من هو رفائيل سانتي؟
رفائيل سانتي، أحد أعلام النهضة الفنية الكلاسيكية، فنان ومهندس معماري، إيطالي الجنسية، ولد في مدينة أوربينو عام 1483، وتوفي في مدينة روما عام 1520، التحق بمدرسة بيرجينو في بيروجيا، واستقى الجمال الحسي والرقة من الفنان الشهير بيرجينو، وقد تمثل في أعماله الأولى روح أستاذه، وهذا ما يبدو ظاهراً في لوحاته (حلم الفارس) و(النعم الثلاث)، ولكنه لم يلبث أن تحول بنظرته الجمالية، من التعبير الحسي إلى السمو بالألوان الصريحة، وهو ما تخلو منها أعمال بيرجينو، التي تميزت بالصلابة، وتناسق توزيع النور والظلال، انتقل رفائيل إلى فلورنسا، وهناك استطاع استيعاب إنجازات عظماء الفن، مثل الفنانين ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، مما أدى إلى رقي لوحاته وتطورها، وفيما بعد دعاه البابا يوليوس الثاني إلى روما، وعمل فيها للكرسي الرسولي، فقام بتزيين غرفة الإمضاء وصالة السائسين وأروقة قصر الفاتيكان بأعماله الفنية.
مدرسة أثينا
تعتبر لوحة (مدرسة أثينا) من أشهر لوحات رفائيل، وهي عبارة عن لوحة جدارية جصية، تجسد الروح الكلاسيكية التي رافقت عصر النهضة الأوروبية، تجمع بين الرمزية التي تدفع المتلقي إلى التفسير والتأويل وبين العمارة الهندسية، وتظهر اللوحة النزاع المركزي بين المثالية والمادية، وقد رسم رفائيل هذه اللوحة بناء على طلب من البابا يوليوس الثاني عام 1508، وقد وضع فيها مجموعة خيالية دراماتيكية من الفلاسفة من مختلف العصور، في حشد لم يسبق له مثيل، كل واحد من هذه الشخصيات يمثل موسوعة للمعرفة، وهو في وضعه متفاعل ونشيط يرافقه تفكيره ومنهجه.
فلاسفة اللوحة
- أفلاطون: وهو من أعظم فلاسفة الإغريق، اسمه الحقيقي هو أرسطوكليس، وهو سليل أسرة أرستقراطية في أثينا، وعالم عظيم في اكتشاف ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)، يظهر أفلاطون في منتصف اللوحة، وهو يرفع يده اليمنى إلى السماء، دلالة على عناية السماء والروحانية، ويمسك بيده اليسرى نسخة من إحدى كتبه (التيمايوس)، وهو عبارة عن مجموعة من أفكاره وأرآئه، مصوغة في أسلوب حواري، يشترك فيه عدد من الشخصيات، موضوع هذا الحوار هو أصل الكون ونشأته، وجوهر الإنسان وروحه.
- أرسطو: وهو تلميذ أفلاطون، يلقب بالمعلم الأول، وعرف أتباعه باسم (المشائين)، لأنه كان من عادته أن يمشي بين تلامذته وهو يلقي عليهم الدروس، كان أرسطو يهدف إلى الربط بين أفكار أفلاطون في ما وراء الطبيعة وبين العالم المادي، يظهر أرسطو في منتصف اللوحة، بجانب معلمه أفلاطون، وهو يشير بيده اليمنى نحو الأرض، دلالة على الدنيوية، ويحمل في يده اليسرى نسخة من (علم الأخلاق)، الذي يناقش فيها أهداف النشاط البشري، ويوجهه إلى الأفضل لإحراز الفضيلة.
- ديوجونيس: وهو فيلسوف إغريقي، من الفلاسفة الذين اعتقدوا بأن جوهر الفضيلة هو ضبط النفس، وقد تجنب الملذات والمتع الحسية، وتبنى حياة التقشف، فكان يرتدي الملابس الخشنة، ويأكل القليل من الطعام، وينام على الأرض الجرداء، يظهر ديوجونيس في اللوحة متمدداً باسطاً قدميه في أسفل درج السلّم.
- إقليدس: وهو عالم رياضي هندسي إغريقي، من أشهر مؤلفاته (العناصر)، وهي عبارة عن ثلاثة عشر مجلداً في الهندسة المستوية والمجسمة، يظهر إقليدس في مقدمة القسم الأيمن من اللوحة، وهو يرسم المنحنيات الهندسية لتلامذته، ويعلمهم المبادئ الرياضية، ويبدو موضع إقليدس على خط موازٍ للعالم الرياضي فيثاغورس، المتواجد في مقدمة القسم الأيسر من اللوحة.
- زوروستر: وهو فيلسوف وعالم إغريقي، ذاع صيته في الشرق ومنطقة البحر الأبيض، في العصر الإغريقي القديم، كان خبيراً في السحر والتنجيم، وهو يجسد المعرفة المتواجدة خارج العالمين، الروماني واليوناني في العصور الوسطى، يظهر زوروستر في القسم الأيمن من اللوحة، مواجهاً للعالم الجغرافي بتوليمي، حاملاً بيده اليمنى كرة سماوية.
- بتوليمي: وهو عالم قديم، في ميدان الفلك والرياضيات والجغرافيا، كان ممن يعتقدون ويؤمنون بأن الأرض هي مركز الكون، يظهر بتوليمي في القسم الأيمن من اللوحة، من الخلف مقابلاً عالم التنجيم زوروستر، ويبدو حاملاً بيده اليسرى كرة أرضية.
- رفائيل: وهو فنان هذه اللوحة، وهذا يجسد ديدن الفنانين في ذلك العصر، حيث أن تصوير الفنانين أنفسهم كانت عادة دارجة، خاصة في فلورنسا، يظهر رفائيل في القسم الأيمن من اللوحة، دامجاً نفسه بالفنان الإيطالي سودوما، وهو يقع على الجانب الأيسر.
- سودوما: وهو رسام ومصمم إيطالي، اسمه سودوما جيوفاني، عمل مع رفائيل في قبة Stanza della Segnatura، كما شارك في ورشة لافارنوزينا، حيث كان رفائيل يرسم (انتصار غاليتا)، وجود سودوما ملاصقاً لرفائيل في هذه اللوحة، هو تعبير صارخ عن مدى العاطفة الوثيقة التي تربطهما، ويبدو سودوما متعدد الهيئة والألوان، ممّا جعل بعض نقاد الفن يشككون في شخصيتة، فقال بعضهم: إنها صورة بيرجينو معلم رفائيل، وليست صورة سودوما، وكلا الاحتمالين وارد.
- سقراط: وهو فيلسوف إغريقي قديم، كان فقيراً زاهداً، لا يبالي بالثروة والرفاهية، كان يتحمل مصاعب الحياة بصبر وطول أناة، وهو القائل: (أنا أعرف شيئاً واحداً، وهو أني لا أعرف شيئاً)، يظهر سقراط في القسم الأيسر من اللوحة، على مقربة من أفلاطون، وهو يشرح ويحلل ويناقش، لأنه لم يخلف أي مؤلفات مكتوبة، فقد كان من عادته أن ينزل إلى سوق أثينا ويتردد على المجتمعات العامة، ينشد الحكمة في كل من يصادفه، وكانت طريقته في ذلك المحاورة.
- فيثاغورس: وهو فيلسوف وعالم رياضي، عاش مدة في مصر، حيث درس الخرائط السماوية، آمن بأن كل مخلوقات الأرض يمكن الدلالة عليها بالعدد، وأن الأعداد هي عناصر كل الأشياء، وأن العالم كله ليس سوى تناغم وحساب، لذلك اعتبر العدد هو أساس كل شيء، يظهر فيثاغورس في مقدمة القسم الأيسر من اللوحة، وبيده نسخة من تعاليمه ومذهبه الرياضي.
- ابن رشد: وهو فيلسوف مسلم، اسمه أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد، وصفه لورد بايكون بأنه فيلسوف متين متعمق، صحح كثيراً من أخطاء الفكر الإنساني، وأضاف إلى ثمرات العقول ثروة قيمة لا يستغنى عنها بسواها، يظهر ابن رشد في القسم الأيسر من اللوحة، وهو ينظر بشغف إلى نسخة فيثاغورس.
- هيراكوليتس: وهو فيلسوف إغريقي شهير، أحد النبلاء من الطبقة الإرستقراطية، كان يزدري الجنس البشري وعامة الناس، لذا عاش حياته في ممتلكاته الخاصة، بمعزل عن البشر، يظهر هيراكوليتس في مقدمة اللوحة، وهو جالس بوضعية صعبة.
المراجع
- قاموس الرسامين في العالم، جورج مديك، راتب قبيعة، دار الراتب الجامعية، لبنان، 1996.
- مدارس فنون الرسم في العالم، طارق مراد، دار الراتب الجامعية، لبنان، 2002.
You must be logged in to post a comment.