قصص حياتي الواقعية

قبل ان أطلق سراح تلك الحكايات التي قيدتها و حبستها لسنوات طوال، سأعترف أنني كنت أدرك كل ما يجري حولي و لكن كانت نقطة ضعفي تتحكم في شخصيتي بقوة، نعم أدرك جيدا أن نقطة ضعفي هي الخوف من جرح مشاعر الآخرين، و لو كنت غير مذنبة، و لكنني أدركت أن ذنبي هو أنني فرطت بحق نفسي حتى كدت أسقط لولا رحمة ربي.

فلا سامح الله كل من أدخل الخوف بقلب نقي و لا سامح الله من أثقل كاهل إنسان بريء بعقد نفسية و صدمات قوية.

تربينا على قيم عالية و أخلاق راقية ، وكانت مرحلة الطفولة من أجمل مراحل حياتي، حيث تغادر من البيت الى المدرسة و من المدرسة الى البيت ، و أحيانا نمضي أوقاتنا في اللعب و المرح مع الأطفال في حينا.

انتهت الطفولة و المراهقة بألف سلام لأننا لم نكن نعاشر أناسا مختلفين عنا.

و لكن بدأت مرحلة الإنفتاح على عالم آخر جديد من بعد الحصول على شهادة الباكلوريا ، فكان من الضروري الإلتحاق بالجامعة لمواصلة الدراسة في مدينة غير مدينتي، و لكن الغريب و المفاجئة أنه جمعتني الصدفة بأختين من نفس مدينتي حتى نعاشر بعضنا لنبدأ مشوارنا الجامعي و الذي جمعنا هو معرفة آبائنا و صداقتهم.

فجأة ٱكتشفت عالما غريبا و أناسا غريبين ، فتلك الأختين كانتا غريبتين جدا عن عالم الأنوثة لأن تصرفاتهما كلها كانت همجية و لا أساس للإحترام في معاملاتهما، و بدأت أدرك أن عالمي الذي جئت منه لا علاقة له بهذا العالم الجديد، و كانت صدمتي كبيرة حين كانتا تقتربان من أشيائي الخاصة بدون إذن ، و لازلت أتذكر أحد المواقف حين كنت بالجامعة و فجأة شاهدت واحدة منهما بلباسي و حينما رأتني بدأت تختبئ وراء الأشجار، فانصرفت حتى لا أخجلها بتصرفها . 

بل حين التقينا في المنزل اخبرتها انه يمكنها ان تلبس لباسي و لا مشكلة و كل هذا فقط حتى لا أخجلها .

فبدأت أكتشف نوعا آخر من البشر يستطيع أن يسرق من أكل الآخرين حتى يشبع نفسه و يسرق نقوذ الآخرين و بتشجيع من والديه.

هنا أدركت أنني لا أستطيع الإنتماء لهذه الأشخاص الحقيرة و لكنني كنت مجبرة على البقاء لأن الدراسة هي الأولى، فما حصل أنه لم أستطع أن أتحمل تصرفات أشخاص حتى في طريقة أكلهم حيوانيون و حتى استحضار اسم الله على الطعام لا يحسبون له حساب فكل همهما هو الأكل و بشراهة.

و أسوأ ما في الأمر أن إحداهما اعترفت بأنها تحسدني على ما عندي ، ولست أدرك على ماذا كانت تحسدني لأن الفرق الذي كان بيننا لم يكن سوى اختلاف في التربية لا غير.

كنت أحب كثيرا دراستي و لكن فجأة حصل شيء لم أستطع أن أفهمه، اصبح تنفسي ثقيلا و أصبحت أخاف من الجامعة ، فكلما حضرت محاضرة لا أستطيع أن أكملها فأخرج مسرعة و كأنني أهرب من شيء ما و لا أعرف ما هو هذا الشيء.

أصبحت الجامعة مكانا يخنقني و يخيفني، فما كان الحل سوى أن أعود إلى عائلتي و بعقدتي و خوفي .

كرهت الجامعة و لم أعد إليها و لكن تلك الشريرتين لازلتا تزورانني في منزلنا و لأن تربيتنا التي تحتم علينا أن نحترم و نسامح و نعفو عن الآخرين كانت أقوى مني ، و لازال مكرهما الذي اكتسباه من وسطهما العائلي يفوح منهما بقوة، و لم أستطع أن أنهي معهما علاقتي إلا بصفعة  و المضحك أن من لقي هذه الصفعة هي أنا حين استقبلت احداهما بمنزلنا لأنها تمر بظروف سيئة ووالدها من رافقها و طلب مني ان تبقى معي لفترة فرحبت بهما، و لكن بمرور يومين فقط بدأت رائحة الحسد تفوح منها حتى انها كادت تصفعني لأنني استقبلتها بمنزلنا الجديد في مدينة جديدة، و في اخر عام كان من الممكن أن أحصل فيه على الإجازة أو لا، لأنني ضيعت سنوات كثيرة من مساري الجامعي بسبب غيرتهما و حسدهما و طبيعتهما التي صدمت بها.. فكان موقفي هذه المرة هو أن تخرج من منزلي و حياتي إلى غير رجعة، و أن هذا التصرف سيكون خاتمة لعلاقتنا.

فضحكت و خرجت فأغلقت الباب وراءها و أنا أحس براحة كبيرة، و لكن لم تمر حتى ساعتين حتى ارسلت لي رسالة هاتفية تقول فيها أنها تنتظرني خارجا حتى ترافقني الى الجامعة. صدمت كثيرا لأنها لم تعر لكلامي أدنى اهتمام فعلمت أن تسامحي و عفوي لم يكن يمثل لهما سوى ضعف في الشخصية، و أجبتها أنه انتهت علاقتنا و أن رقمها و اسمها و تاريخهاو اختها أسوأ ما وقع لي ، فما كان ردها سوى أن أخبرتني برسالة أخرى أنني من أخطأ اختيار الصداقة و انهما اصلا ليستا من مستواي ، فما كان مني سوى أن أغلقت هاتفي لأنني أخاف من إنسانيتي المزعجة التي ربما توصلني مرة أخرى الى الصلح، فاخترت ان انهي علاقتي بذلك العالم الدنيء الذي كان السبب الأول في زرع الخوف بداخلي ، رغم محاولاتهما للصلح و لكنني وعدت نفسي بأنه لا صلح مع تلك البيئة و التربية الناقصة  حتى أدركتا أنهما خرجتا من عالمي نهائيا. و لازلت أتذكر جدي رحمه الله بعد سنوات أنه أخبرني بأنه التقى بإحداهن فسألته عني فأخبرها أنني أعمل بإحدى الشركات بعد اتمامي لدراستي و اجابته بأنها كذلك تعمل ، فأحسست أن أولئك البشر حقودون لدرجة لا تتصور فمهما ابتعدت عنهم و لسنين كثيرة فلا تزال نار الحسد تشتعل بدواخلهم، فلا سامحهم الله و لا عفا عنهم لأن المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه...

 

...يتبع

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author