وحيدة قلبي

 

وحيدة قلبي

لقد رزقني الله بثلاث أبناء، ولدين وبنت، وكان حلمي مذ تزوجت أن يهبني الله بنتاً، تزوجت صغيراً في مقتبل العمر وحلمت يقظاً ونائماً بحياة تختلف عن كل حياة؛ حلمت وملأ صدري صوراً تفوق أروع ريشات محترفي الرسم والفن،بدأت بحلم الإنجاب مع زوجتي، تمنيت البنت لما لها تأثير على النفس من الرقة والحنية، وأنها أرق قلباً على والديها

مرت أيام وشهور وتأخر الحمل، بعدها من الله علي بولدٍ وبعده بعام كان أخوه يرى ملامح الحياة، وقررنا_ أنا وزوجتي_ تحديد النسل، وتأجل الحلم أربع سنوات، حتى حملت زوجتي مرة أخرى، وكما الطبيعي ذهبنا لطبيبة لمتابعة الحمل، حتى جاءت مرحلة_السونار_ ومعرفة نوع الجنين؛ لتكون المفاجاة الكبرى وملامح موت الحلم، السونار بنسبة 90% حدد نوع الجنين ولداً، شكرنا الله على نعمه، وأُغلقت صفحة الحلم

جاءت لحظات الولادة، كانت صعبة ومؤلمة للغاية، ظلت زوجتي في حالة وضع لمدة يومين، حتى قررت الطبيبة إجراء عملية قيصرية فوراً لخطورة الحالة على الأم والجنين، وعلى الفور كان المشفى مقر تجمعنا، دخلت زوجتى غرفة العمليات وإنتظرت أنا بالممر، وقلبي متعلقاً بالدعاء لله

خرجت الطبيبة وعلى وجهها إبتسامة عريضة_تجمع مابين السعادة والخجل_ تحمل بين يداها لفافة_ بطانية_ وداخلها الجنين، تقذفه برحمة وحنية في الهواء، تسرع الخطوة نحوي، بينما أهرول تجاهها في دهشة وفرح، حتى التقينا، أودعت الجنين بحضني وقالت: مبروك بنت زي القمر، رفعت عيني محملة بكل علامات الإستفهام، وقبل أن يتحرك لساني قالت الطبيبة: والله بنت

لم اعرف كلمات تصف حالتي ولا مشاعري تللك اللحظة، غير أن قلبي شعر بدفءٍ لم أعهده من قبل،حملتها ورغم ثقل خطواتي أعدو على الغرفة، نسيت كل التساؤلات وفقط حمدت الله

لم تكن تلك اللحظة هى ميلاد وحيدة قلبي، بل كانت لحظة ميلادي من جديد، بعد معاناة مع الحياة، وصراع التكوين. الشخصي والإنساني، بعد مشقة العمل والنجاح والفشل، لحظة بدء النضوج وإستعادة بريقاً من الأمل، لم أرسم لها حياة ولم أحلم لها، بل عاهدت الله أن أجتهد في تربيتها لتحيا حياتها كما تحب وتسعد

سعيت بكل جوارحي لتكن طفولتها لا مثيل لها، من حب وحنان وسعادة، لم أرفض لها طلباً قط، لم أتركها يوماً في حاجة لي دون طلب، كنت أمرض معها، أشاركها اللآم تعايشنا سوياً مراحل الفطام، سقوط الأسنان، تعلم الحروف، أولى شخبطات القلم، كنت أتنقل معها في مراحل التعليم المختلفة،كنت أقرأ لها القصص والأشعار، نتشارك الموسيقي، ورغم ذلك لم تجيد كتابة موضوعات التعبير، كنت أقو لها: أنك ستصبحين صحافيةيوماً ما، كنا نختلف كثيراً لم أعاتبها يوماً، ولكنها دوماً ما تجد صدري ملجأ في شدتها او في خلافها مع أفراد الأسرة، كانت تعتمد عليّ في كل تفصيلة تخص حياتها دون أن تدرك ذلك، كانت هذه النقطة سبب خوف شديد داخلي وتساؤل دائم؛ هل سأستطيع أن أكن دائماً عند حسن ظنها بيّ؟ أم للزمن رأياً آخر

كبرت ودخلت إعلام قسم صحافة، وتحققت نبوءتي بالتزامن مع فقدان عملي في هذه المهنة الشاقة وأصبحت مابين تاريخ صحافي طويل وواقع فارغ مهين، ساعدتها بكل قوة حتى تخرجت بتقدير إمتياذ مع مرتبة الشرف، ومن هنا بدأت المعناة واللآم

كنا نحلم سوياً بأنها ستصبح معيدة بالكلية وستعمل بسهولة في المجال لما يملكه والدها من تاريخ وعلاقات، ولكن كان للزمن كلمته وحكمه عليّ بالإحساس بالعجز وخيبة الأمل بعد تخلي المعارف وأصدقاء المهنة عني بحكم تركي للمهنة ولم أعد مؤثرا بعد

مابين إحساس العجز والحزن، والخجل من النظر في عينيها؛ كنت أحاول دون معرفتها أن أجد لها مايناسبها حتى إن فشلت لا أصدمها بضعفي وأترك ما تبق لي داخلها، كانت العجز تحرقني ليل نهار، بينما إبتسامتي ودفعي لها بالأمل والإستمرار هو الحال

عملت بالمهنة بمجهودها الشخصي، ترقت حتى وصلت لمسئول عن سبع مواقع صحفية، ورغم مصاعب الحياة وأحزانها التى تكالبت عليّ كنت أسعد الخلق بها، وما كان يؤلم فرحتي إلا إحساسي بالعجز عن تلبية رغابتها واحتياجتها التى عودتها عليها

كانت أصعب لحظات حياتي بل موتي حياً حين شرائها فستان خطوبتها من مالها الخاص، وإكمال ما نقص من جهازها، بعد تدهور حالتي المالية، كنت أذهب معها لشراء متطلباتها وماينقصها، وأنا أنذف الدمع من الداخل في كل خطوة وإحساس الإنهزام والإنكسار يزبحني وكثيراً ما كانت تفضحني ملامحي

كانت لحظات مريرة وصراع لا ينتهي ما بين كرامتي وسعادتها، تحملت الإحساس بالإهانة والعجز في كل خطوة، وكل مشوار لشراء ما تبق، حتى كانت لحظات الوداع، لحظة توقيعي على قسيمة زواجها، ستصبح في مكان وعالم آخر ولن أسمع صوتها وهى تقول: يا بابا، لم أتدخل في اختيارها لشريك حياتها كنت تاركاً لها كل الحرية واثقاً فيها، ولكن ظل هاجس الخوف بداخلي، ظل السؤال دائماً هل يرعاها ويحبها كما راعيتها وأحببتها، لكني أعرف أنها سنة الحياة وأنها ستحياها كما أختراتها، ودعوت لها بالسعادة دوماً، ولكني أغفلت شيئاً واحداً لم أنجح في تعليمها إياه ألا وهو أن تسأل عني أو لعلها مشاغل الحياة.  

 

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments
Aya albeer - أكتوبر ١٩, ٢٠٢٠, ٧:١٦ ص - Add Reply

رائعة ومؤلمة 😭

You must be logged in to post a comment.
وحيد مختار - أكتوبر ١٩, ٢٠٢٠, ٧:٠٣ م - Add Reply

أشكرك وسعيد جدا بإعجابك بما كتبت

You must be logged in to post a comment.
Suzan Ahmad - أكتوبر ١٩, ٢٠٢٠, ٧:٤٧ ص - Add Reply

😢

You must be logged in to post a comment.
وحيد مختار - أكتوبر ١٩, ٢٠٢٠, ٧:٠٤ م - Add Reply

تحياتي

You must be logged in to post a comment.

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author

صحفي عمل بجريدة القبس والوطن الكويتية كما عمل في الشرق القطرية ثم مجلة اوسكار الكويتية، قام بالإشراف وتأسيس الأعداد االأولي من جريدة الأنباء الدولية المصرية، قام بالإشراف والتأسيس لمجلة المشاهير المصرية، أنشأ ورأس مجلس إدارة وتحرير جريدة أهل القمة المصرية.