لحظات طويلة

لحظات طويلة

كانت تقضي عطلة صيفية مع مجموعة من الأصدقاء، أحيانًا ما تشعر أنها في حاجة للابتعاد عن الروتين اليومي والمشاكل والمسئوليات، هي تعشق الطبيعة، تغوص في داخلها في حالة من التأمل لا تمل منها وكأنها تمد روحها بتغذيتها المطلوبة والمنتقصة في وسط زخم الواقع وضوضاء الحياة.

كان يكفيها أن تجلس أمام البحر منذ الصباح تنظر إليه كثيرًا ثم تختار الوقت التي تقرر ان تلقي فيه بنفسها داخله لتستمتع بدفيء المياه وخاصةً وأن أمواجه هادئة عندما تأتي، يأتي معها نسيم هواء البحر، لا يمكنها أن تستمتع إلا إذا تلمست المياه رأسها وشعرها وغطست بوجهها داخل المياه لتشعر بعدها بالهواء البارد يتلمس أذنيها.

تقضي الوقت بعد ذلك تتشبع بهواء البحر، وتستمع لأصدقائها وحكاياتهم خاصةً وهي منصتة جيدة لمشاكل المقربين إليها، يرتاح معها الآخرين ويثقوا في آرائها، شخصيتها تجمع ما بين القوة والضعف، جريئة تتعرف بسهولة على الآخرين، وفي نفس الوقت خائفة تخشى من جرح الآخرين.

تعشق البساطة وتجسدها كنمط حياة، ليس من اهتماماتها آخر صيحات الموضة ولا نوع الهاتف ولا نوع العربية، كل ما تأمله الهدوء في سكنها، وتعمل ما تحب وتهواه، وتمر العطلة هادئة وناعمة تنطلق بها دون تفكير.

 وفي أحد جلساتها مع أصدقائها، أتت مجموعة أخرى ليجلسوا بجانبها هي وأصدقائها وبدأ التعارف، وخلال دقائق بدأ أحد الجالسين من الطرف الآخر لتبادل الحديث، بدايةً بتعريف نفسه قائلًا أسمه أولًا ثم وصلة مطولة من التحدث عن عمله ومنصبه، وأنه عضوًا في المكان الفلاني، وشريكًا لرجل الاعمال العلاني، وصديقًا لأشهر النجوم.

وفي أقل من ثواني وبعد انتهاء هذه الوصلة تحول بالسؤال للجالسين، وطبعًا لمن هم يثيرون اعجابه، وكانت هي وصديقتها، عن الاسم ومكان السكن والعمل، وبدأ بتقييم كل واحدة على حدة، وأي واحدة ينطبق عليها الشروط، وحينما وجدها هي ببساطة حياتها وأسلوبها تعمد فورًا تجاهلها، وسريعًا هي ما شعُرت بذلك.

في أقل من ثواني هي أدركت أنه تم تجاهلها، ولأنها كانت أول مرة تتقابل وجهًا لوجه مع شخصية بهذه النوعية، دخلت في حالة من الصمت وتمني لانتهاء اللقاء الذي استمر للحظات ولكنها كانت طويلة بالنسبة لها، وخاصةَ أنها كانت من الصعب ان تترك صديقتها.

انتهى اللقاء واستمرت الدهشة داخلها وتساؤلات تأتي بعدها الإجابات منها هل يصل هذا النمط من الشخصيات إلى أهدافهم سريعًا؟ الإجابة كانت نعم، هل لديهم من المال والعلاقات لتحقيق أهدافهم ما هو أكثر من الطبيعي؟ الإجابة كانت نعم، هل هذه الشخصيات ناجحة؟ الإجابة كانت نعم، وفي لحظة شعرت أنه بالرغم من هذه الإجابات أنها لا تتمنى حتى أن تكون قريبة من هذا النمط في الحياة.

توقفت للحظة وابتسمت وقالت سبحان الله العلي العظيم، أن يخلق هذه الأنماط المختلفة من الشخصيات المتناقضة، فهناك أكثر ما يسعده وقتًا يقضيه أمام البحر مع شخص محب له بصدق ويشعره بالسعادة، وآخر قمة السعادة له في حضور دعوة عشاء مع أصحاب المقامات الرفيعة، وتحقيق الصفقات حتى في العلاقات.

والسؤال لك الآن أيها القارئ لو رجعت بك ساعة الزمن للوراء كنت ترى نفسك في أي نمط شخصية هذا أم تلك؟

يجب أن تختار، فهذه الشخصيات في الواقع لا تجتمع، وكلاهما لا يرغب في الآخر، لا يتلاقوا في أي شيء، وكلاهما يرى الآخر أنه ليس من عالمه، وإذا تقابلوا يكون لقاء للحظات ولكنها تمثل لهم لحظات طويلة......

رهام ابراهيم

 

    

  

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author