انتظرت شيماء أميرة حتى تأتي وتحكي لها ما حدث، ولكن تتساءل هل ستصدقني أن هناك شيء غريب يحدث لها أم لا، عندما جاءت أميرة قالت لشيماء:
- كيف كان وقتك؟
- أشعر بالوحدة قليلا.
- هل ما زلت لم تتعرفين على أحد؟
- لا، فقط شخص يدعى شريف.
- هذا جيد.
- ماذا عنكِ؟
- تعرفت على فتاتين نهال وسلمى.
- أنتظر أن أتعرف على أحد الفتيات.
- ابدأِ أنتِ.
- أشعر بالخجل قليلا.
- ما زلت كما أنتِ، دعكِ من هذا، أين هو شريف؟
- ها هو هناك.
تطلعت أميرة تجاهه لم تجده فسألت شيماء:
- أين هو؟ لا أراه.
- لقد غادر للتو.
- هل هو سريع لهذه الدرجة؟
- يبدو كذلك.
غادرت شيماء وفكرت في كل ما حدث وقالت لنفسها: هل شريف غريب الأطوار قليلا أم أنني أصبحت مريضة نفسيا؟ سأتناسى أوهام عقلي وسأحاول أن أتعرف على إحداهن ولن أتحدث مع شريف مجددا ولن أفكر بأمر نسيم الرعد هذا.
وأثناء حديثها هذا لنفسها فُتح شباك الغرفة بشدة وجاءت رياح قوية أفزعتها فتركت الغرفة ووجدت أسرتها تشاهد التلفاز ولم يشعروا بأي شيء، عادت الغرفة ووجدت الشباك قد أُغلق فقالت لنفسها: هل أغلقته قبل مغادرة الغرفة أم ماذا؟
في اليوم التالي حاولت أن تتعرف على أحد الفتيات وكانت فتاة تُدعى هبه، وبعد أن تبادلوا الأحاديث وشعرت هبه ببساطة شيماء غير ما يبدو عليها، فقالت لها هبه:
- أنتِ شخصية لذيذة حقا، ولكن اريد أن أخبرك شيئا وأرجو ألا يضايقك حديثي.
- بالطبع تفضلي.
- لمَ لا تفكرين في ارتداء الحجاب؟ لن أخبرك أنه سيحميك أو سيزيد جمالك ولكن فقط لأنه أمر من الله وما يأمرنا به الله هو الخير لا محالة حتى وإن لم ندرك خيره.
- أنا حقا أفكر بهذا الأمر ولكن ليس قرار سهلا وأحتاج وقت حتى آخذ هذا القرار، أريد أن أرتديه ولا أتراجع عنه، أنا أريد أن أرضي الله وأحتاج الثقة والقوة لهذا.
- فقط تحتاجين عون الله، ادعِ الله أن ييسر أمر حجابك وهدايتك وبالتأكيد الله سيعينك.
- أنا سعيدة لتفهمك ردي، توقعت حدة في ردك ولكنك كنتِ لينة معي.
- كيف أكون حادة ولا أضمن يوم واحد أمر هدايتي؟ أمر هدايتي بيد الله وليس لأني الأفضل، ولولا عون الله لي لما كنت بهذا الثبات، وأدعو الله دائما أن يثبتني على ديني، وبالمناسبة أنا أيضا خشيت أن يكون ردك فظّ معي ولكن على العكس تماما، ولو لم أشعر بالراحة معكِ في الكلام لما تحدثت معك هكذا.
- لقد كان كلامك مهذب ولين، وشعرت بصدق كلامك.
- سعيدة بالحديث معكِ.
- وأنا أيضا.
كانت شيماء سعيدة بمعرفة هبه، فهي تحتاج من يساعدها في فعل الصواب، كانت شيماء تريد الالتزام بالصلاة وارتداء الحجاب ولكن هي تجاهد نفسها وتقطع في الصلاة وتنتظر أن تستقيم.
بعد أن ذهبت هبه قالت في نفسها: ارتحت لمعرفة هبه كثيرا، وأشعر أنها ستساعدني لأصبح أفضل.
شعرت شيماء فجاءة بنسمة هواء قوية ثم وجدت أمامها شريف، قال شريف:
- مرحبا شيماء.
- مرحبا شريف.
- ما رأيك تأتي معي نشرب شيئا حتى ميعاد المحاضرة القادمة؟
ترددت شيماء قليلا فهي تشعر أن هذا الأمر ربما تصرف خاطئ ولكن شعرت بالخجل أن ترفض عرضه وقالت في نفسها: سأدعي أني سأقابل صديقتي حتى أرفض دون أن أحرجه، وقبل أن تنطق بكلمة قال لها:
- تستطيعي الرفض دون حرج، فسأذهب.
تعجبت شيماء وقالت:
- كيف عرفت؟ أقصد ليس الأمر كذلك ولكن...
وقبل أن تكمل غادر في لمح البصر فلم تفهم شيماء ما حدث وقررت أن تذهب لتحضر بعض الطعام وتتناوله مع صديقتها أميرة، واثناء سيرها وجدت أمامها سيارة فارتعبت ولم تستطع أخذ قرار تكمل إلى الأمام أم تتراجع للخلف، فالتزمت مكانها، فوجدت رياح قوية تسحبها للخلف وكأن هذه الرياح أنقذتها، وشعرت بشخص خلفها فنظرت للحلف ولم تجد أحد، فشعرت بالرعب قليلا، لماذا تشعر بأن هناك من يلازمها أو يراقبها ولكن لا ترى أحد، من هذا الشخص؟ وهل هو من خيالها؟
وجدت شريف أمامها فجأة وقال لها:
- أنا…
تعجبت شيماء وزاد خوفها ثم قالت:
- م.. م... ماذا؟!
- أنا أسف، لم أقصد تتبع خطواتك.
- حسنا سأذهب.
وأثناء سيرها تجد السيارات تبتعد عنها وعبرت الطريق بسهولة، وكأن هناك من يوجههم بعيدا عنها! عندما قابلت أميرة وحكت لها ما حدث قالت أميرة:
- أنتِ تغيرتِ كثيرا بعد هذا الفيلم المرعب.
- هذا صحيح ولكن ليس بيدي، ولا أفهم شيئا.
- أنتِ فقط متأثرة به قليلا وتتخيلين لو أنكِ مكان البطلة وهذا ذات من انتباهك للكثير من الأمور التي تحدث لنا جميعا دون أن ننتبه لها.
- لديك حق ولكن ما الحل؟ هل أذهب لطبيب؟
- لا فقط تجاهلي كل ما يحدث غريب، اشغلي نفسك بدروسك أو أي شيء يثير فضولك، وستتحسنين لا محالة.
- يبدو كذلك.
- حسنا سأذهب للمحاضرة فستبدأ الآن، أراك لاحقا.
- حسنا صديقتي.
عادت شيماء إلى كليتها وقررت تجاهل أوهام عقلها، وستنشغل بدروسها، وعندما عادت منزلها جهزت بعض الكتب والمحاضرات للمذاكرة وذهبت لتعد كوب شاي وعندما عادت غرفتها وجدت شباك غرفتها مغلق ولكن الكتب والأوراق واقعة على الأرض، شعرت بالحوف وكأن هناك شخص بالغرفة فوضعت كوب الشاي على المكتب وقامت بترتيب الكتب والأوراق وعندما وضعتها على المكتب وقع فنجان الشاي على الأرض، شعرت بالخوف والزعر وقالت:
- من أنت؟ وماذا تريد مني؟ أنا أعلم أنك بغرفتي الآن.
لم بجيبها أحد وكأنها تحدث نفسها بلا جدوى، شعرت وكأنها فقدت عقلها وظلت تبكي دون توقف....
في صباح اليوم التالي وجدت هبه تخبرها بأن هناك محاضرة إضافية غير الموجودة بالجدول وقامت باصطحابها إلى هناك، شعرت شيماء بالراحة مع هبه، والغريب أن شريف لا يوجد له أثر، وقالت في نفسها: يبدو أنه لم يكن يعلم بأمر هذه المحاضرة.
بعد انتهاء المحاضرة بحثت عنه وقبل أن تذهب لمكان أخر وجدته أمامها فنادت عليه وأخبرته بأمر المحاضرة وقامت بإعطائه كشكول المحاضرة، فشكرها وبدأ الحديث بينهم عن نشأتهم وأسرتهم وأخبرها شريف أنه يعيش بعيد عن أهله منذ زمن، وأدركت شيماء أن هذا سبب تصرفاته الغريبة، شعر كل منهم بالانجذاب تجاه الأخر ووجدت شيماء تحسن كبير لحالتها بعد تقربها من شريف، والأشياء الغريبة التي كانت تحدث لها لم يعد لها أثر، ولكن هبه ابتعدت عنها ودعت الله لها الهداية، فكانت هبه رافضة لعلاقة شيماء بشريف لأنها تعدت حدود الزمالة، ولكن رغم ذلك فهي تشعر أن شيماء تريد أن تصلح حالها ولكن ستأخذ وقتها لتتبع الصواب.
ذات يوم كان الطقس بارد والرياح شديدة وكانت شيماء جالسة بجوار شريف فتحرك شعرها تجاه شريف فرأت أطراف شعرها التي لامست شريف قد احترقت، فشعرت بالزعر وسألته:
- شريف من أنت؟
علم شريف أنها تعجبت من احتراق اطراف شعرها التي لامسته وظل يفكر ماذا يقول؟ فقال:
- اهدئي قليلا ولا تخافي، أيا كان من أنا هذا لا يهم، ما يهم أنني أحبك وأنت كذلك تحبيني.
زاد كلام شريف تشتيت عقلها وتحطم قلبها، تذكرت ما كان يحدث لها من وقت ظهور شريف وأنه لم يأكل معها مرة واحدة أو يشرب أو غير ذلك من الأمور البشرية، أدركت أن شريف يبدو أنه ليس من عالمنا......
قال شريف وقد قرأ بعينيها ما يدور برأسها:
- نعم، أنا لست من عالمك، ولكن هذه كانت رغبتك، أليس كذلك؟
قالت شيماء في نفسها: كيف عرف ذلك؟ ثم قالت لشريف:
- لم أكن جدية، فقط تأثرت بالفيلم الذي كنت أشاهده، لست الوحيدة التي تمنت هذا، لماذا ظهرت في حياتي؟
- لقد كنت منبوذ من عائلتي، لأنني لا أحب فتنة الإنسان الذي يجاهد ليصلح نفسه، كنت أكتفي بالإنسان العاصي، عائلتي أخبرتني أن دورهم الإنسان المتردد الذي لم يثبت على حال يجاهد ويعود، أما العاصي فنفسه أولى به، فنبذوني وأخبروني لكي يقبلوني بينهم يجب أن أفتن شخص يجاهد ويفشل، وكنت مناسبة لهذه المهمة كما أنك جميلة وتمنيت أن تقابلي شخص ليس من عالمك، فكنت مناسبة لي لأعود لعائلتي، فكنت أنا نسيم الرعد ولكن عندما أغضبتين بسخريتك من اسمي ورأيت عيوني تتحول علمت أن شخصية نسيم الرعد لن تفلح بعد لأنك ربما كشفت أمري، فظهرت بشخصية أخرى واختارت اسم ملائم لك، وبدأت ألاحقك واشتت تفكيرك، ولكن عندما بكيتِ ذات يوم شعرت وكأني أحببتك وقررت ألا أضايقك وتقربت منكِ وأحببتك، ولم أهتم أن أرجع لعالمي، فقط سأكتفي بأن أكون بجوارك.
- كلما حاولت الالتزام بالصلاة أجد ما يخنقني ويمنعني، هل هذا كان أنت؟
- نعم، لو ألتزمتي بالصلاة فيكون حوليك هالة تحميكِ مني وتبعدني عنك وأنا أريد أن أكون بجوارك دائما.
- ولكن لا أريد أن أدخل النار.
- هل ستتركينني؟
- ما رأيك أن تترك عالمك وتتوب إلى الله؟ أنا أعلم أن هناك جن كافر وجن مؤمن.
- لن تتركني عائلتي بهذه السهولة وربما لم تتركك.
- ما عندكم مثل ما عندنا، إن غير المرء دياناته لا تتركه أسرته، ولكن ماذا ترى؟
- نظل كما نحن الآن.
- لا، أريد أن أتقرب إلى الله، لا أريد أن أظل كما أنا.
- وماذا عني؟
- هذا اختيارك وهذا ما يخصك، وأرجو ألا تظهر بحياتي مرة أخرى.
حاولت شيماء أن تلتزم بالصلاة ولكن دائما تجد ما يعرقلها ويمنعها إما بالنوم أو انقطاع الماء أو التعب الجسدي، وشعورها باختناق دائم، لم تستطع أن تحكي لأحد فالجميع لن يصدقونها، ولكن شعرت بالراحة تجاه هبه، وكلما حاولت التحدث إلى هبه حدثت أشياء تفرق بينهم، لم تجد سوى الله وحده من سيعينها على أمرها، بدأت في الدعاء وكان الدعاء هو المفتاح المفقود لفتح أبواب النجاة لها، وجدت بكثرة الدعاء تبدل حالها والجميع حولها يسعدونها وهبه تتقرب لها وتساعدها على الصلاة وقراءة القرآن، علمت شيماء أن الإنسان لا حول له ولا قوة في البعد عن الله.
في العام الدراسي الثاني وقد تحجبت شيماء جاء إلى الكلية طالب جديد اسمه نسيم، حاولت شيماء أن تسأله اسمه بالكامل فقال لها: أنا نسيم الرعد......
You must be logged in to post a comment.