نظرتُ إليها وهي تحني رأسها بحزن...،ابتسم وأنا أقتربُ منها وقلت:

_ماري...،أين عائلتكِ ؟!

نظرت إلي وعيناها تتلألأ دمعاً ثم قالت بهمس:

_عائلتي...،غرقت...

توسعت عيناي:

_لم يبقَ أحد؟!

غرقت بالبكاء:

_لـ...لا...لم يبقى أحد ماتوا جميعهم...

سمعتُ صوتَ فتح الباب، التفت إليه بسرعة فإذا هم عائلتي ،نهضتُ بسرعة وأمسكتُ بالطفلةِ التي غرقت بالبكاء ،اقتربت أمي وقالت بتعجب:

_من هذه الطفلة...؟!

نهضت الطفلة بتوتر وقالت:

_آسفة يا خالة، نحن فقراء وقد غرقت عائلتي ولم ينجوا سواي ، لقد طرقتُ الباب لبيوتٍ كثيرة ورفضوا ادخالي ،لم يقبل أحدٌ سوى هذه الفتاة...،علي الذهاب الآن...،صمتت قليلاً ثم نظرت إلي قائلة وهي تبتسم:

_شكراً لأنك قبلتي ادخالي ،لا أدري أينَ سأذهب لكني لا استطيع البقاء معكم...

نظرت لها منتظرةً ردةَ فعلها...، اطرقت رأسها وكأنها تفكر ثم قالت:

_لا لن تذهبي إلى اي مكان ،ستبقي معنا...،ثم نظرت إلى العائلة بفرح وقالت:

_مرحا انضم لعائلتنا فرد جديد...

انتهى اليوم ،ذهبت إلى غرفتي كانت الطفلة تنام على السرير المجاور لسريري ،كتمتُ ضحكتي حينَ رأيتُ كيف تنام بقدم تحت الغطاء وقدم فوقه، وضعت قدمها الأخرى تحت الغطاء وذهبت إلى سريري وأنا وأقول داخلي:

_آه كم هم مساكين ،أتمنى لهم العيشَ بسلام وأتمنى عطف الشتاء عليهم، نهضتُ بصمت وأمسكت ورقة كتبتُ عليها "شتائي...وشتاء الفقراء...!"

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٨ ص - jimina
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٥ ص - شهد بركات
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Amani
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٠٨ م - soha
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٠٠ ص - Zm23138244
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ١:٥٩ ص - Kawthar hasan
About Author

هو الصمت... الشيء الوحيد الذي يملأ الفراغ الذي بقلبي ... كلُ البشرِ رحلوا من قلبي ...،وحتى المقاعد اخذوها معهم... فوداعاً وأظنُ بأنه لا لقاء... ولم يبقى سوى الصمتِ يسكنني ...