في ثنايا وسواسي استغيث

أتسائلُ دائماً كيف لحدثٌ بسيط، موقفٌ واحد، صرخةٌ واحدة في لحظة من الوجع المفاجئ أن يقلب موازين أعوامًا من الهدوء والطمأنينة؟

ما زلتُ أذكر أحداث ذلك التاريخ جيداً وما زالت ذكرياته تطاردني في منامي، ما زلتُ أُفكر كل ليلة  وأتفاجئ كيف لوخزة القلب الأولى ولإلتواءٍ في الأمعاء لمدة لا تتعدى العشر ثواني أن تهز كياناً فاق عمرهُ الستة عشر عاماً.

مساء الثاني عشر من تموز الثاني لعام (٢٠١٦م) اذكرُ تلك اللحظات جيداً، نبضات قلبي التي من فرطها احسستُ أنني أُصارع الموت، وميض الضوء  في عيناي وأصوات الأقدام تهرول حولي قلقة والأيدي على جبيني مُتفقدة مُتفحِصة، اذكرُ واذكر وما زالت رائحة الأسِّرة المُضرجة بالدماء في أنفي عالقة وما زلتُ أشعر ببرودة سماعة الطبيب فوق قلبي، كنتُ أطمئنُ نفسي حينها في داخلي قائلة إنها مجرد وعكة صحية بسيطة، إغماءٌ بسيط كمشهدٍ في الأفلام وبعدها سينتهي كلُ هذا. لكن هذا المشهد طال امتدَّ وثَقَل وأخذ يلتهم مزيداً من أيامي ولحظاتي الجميلة في مكوثه. 

مضى اليوم الأول، الأسبوع الأول ثم الشهر لتتوالى الأيام واكتشف عندها أن هذا المشهد المُظلم المُدجج بالأدوية والأبر قد أصبح حياتي وواقعي، سبعةُ أشهر أمضيتها بين أنينٍ وصريخ، بين بُكاءٍ ودعاء، حيرةٍ وذهول، سبعة أشهرٍ أمضيتُها مع أُمي التي لم يُفارق القرآن يدها والدمعة عينها والدعاء فغرها بين أكناف جدران غرفتي وكل ما يشغل تفكيري ما سبب كل هذا الألم الذي أشعر به أو بالأحرى من شدته أصبح هو من يشعر بي؟ وما جعلني في حيرةٍ من أمري أكثر أن طيلة السبعةُ أشهر المنصرمة لم يفدنا طبيبٍ واحد بسببٍ واحدٍ بسيط لما يحدُث لي ما كان يصدُر منهم إلا كلاماً بأن نتائج فحوصاتي كلها سليمة وليس هناك ضرراً ملموس قد أصابني. إذاً فما هذا الوجع الذي يغزو جُثتي المُتحركة! بِّتُ أرى الحزن والخيبة في عيون أُمي وأبي وفي عيون صديقاتي اللواتي لم يعتدنَّ يوماً على مروى بهذه الحالة بهذه الشخصية الكئيبة عديمة الإبتسامة وكثيرة الوجع ولأني إنسانة مُناضلة لم احتمل كل هذا وما كان مني إلا أن أبحث عن سر وجعي بذاتي، فقمتُ بعددٍ لا يُحصى من الأبحاث والإتصالات الطبية لأتوصل إلى الحقيقة الأبشع، اكتشفت أن كل ما احسست به طيلة السبعة أشهر المنغبرة ما كان إلا وهماً؛ إذ أنني شُخصت بالوسواس القهري أي أن كل وجعي، تعبي وصرخاتي كان مصدرها المرض الخبيث الكامن في باطن عقلي. صُدِمت، تفاجأت وما جعلني أكثر حيرة هو كيف لي أن أخبر أبي وأمي اللذان لم يذوقان طعم الراحة طيلة الفترة المنصرمة أن كل هذا مجرد وهم وكيف لهم أن يساعدوني أساساً؟ فهذا مرضي أنا، مشكلة بيني وبين ذاتي وكلٌ منا لديه ما يكفيه من همومه لذا قررت أن أواجه نفسي وأقهر وسواسي ولا أريد من أقربائي إلا دعائهم وبالفعل بدأت ثابرت، لا أنكر أنني في بعض المرات تعبت، ضعفت واستسلمت لكني انتصرت في الأخر وباتت السبعةُ أشهر الأكثر سوءاً ما هي إلا دروساً تعلمتها.

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author