الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من فضل الله عز وجل ونعمته على أمة الحبيب - المصطفى صلى الله عليه وسلم- أن جعل لهم مواسم فيها تزداد الحسنات وترفع الدرجات، و يغفر فيها الكثير من الذنوب والسيئات، ومن هذه المواسم شهر شعبان ورمضان، والعشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة وغيرها..، وفي هذه الأيام نعيش في ظلال شهر شعبان هذا الشهر الذي كان النبي يجتهد فيه بالعبادة ما لا يجتهد في غيره من الشهور؛ فكان عليه أفضل الصلاة والسلام يكثر الصوم في شهر شعبان فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها - قَالَتْ: " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ ". فكان كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم لهذا الشهر لحكمتين عظيمتين.
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ. فقال رسول الله:" ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ".
فالحكمة الأولى أن هذا الشهر شهر يغفل عنه الناش فقد قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كلامه عن هذا الحديث: (أن فيه دلالة على استحباب إحياء وعمارة أوقات الغفلة بالطاعة، وهو محبوب عند الله)، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العِبادةُ في الهرَجِ كالهِجرةِ إليَّ" أي العبادة في وقت الفتن والشهوات، وفي وقت غفلة الناس، أجر العبادة فيها أعظم و أحب إلى الله، وأجرها كأجر الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ويقول ابن الجوزي رحمه الله: اعلم أن أوقات الغفلة قدرها عظيم عند الله فإذا واظب العبد في هذه الأوقات على طاعة الله دل ذلك على حرصه على الخير.
أما الحكمة الثانية من كثرة صوم النبي لشهر شعبان أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله وبين صلى الله عليه أن خير الأعمال في هذا شهر كثرة الصوم، وكما تعلمون أن كل الاعمال بين الله أجرها إلا الصوم فقال الله عز وجل في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا جزي به".
فلا بد أن نغتنم هذه الأوقات بطاعة الله عز وجل وأن نعود أنفسنا من الآن على الصيام والقيام وكثرة الذكر والدعاء، فمن أراد أن يحسن أغتنام شهر رمضان المقبل عليه أن يجتهد بالعبادة من الآن فالاجتهاد في شهر شعبان بالطاعة والعبادة من الأمور المعينة على الاجتهاد في شهر رمضان بالعبادة.
فلا تسوف وقم من الآن واجتهد بعبادة ربك وتب إلى الله توبة نصوحا، فما يدريك لعل يكون اجتهادك بالعبادة في هذا شهر سبب من الأسباب التي تعينك على ترك معصية ما أنت غير قادر على تركها.
You must be logged in to post a comment.