يتراءى لي ما بين الحين والآخر حالات من السكون المريب، أقف فيها عند ذاك الحائل ملقيًا نظرةً تفحصيّةً تتأرجح ما بين الوجود والفناء، ولكنّي أهشُّ هذا الخاطر كلما لاحَ في ذهني كما يهشُّ المرء الذباب، ففي النهاية لا أحد يود أن يجرب سبعين نوعًا من الموت على الأقل، انظر إلى هذا المرتع الكروي الساذج (أعني الكون) هل سبق لك وأن تلمّست ماهيته؟ يظهر لي أنه معضلة كبرى، وأعني معضلة من حيث غرابته. أليس من العَجَب حقًا أن تتعد وجهات النظر حوله؟ لا أتحدث عن ما هو صحيح أو ما هو خاطئ بشأنها، لا أتحدث عن هذا، إنما لماذا تتعدد في الأساس؟ ليس من الصواب أن نصيب جميعنا، فحتمًا نحن نسير في نفس الاتجاه، نتجه إليه سطرًا بعد سطر، وكلّ منا يحمل في أعماقه معتقده ويدافع بحرارة عنه، يدلل ويبرهن عليه إلى أن يغادر هذا الكون ثم تأتي الأنماط المتكررة منذ بدء التاريخ لتتابع النهج! أعي أن على المرء أن يؤمن.. أن يعتقد..، أظن أن هذا هو الدرب الأوحد للإطاقة، ولكن ماذا عن تعدد الوجهات؟
أنت مثلًا تعتقد أن معتقدك صوابٌ لا يحتمل الخطأ وبطبيعة الحال فإنك لا يمكن أن تطمئن إن لم يكن اعتقادك بهذه الغزارة، ولكن ألا تجعلك حرارة هذا الإيمان تشعر بالأسى على من يحملُ غيره؟ ومن يحمل غيره يشعر بالأسى عليك أيضًا، ماذا إذن؟
الآنَ وقد بدأت مشاغبات خاطري عليّ أن أنام، ولأني أعجبُ حقًا كيف يمكن لهذا الكون أن يحمل كل هذه المتناقضات ويضمّها في طيّه عليّ أن أعمل على إخماد أسئلتي الهوجاء التي لطالما سرقت الطمأنينة من مهجع مهجتي، ودفعتني لأقف على يقين المسافات واحتِراز الفواصل وعلى هامش الكون.
وأنا مثلك يا محمود درويش: "يحاصرني واقع لا أجيد قراءته".
رزان رواشدة
You must be logged in to post a comment.