أشياء
اسمي كما ينادونني أهلي به " فَطمة " ،وأنا مؤمنة أن اﻷسماءَ تعكسُ حقيقة أصحابها،عمي هو من أصر على تسميتي فاطمة .
اليوم الجمعة صحوتُ مبكراً كعادتي .. تقول الأرصاد الجوية أن السماء ستهدي اﻷرض والإنسان المطر ، لكن البرد يتسللُ من خلال الشبابيك الى طرف سريري الخشبي، زوجي ما زال نائماً .. ﻻ أطفال لدينا .. شعرتُ أني بحاجة الى "دوش " حمام دافيء ولو كان في هذا الصباح البارد ؛ فتحتُ جوالي على بعض المواقع الإخبارية، وعلمت أن مجلس النواب صادق على الموازنة العامة لعام ٢٠٢٠م بعد مارثون طويل وممل من المناقشات والصراخ والتنابز، ورداءة اللغة، وأن الحكومة وعلى لسان وزير المالية قد شملت بعض السلع الهامشية من الإعفاء الضريبي ، حزنت حزناً كبيراً لكل هذه المسرحية ،أنتهيتُ من الحمام ،وقفتُ أمام المرآة، صحيح أني أُدرك إدراكاً جازماً أنني لستُ جميلة ، ولكن في نفس الوقت لست ُدميمة أو قبيحة ، وضعتُ قليلاً من أحمر الشفاه ،رسمتُ أطرافَ عيوني بقلم كحلةٍ أسود ،تعطرتُ بعطري المفضل ،ارتديت ملابسي - كنتُ أرغب بالخروج وحيدةً الى قاع المدينة ،- -جلباب تركي، إشارب مناسب للون الجلباب ، حقيبة يد ماركة أجنبية حمراء اللون، حذاء جديد، شربتُ فنجان قهوتي السادة " يقال أن المرأة التي تعشق القهوة السادة هي امرأة مُنظّمة وجادة وعفوية وصادقة، لكنها مظلومة وحظها متعثر... نعم أنا صادقة، وهل تكذب النساء ، الكذبُ فقط ملحُ الرجال .
شيءٌ ما يدفعني في هذا الصباح أن استمع لأم كلثوم وهي تغني "رَق الحبيب " .
عدتُ مرةً أخرى ﻷقف أمام المرآة .. لماذا تذكرتُ وﻻدّة بنت المستكفي ، وبدلَ أن أتابع أم كلثوم، ﻻ إراديا أخذتُ أردد ما قالته وَﻻدّة ..
أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وأمكن عاشقي من صحن خدي وأعطي قبلتي ..
لم أستطع اكمال البيت ..
ملعونةٌ أنتِ أيتها الشاعرة .
يا لجرأتك الوقحة، القُبلة -تحسست خدي اﻷيمن - كهرباء الروح، أتذكر ما قاله لي رجلٌ ذات مساء حزين، في زمان موحش " أنتِ قِبلتي وقُبلتي ، ولكنه إختفى، ولم أكن قُبلته وﻻ قِبلته .
وكفعل قهري لم أتمكن التخلص من هذين البيتين طوال نهاري .
بعضُ النساء وجوههن ﻻ تشبه أي شيء في هذا الوجود، ما زلتُ أحدقُ في مرآة الروح، أحياناً وأنا أمشي في الشارع أشاهدُ أناساً رجالاً ونساءً يشبهونني ، وعندما زرتُ حديقة الحيوانات وكنتُ طفلة ، تأملتُ بعضها رأيتُ أن الزرافة تشبهني .. ناديت ماما وقلتُ لها هذا الحيوان يشبهني، ضحكتْ أمي ولم تتكلم، بعضُ الطيور تُشبهنا .. بعضُ الورود حين نحدق بها كأنها نحن، في ذات يوم شعرتُ أن عين القط الذي في بيتنا تُشبه عيوني، لكنني لم أُخبر أمي وﻻ زوجي ، كنت قد قرأت شيئاً عن تناسخ اﻷرواح،
صحيح أنني لست جميلة ، مرة ثانية قلتها في نفسي .. وفجأة نظرتُ الى قدميّ الصغيرتين فقلت : "اﻷنوثة تتجلى في اﻷقدام " ولهذا يعتبرها بعض الفقهاء عورة واجبٌ سترها،
أحسست أنني امرأة مسجونة برقبة رجل ما زال نائما ، ورائحة الدخان تفوح من فمه .. إنه رجل ﻻ يحب الحياة . .. قلتُ في نفسي .. المرأة ليست جسداً ، وعلى كل رجلٍ أن يدرك هذه الحقيقة، في كلِ إمرأة سر ، ويجب على كل رجل أن يبحث عن هذا السر، أن يكتشفه .. إنه متمركز في روحها، في سُرتها، من منكم أيها الرجال يفهم روحَ المرأة .. كما نفخ الله في آدم فقد نفخ في فرج مريم، وحدها المرأةُ قادرة على إجابة أسئلة الوجود التي ما زالت تتدلى، كنتُ منسجمةً مع أفكاري، سمعتُ صوتاً من بعيد .. " وينك يا مَرة ... وين الشاي، وين الفطور، وين علبة السجاير والقداحة " تجمدتُ أمام المرآة، خلعت ملابسي .. دخلت الى المطبخ مسرعة وانحدرت دمعةٌ ساخنةٌ على خدي.
You must be logged in to post a comment.