علّ السطر الذي أراد أن يحتويك قصير

إنها الواحدة بعد منتصف الليل، حيث لا أسمع إلا وقع المطر وصليل القلم فوق أوراقي، ولا أرى إلا لهيب الشمعة المتهالكة أمامي، أنا أبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا ومن الكلام عامٌ ونصف، في الواقعِ لا أدري كيف علي أن أشرح هذا الأمر، إنه ليس وليد اللحظة الراهنة بل هو أقدم وأشد تعقيدًا من ذلك بكثير، سأكتب عن ثمانين صمتًا وأختم بانكفاءٍ خائب يزجُّ بي في شؤمٍ طويل، أبدأ من حيث قلمي الذي سُلب منّي _منذ أول مرة شعرتُ فيها بالألم جرّاء الفقد_ وكنت أظنه ألمًا مثيرًا للاهتمام وتسرعت بالبكاء و ياللبلاهة، لم أكن أعرف أنه قد يتجاوز ذلك الأشياء إلى الأشخاص إلى ما فوق ذلك حتى.

أذكر كل ما خسرته منذ طفولتي إلى الآن، أشياء تختلف نسبيًّا من حيث أثرها وأهميتها بالنسبة لي، ولكن وعلى أية حال فإن لي صلة بها طالما أنها قد قفزت إلى ذاكرتي، وفقدانها إذن جدير باعتباره خُسران بالعموم، وبعد أن خسرتُ المرة الأولى عملتُ أن الخُسران سيكون بعد ذلك متواليًا.
لقد تطاول بنيان أحمالي حتى وصلت إلى العشرين من عمري ولأنني في تلك الفترة بالذات كنت أكثر تداعيًا من ما مضى، ألقيتُ بثقل رأسي كله على صدر أول احتمال متاح حدستُ أنه قد يردم الهوّة العميقة في داخلي، ثم إنه لأمر بشع جدًا، ما حدث لي في آخر هزيمة أصبتُها، فقد حملت نفسي الخائرة وقلبي المثقوب إليها حملًا، آملًا الوصول إلى ذلك اليوم الذي سأغفل فيه عن خيباتي، كان هذا قبل أن تباغتني حالة اللاجدوى وترديني في ظلمات الوهم من جديد.. وياللفظاعة، حين أفقتُ من غيبوبتي كنت كمن قرر أن يعالج الخطأ بالخطأ فوجد نفسه يواصل التهاوي فحسب.
حسنًا، دعنا نحدّث العاقل بما يعقل!
إن مدة السقوط مهما كانت طويلة فإنه لا بد للارتطام  من أن يحدث (ففي النهاية وعلى الرغم من كل هزالتي لازت أثقل من تفاحة نيوتن التي تهاوت في لحظات) ثم وعند نقطة ما لا بد وأن ينتهي كل شيء، آمل أن تكون المسافة إلى الحتف حقيقية للغاية، مثل الصقيع الذي أشعر به الآن في أطراف أصابعي.

رزان رواشدة 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٨ ص - jimina
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٥ ص - شهد بركات
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Amani
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٠٨ م - soha
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٠٠ ص - Zm23138244
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ١:٥٩ ص - Kawthar hasan
About Author

لا الدنيا أقبلت إليّ ولا الزمانُ أدبر