قُصاص شعري
قديماً عندما كانت الفتيات تحب الشّعر الطّويل المندلِع على كتفيها النحيلَتين، اللّامع المتخصِّلِ بخصلٍ أشبهُ بعروقِ القمحِ، كنتُ أنا.
كنتُ أناشهدٌ وَلدتني امٌّ عظيمةٌ كَبِرتُ في حضنِها الى أن أصبحتُ فتاةً يافعةً، تحبّ الشَّعرَ الطّويلَ ك كلِّ فتاةٍ، كانت أمّي تملكُ شعراً قصيراً كانَ جميلاً جدّاً عليها حيث انّني أستطيعُ رؤية ملامحها بشكلٍ جميل يمتدّ شيئاً فشيئاً ليصل إلى عنقها.
كانت تحبّ الشّعر القصير على خلاف الطّويل، كنتُ في الثّامنة من عمري عندما أرادت قصّه لي أوّل مرّة فور انتباهي وعلمي بالأمر حيث كانت تقصّه لي في صغري دون أن أعلم، انا لا أريد ذلك لكنّه حتماً سيحدث لانه أمرُها، في اليوم التّالي ذهبنا الى صالون التّجميل الواقع بالقرب من منزلنا حيث توالت فيه رفوف من الخشب ومرآتانِ مزينتانِ بقطعٍ من القماشِ الورديِّ الملفتِ للنّظر وطقمُ مقاعد للجلوس لانتظار الدَّور، لم أكن راضية عن هذا المجيء لكنّه ليس برغبتي، نادتني الكوافيرة أثناء جلوسي على المقعد واكتئابي لفكرةِ انّني سأفقد خُصلٌ من شعري للتّوّ، لاحظت عليّ الخوف والغضب، فهدئتني وقالت لي انه مفيدٌ للشَّعرِ وانّه سيعود أطول من الآن في وقتٍ قريبٍ جدّا، فهدئتُ واطمئننتُ قليلاً فلا خيار لي غير ذلك، أجلستني إلى كرسيٍّ عالٍ قليلاً يبرز في مقدمتِّهِ السواد الدّاكن، قامت بتبليل شعري أثناء ما كنت أنظر لأمّي في واجهة المرآة وهي تبتسم لي اقتربت منّي وقالت لي سترين كيف سيصبح الان، أمسكت الكوافيرة المقصّ وقربته من خصلة شعري المبلّلة، قصّت أطرافهِ فأغمضتُ عيْنايَ شعرتُ بالهواء يتدفقّ إلى عنقي، فتحتُ عينايَ يائِسةً نظرتُ لأسفلَ شعري فرأيته قد أصبحَ قصيراً ، لكنّه جميلاً حتماً ،ويليق بي، أخذتُ معي خصل شعري التّي بقيت منه ولم تسقط على الأرض لأحتقظ بها، بعد مرور الوقت أصبح شعري أطول من ذي قبل وأجلبُ قصاصات شعري القديمة وأثبتها عليه وأضحك على أفكاري، كانت ايّاماً جميلةً ، وقصاصاتِ شعرٍ يُحزن عليها فعلاً.
أطفئت المصباح وقلتُ سأتذكرُ هذه الايٌام طيلةَ عمري.
شهد إياد شويات.
You must be logged in to post a comment.