متى يتمنى الإنسان الموت؟
يقول أبو الطيب المتنبي في بيته المشهور:
كفى بكَ داءً أنْ ترى الموتَ شافيا
وحَسْبُ المنايا أنْ يكنَّ أمانيا
وقد صدق الشاعر الكبير، فإن الحالة الأصعب والأقسى التي يواجهها الإنسان هي حين يصل إلى وضع يتمنى فيه الموت والخلاص من الحياة.
ويحدث ذلك لأسباب كثيرة؛ نذكر بعضها في هذه العجالة. منها حين يصاب الإنسان بمرض مزمن ينغص عيشه ويرهقه، ويجعله حبيس ألم ومعاناة دائمة، ويلزمه الفراش، ويمنعه من القيام بواجباته والأعمال التي يحبها، وربما يحرمه من كثير من لذيذ الطعام والشراب، فعند ذلك قد يتمنى هذا الإنسان الموت والخلاص من عذابه المستمر.
كذلك قد يتمنى المرء الموت حين يعيش الفقر المدقع والفاقة، ولا يجد ما يسد رمقه ورمق من يعولهم، ويرى كل الأبواب مغلقة في وجهه، ولا يجد شخصا يتحسس معاناته ويهب لنجدته ببعض المال، فيشعر ساعتها أن الموت هو الحل والخلاص، فيتمناه بشدة غير آسف على حياة ملؤها الضنك والعوز والذل.
وإذا كان في حياة الشخص ثمة مشكلة كبيرة أو مشاكل تحاصره، وتعكر صفو عيشه، وترهقه نفسيا، فلا يرى إلا متكدرا مهموما عابسا مطرق الرأس منكسر الخاطر، وحين تنغلق كل سبل الحل أمام هذا المسكين، فحينئذ قد يتمنى الموت والرحيل عن هذه الحياة تاركا وراءه مشاكله كلها.
وربما تمنى الموت سجين لا يرجو فك أسره في يوم ما، لاسيما إذا كان يتعرض للتعذيب والإهانة والأشغال الشاقة يوميا.
كل هؤلاء وغيرهم ممن يعيشون أحوالا صعبة وقاسية للغاية، قد يتمنون الموت، ولا يتأسفون للرحيل عن الحياة. لكن هل من علاج لهذه الحال؟ هل ثمة طريقة تجعل هؤلاء يصبرون ولا يتمنون الموت؟
أرى أن علاج هذه المشكلة يكمن في الإيمان العميق بالله واليقين القوي بوجوده وأنه مطلع على كل شيء ومهيمن وقادر على كل شيء، وأنه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بمشيئته وعلمه، فالمريض ذو المرض المزمن حين يوقن أن مرضه هذا إنما هو تطهير له من ذنوبه ومزيد ثواب ورفع لدرجاته في الجنة، فإنه سيتمنى أن تطول حياته مع هذا المرض بالرغم من شدته، ليزداد أجرا ودرجة.
وكذلك الفقير حين يوقن أنه كلما زاد فقره وشظف عيشه في الدنيا فإنه سيتنعم أكثر عند ربه في جنان الخلد، وسيقصر وقوفه للحساب أمام ربه، فحينئذ لن يأبه للفقر مهما طال، ولن يتمنى الموت والخلاص. وكذلك المرء الذي تحاصره المشكلات وتجثم على صدره الهموم، والسجين الذي لا يرجو خلاصا من سجنه، فإن علاجهما باليقين العميق بوجود الله تعالى ورقابته وهيمنته، وبأن هذه الدنيا زائلة وإن طالت، وإنه ثمة حياة أخرى خالدة، لا ظلم ولا جور فيها، بل يوفى الصابرون أجرهم فيها بغير حساب.
د. مرتضى شرارة
You must be logged in to post a comment.