قصص حياتي الواقعية 2

هناك ذكريات لا يمكن للذاكرة إلا أن تحفظها فنسيانها محال، و حتى إن كانت مؤلمة فلا سبيل لنا لنسيانها، و هناك أشخاص مروا بحياتنا  لا نستطيع أن نعاتبهم و لا أن نلومهم حتى و لو خدعونا و باعونا بأرخص ثمن.

كانت تلك صديقتي منذ الطفولة و كنا كأختين و لا نفترق إلا قليلا جدا. أتذكر أنني جئت من قريتي الصغيرة الى المدينة و عمري لا يتجاوز التسع سنوات ، فالتحقت بالمدرسة الإبتدائية و كان مستواي هو الثالث ابتدائي، في البداية لاحظت أن زميلات الدراسة يسخرن مني و من ملابسي و أحذيتي، و كنت أحس بالخجل لأنني اعتدت حياة هادئة و مدرسة و تلاميذا هادئين بقريتي.

و في أحد الأيام سخرت مني زميلة لي في القسم وهددتني أن تضربني حين نكون خارج المدرسة. لم يكن بوسعي سوى أن أحس بالخوف و الرغبة بالعودة إلى قريتي، و قريبا من منزلنا رأيت تلك الزميلة تنتظرني حتى تضربني، فتعاركت معها بكل قوة لأنني أحسست بأن كل من في الشارع سيسخر مني إن هي هزمتني، فبدأت أضربها و أركلها حتى سقطت أرضا و جاء رجل من حينا غاضبا يصرخ و يأمرني بالإبتعاد عنها و أن تغادر كل واحدة منا الى منزلها.

هنا أحسست بالفخر و الشجاعة و كأنني قمت بإنجاز عظيم.

و في اليوم الموالي التقينا في القسم فاعتذرت مني و كل يوم تقترب مني حتى ترافقني في الطريق حتى أصبحنا صديقتين لا تفترقان .

ربما كان هذا هو الإنجاز الوحيد الذي حققته ذلك العام ، لأن سخرية الزملاء و المعلم و تحقيرهم لفتاة قروية لم يسمح لي بأن أندمج معهم حتى انتهى العام برسوبي.

المهم أن ما حققته ذلك العام هو كسب صديقة رائعة رغم كل ما حدث.

استمرت صداقتنا لسنوات كثيرة، فكبرنا معا، ورغم خصاماتنا إلا أننا دائما نتصالح كأختين. و كانت عائلاتنا بمثابة عائلة واحدة، وكنا لا نفترق إلا قليلا.

كنت دائما أحس بأن صديقتي تلك مشكلتها الوحيدة هي الرغبة بالزواج و بسرعة، كانت دائما تخبرني بمغامراتها.

كانت إنسانة حساسة و أحيانا كثيرة أشفق عليها و أستمع إليها و لا أخبر أحدا عن أسرارها ، فهي أعز صديقة على قلبي.

و في احدى العطل الصيفية غابت عني صديقتي مدة ليست بالقليلة، و أنا كنت لا أغادر المنزل بسبب ازدياد مولودة جديدة في عائلتنا، و لكثرة الزيارات العائلية.

و صديقتي تلك لم تكلف نفسها المجيء لتزورني و تسأل عن أحوالي، و لا حتى أن تشاركنا فرحة المولودة الجديدة.

و كان أفراد عائلتي يخبرونني بأنهم يلتقون معها خارجا و أمام المنزل و تدعي أنها على عجلة.

و في أحد الأيام كنت واقفة أمام المنزل ليلا فإذا بي أرى صديقتي الغالية ترافق شابا و كأنهما متزوجين، فلم تنظر إلي و لم تسلم علي، و كل ما فعلته هو أنني بقيت أنظر إليها حتى مرت و بدون أن تلتفت حولي.

كم كانت صدمتي قوية، و تساءلت كثيرا: ترى ماذا حدث لصديقتي؟

 و لما سألت إحدى صديقاتي أخبرتني أن صديقتي الغالية تستعد لإقامة عرسها، و استغربت أنه لا علم لي بذلك.

 و في تلك الأيام بعتث اختها الصغيرة بدعوة الحضور الى عرسها، فلما سألت عن السبب الذي جعل صديقتي تتصرف هذا التصرف معي ، أخبروني أنها غاضبة مني لأنني مخطوبة و سأتزوج قريبا و لم أخبرها بذلك.

 ضحكت كثيرا و اختلطت دموعي بضحكتي، و طلبت من صديقتين لي الحضور عندي للمنزل لأنني لا أحتمل أن لا أشارك صديقتي الغالية فرحتها ، فلبت صديقتاي دعوتي و جاءتا عندي يوم زفافها ، و أتذكر جيدا أنني أحرقت يدي ذلك اليوم من وقع الصدمة التي كنت تحت تأثيرها فلم أكن أركز فيما أفعله لأن تفكيري توقف.

 بكيت كثيرا لفراقها كما لم أبكي يوما على أحد، بكيت كثيرا لأن صديقتي الغالية ظنت بي سوءا، و أنها تركتني في فترة كنت في أمس الحاجة إليها، و أن خطبتي و زواجي الذي تحدتث عنه لم يكن سوى أخبارا تناقلتها الألسن و أن الحقيقة لا يعلمها سوى الله وحده.

 صدمت كثيرا لأن صديقتي ظنت بي سوءا بعد عشرة طويلة.

 ففضلت أن أبتعد عنها و أن لا أعاتبها ، فكل حر في نواياه. و لم أتزوج الا بعد مرور تسع سنوات على زواج صديقتي تلك. 

و الغريب جدا في هذه الحكاية أنني دائما أشاهد صديقتي تلك بحلم دائم يتكرر، و لكن تلك مجرد أحلام فالواقع كان أمرا مختلفا جدا...

 

 

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author