لا زالت ذكريات ذلك الماضي الحالك متجذرة
في صلب خوالجي أذكرها كما يذكر الحر
المعتوق جدران سجنه و ثقل قيوده و عبا أغلاله
أسترجعها بين الفينة و الأخرى
فتخلق لدي شعورا مؤلسا يمغص روحي يوما بعد
يوم يسري بي إلى عالم قاتم الظلمة كله مأساة
وشقاء أإذا كانت الطفولة عهد ذهبيا يهزأ بمتاعب
الحياة ويسخر من مآزق الدهر وهواجسه
ويطير مرفرفا فوق رؤوس المشاكل الابتلاءات
و يحلق بعيدا فوق خناجر سيوف الهموم و
المحن مثلما تجتاز النحلة المستنقعات الخبيثة
سائرة نحو البساتين المزهرة أما أنا فلا يسعني
سوى أن أدعوا طفولتي عهد آلام خفية تقطن
صميم فؤادي و تثور کازوابع بجانبه جعلت مهد
الصبا جحيما أحرق بشرارات لهيبه مشاعر الطفل
بداخلي و حولت نور البراءة إلى خميل الزجر و
الخبث.
ذلك الماضي الذي يحاكي فلم الرعب الذي تصور
جل أطواره کیف انقشع كل فرد في عائلتي في
رمشة عين كالخيال لما يتبخر و يتصاعد نحو
مسارح ما وراء الشفق الأحمر في عنان السماء،
جراء ثلاث رصاصات نحاسية ، نعم مجرد ثلاث
رصاصات معتوهة ألقت بها أنامل الإنسان البشعة
التي تسري في عروقه دماء سوداء شريرة قلبت
نمط حياتي رأسا على عقب ، إنها الحرب نعم
إنها الحرب التي ما فتأت إلا أن جعلت من أ
أشلاء بالية ومن وطني خردة رخيسة سارعت
إلى الاحتضار بعدما سئمت من الإضمحلال
شيئا فشيئا، ومن حياتي و حياة الملايين من
الأبرياء لعبة في أيدي الأقوياء، في أيدي الكيان
الصهيوني ، أنا الطفل الفلسطيني الذي منذ
نعومة أظافره وهو يعيش الاضطهاد وينام
على صوت التفجيرات و يستيقظ على خمبل
الخراب و الدمار، أمضى نصف عمره في اليتم
يسامر وحدته ويناجي نفسه ، نفس ظامئة رأت
كل ما يرى سرابا و كل مالا يرى طيفا، أنا الطفل
الفلسطيني الذي ولد على مهد الشقاء وربي في
أحضان الذل و شببت في منازل الإستبداد ،يأكل خبزه
اليابس متنهدا ، ويشرب ماءه العكر ممزوجا بالدموع و
العبرات
وكل هذا لأن القدر حتم علينا أن نكون ضحايا لوطأة
الإستعمار ، و مخلفات لأزمات سياسية ، تخطيطات
إستراتيجية لعينة ،
بدأت قصة صراعنا ضد الكيان الصهيوني متذ الأزل
ولازالنا حتى وقتنا الراهن نتبد الخسائر و و المٱسي
ويل لزمان أصبحت فيه الأنفس تزهق بدون مساءلة ولا
عتاب ، وإرهاق الدماء سهل و ممتع كشرب فنجان من
القهوة في وضح النهار
كاتب مغربي: حمزة أبوالغازي
You must be logged in to post a comment.