Harmony/تناغم

"الجماهير الغفيرة تملأ الساحة علي مد البصر, ودَوِيَّ التصفيق و صفير الاعجاب يسمع علي بعد اميال, هذا ما كنت استحقه  طوال...."

استيقظ "ادم" في غرفته المظلمة كالعادة, تملؤه الحسرة و خيبة الامل, حاول ان ينام مرة اخري املا ان يستكمل حلمه المثالي, و لكن دون جدوي....

يوم الخميس,7/2/2019 , الساعة التاسعة مساءا:

- كيف حدث كل هذا بهذه السرعة؟!! كيف له ان يطردني بلا سبب؟!! بعد كل ما بذلته من جهد!! يطردني بهذه السهولة!! من المؤكد ان تلك الفتاة سوف تحل محلي, فهو يحاول ان يجذبها اليه بشتي الطرق.

 كاد "ادم" ان يفقد عقله بعد ما طرد من دار الاوبرا, فبعد ان فقد عمله ومصدر رزقه الوحيد, تحطمت احلامه المحطة بالفعل, تذكر انه قام مؤخرا بنشر بعض من مقطوعاته الموسيقية علي منصة "يوتيوب", ولكنها لم تنجح بشكل كافي.

بينما كان "ادم" غارقا في افكاره, قاطعه اتصال من اخيه الاكبر "ظافر", ولشدة انشغاله لم يرد, لكن تكرر الاتصال مرة اخري

- لماذا يلح هكذا؟ ماذا يريد؟

كان من الطبيعي ان يتعجب, فلم يكن هو واخيه علي اتصال منذ عدة سنوات, ارسل "ظافر" رسالة نصية كتب فيها:

- " "ادم",أنقذني ارجوكَ, ارسلت اليك عنوان الشركة, تعالي بأسرع ما يمكن ولا تتصل بالشرطة!!".

ركب "ادم" سيارته و انطلق مسرعا و هو يفكر في سبب كل هذا!!, لطالما كان "ظافر" هو الابن الأكبر العاقل محل الثقة, لديه حلول لكل المشاكل ولا يحتاج مساعدة احد, كما انه عالم يعمل في شركة عالمية شديدة الحراسة, هل هي عملية اختطاف او سطو مسلح؟ هل يخبر الشرطة علي الرغم من تحذير اخوه؟ ماذا يفعل؟ من يمكنه المساعدة؟

ارسل "ظافر" رسالة اخري :

- "هذا هو موقع جَراج المبني, انتظرني هناك".

وصل "ادم" لمقر الشركة, فوجد "ظافر" يختبئ بين السيارات ومعه حقيبة سوداء صغيرة طبع عليها رمز الشركة, ركب "ظافر" داخل السيارة و اختبئ فيها, وانطلق "ادم" هروبا من بعض افراد الامن المسلحين بعد ان كسرت احدي المرايا الجانبية للسيارة بفعل طلقاتهم المتتالية.

قال "ظافر" و هو يلتقط انفاسه:

- اذهب الي بيت العائلة القديم, فلا احد يعلم مكانه, كما اننا سنبقي في السرداب و بالتالي لن يشك احد في وجودنا هناك.

 كان "ادم" في حالة من الصدمة و لم يستوعب ايا مما يحدث حتي الان, فانطلق الي بيتهم القديم دون نقاش.

بعد ان وصلا الي البيت القديم واختبئا في السرداب, تأكد "ادم" من ان اخيه كان يخطط لهذا الأمر منذ فترة, فقد كان يظن ان البيت مجرد مبني مهجور تسكنه اشباح العائلة فقط, الا ان المكان كان مجهز بالكامل للمعيشة, حتي ان السرداب كان مريحا و اكثر تنظيما من منزله الخاص!!, لاحظ "ظافر" ملامح الدهشة علي وجه اخيه فقال:

- اطمئن, لقد قمت بتجهيز المكان للسكن, و احضرت اوراقي الخاصة بالسفر, بالاضافة الي كمية اكثر من كافية من الطعام و الشراب و مبلغ كافي من المال.

تبدلت ملامح الدهشة علي وجه "ادم" الي ملامح شك وريبة, فسأل اخيه قائلا:

- اريد ان اعرف حقيقة ما يحدث حتي الان, لماذا تهرب من الشركة الأحلام التي عملت لصالحها لسنوات؟, ولماذا لم تخبرني انك خططت لكل هذا؟!!

اجابه "ظافر" قائلا:

- سأخبرك بكل شئ, منذ 3 اعوام تم اختياري من ضمن الفريق العلمي المشرف علي اختراع جهاز يعمل بالموجات فوق سمعية لزيادة موجات  الفا  و  ثيتا  في المخ, كما يعمل علي تحفيز الجسم لافراز الهرمون المسؤل عن شلل الجسم اثناء النوم كي لا يتفاعل مع احداث الأحلام و... "

قاطعه "ادم"  قائلا:

- هل تعلم اني رسبت في مادة الأحياء في الصف الأول الثانوي؟

فرد عليه:

- حسنا, ولكنك تحب الموسيقي, و تعلم تأثيرها المهدئ علي النفس والمشاعر, لذا يمكنك القول ان هذا الجهاز يصدر اجمل الالحان واكثرها جاذبية في العالم لدرجة انك لا تستطيع التوقف عن سماعه.

كان لهذه الجملة وقع مختلف, و إغراء لا يقاوم لأي موسيقار في العالم, فعلي الرغم من ايمان "ادم" التام بموهبته, الا انه فتن بقدرات هذا الجهاز السحري.

اكمل "ظافر" حديثه قائلا:

- و من الطبيعي عدم اخبارك بأي من هذا, فهي امور معقدة لا شأن لك بها, الا ان الخطة لم تتم بالشكل الصحيح, و لم استطع التخفي بشكل كافي اثناء تهريب الجهاز, فأدركني افراد الامن, ولم بخطر ببالي اي شخص بعيد عن الشركة و يمكن الوثوق به غيرك انت

- و لماذا لم تكمل عملك هذا بسلام؟؟ لماذا قمت بسرقته من الاساس؟!!

اجابه "ظافر" :

- كان من المفترض استخدام الجهاز لتهدئة نوبات الصرع و حالات الهياج الشديدة عند المرضي النفسيين و مساعدة مرضي فرط (ADHD) الحركة وتشتت الانتباه

لكن الهدف الحقيقي منذ البداية هو تطويره واستخدامه كسلاح وبيعه لمجموعة من الحكومات الأجنبية, وانا لن اسمح بتسليح ايا من مشاريعي, خصوصا اذا كان بهذه الخطورة.

- ماذا سنفعل الأن؟

- غدا في الصباح سأسافر لأقابل احد اصدقائي في روسيا لنناقش الأمر, فهو رئيس احد اشهر المعاهد المتخصصة في دراسة الموجات الصوتية, اما انت فستبقي هنا في السرداب ومعك الجهاز, فمن الصعب السفر به.

يوم الجمعة,8/2/2019 , الساعة الثامنة صباحا:

بعد رحيل "ظافر", ما كان من "ادم" الا ان فتح حقيبة الجهاز , فوجد جهاز في حجم الفرن الكهربي, يحتوي علي مؤشر لقدرة الجهاز و زرللبدء و مؤقت, و معه سماعات صغيرة للأذن, و كتيب به شرح طريقة تركيب الجهاز و تأثيره و بعض التعليمات عند استخدامه.

اراد "ادم" تجربة الجهاز, لكنه شعر ببعض الخوف, فقرر قراءة التعليمات فقط, اهمها:

1- يجب ارتداء السماعة للحماية من تأثير الجهاز.

2- يجب عدم التعرض لموجات الجهاز لمدة 3 ساعات بشكل متواصل بأي حال من الأحوال, قد يؤدي هذا الي اضرار بالغة في المخ والجهاز العصبي بشكل عام.

بعد قراءة التعليمات قرر "ادم" تجربة الجهاز لمدة قصيرة, 10 دقائق فقط, فقام بضبط المؤقت و ضبط المؤشر علي اقل قدرة ممكنة,ضغط علي زر البدء, فغمره احساس مفاجئ بالراحة والمتعة والرضي, كأنه استيقظ من حلم جميل, ثم يعود الي حالته المعتادة مرة اخري.

لم يصدق "ادم" ما حدث, فلم يشعر علي الاطلاق بمرور ال10دقائق كاملة, كما انه لم يشعر هكذا شعور منذ الطفولة, وعندما استخدم سماعة الحماية, لم يشعر بأي شئ, كأن الجهاز لا يعمل.

بعد عدة تجارب امنة وناجحة للجهاز, قرر "ادم"  ان هذه هي الفرصة التي كان ينتظرها طوال حياته, و يجب استغلالها, فهذا الجهاز يستحق جمهور يستمتع به.

انطلق الي منزله ومعه الجهاز في السيارة - دون ان يخبر اخاه - واحضر بعض المعدات الموسيقية و الة ال"كمان" الخاصة به, وقام بتسجيل مقطوعة موسيقية اثناء تشغيل جهاز الموجات في نفس الوقت!!

قام برفع التسجيل علي المنصة, وانتظر ليري اعداد المشاهدات اثناء تسجيله لمجموعة اخري من المقطوعات الموسيقية الشهيرة لزيادة اعداد المشاهدة.

الاعداد تزداد بالألاف!! و بعد بضع ساعات وصل عدد المشاهدات نصف مليون مشاهدة!!

لم يتوقع "ادم" ان يصل الي هذه الاعداد بهذه السرعة, فأكثر الفيديوهات الخاصة به لم تتعدي ال 100 الف مشاهدة!!

يوم الأحد,10/2/2019 , الساعة الرابعة عصرا:

علي مدار 3 ايام, كان "ظافر" يطمأن بشكل يومي علي سلامة "ادم" و سلامة الجهاز, و لم يتوقف "ادم" عن استخدام الجهاز في العزف و التسجيل, حتي انه من كثرة العزف و التدريب قطع وتر من اوتار ال كمان, كادت الزيادة الهيستيرية في اعداد المشاهدات ان تفقده عقله,فكل تسجيلاته ازدادت حتي تسجيلاته القديمة التي لم يستخدم فيها الجهاز, اما التسجيلات المستخدم فيها الجهاز وصلت الي عدة ملايين, كما ان احدث تسجيلاته متربع علي قمة الفيديوهات الرائجة علي المنصة, لقد وصل اخيرا الي طريق المجد.

بعد فترة من الاستخدام, لاحظ "ادم" ان التسجيل الأكثر مشاهدة هو التسجيل الذي رفع فيه قدرة الجهاز اكثر من المعتاد, فظل يرفع من قدرة الجهاز اكثر في كل تسجيل.

"الجماهير الغفيرة تملأ الساحة علي مد البصر, ودَوِيَّ التصفيق و صفير الاعجاب يسمع علي بعد اميال, هذا ما كنت استحقه  طوال حياتي, هذا هو قدري, وسأحققه اليوم "

استيقظ "ادم" في السرداب كالعادة, يملؤه الحماس و يغطيه الامل, حاول ان ينام مرة اخري ليرتاح قليلا و لكن دون جدوي.

قرر "ادم" ان يبذل اقصي قدراته هذه المرة, خاصة انه لا يعلم متي يعود اخوه من السفر, فقام بشراء كمان من اجود الأنواع و عاد الي البيت القديم سريعا, و قرر استخدام القدرة القصوي للجهاز, و بمجرد ان ضغط علي زر البدء, حتي شعر بصداع شديد في مقدمة رأسه, و تعرض لنوبة مفاجأة من الرجفة والتشجنات, ثم فقد الوعي.

 استعاد "ادم" وعيه, فاذا به مقيد في الكرسي ويجلس في غرفة فارغة وامامه رجل يبدو عليه ملامح الهيبة والثراء, سأله "ادم" في خوف شديد:

- اين انا؟ و من انت؟ وماذا تريد؟ لماذا انا مقيد هكذا؟

- انا مدير قسم الانتاج والتوزيع في الشركة التي يعمل بيها اخيك, لا تخاف, فانت في امان هنا, الأمر مجرد صفقة بسيطة, وانت ستختار ما تريد

الأول: ان تترك الجهاز معنا, و في هذه الحالة لن تستخدمه مرة اخري.

الثاني: ان تستخدم الجهاز كما تريد, مع نسبة بسيطة من الأرباح نحصل عليها من كل تسجيل, كما انك الشخص الوحيد الذي استخدم الجهاز بقدرته القصوي, لذا ستوقع اتفاقية بأن نختبر عليك الجهاز من فترة الي اخري.

فماذا ستختار؟

بعد تفكير عميق, قرر "ادم" ان يوافق علي مطالبهم, ويوقع الانتفاقية, خاصة بعد ان علم حقيقة الامر, فمع كل هذا التخطيط شعر انه اضعف من الدخول في مواجهة معهم.

لم يكن "ادم" يعلم انه قام بتنفيذ الخطة بنجاح مبهر, فبعد انتهاء فريق العلماء من تركيب الجهاز, كان من المفترض البدء في مرحلة التجارب علي الحيوانات ثم التجارب العملية علي البشر, وهنا خطرت الفكرة ببال رئيس القسم العلمي, فهو يعلم ان احد العلماء في الفريق لديه اخ عازف ينشر محتوي علي اليوتيوب باستمرار. تم اقناع "ظافر" بأن هذا الأمر لصالح اخيه, ولصالح الشركة, و تم تجهيز البيت القديم بالكاميرات لمراقبة استخدامه للجهاز, و عندما قام "ادم" باستخدام الدرة القصوي للجهاز وفقد وعيه, قام احد المراقبين بابلاغ اخيه ليذهب وبنقذه, فهو لم يسافر وكان يراقبه طوال الوقت, و قد تمت الخطة بنجاح و تم توفير ملايين الدولارات.

بعد فترة من الاستخدام والتجربة, اثبت ان الجهاز يسبب الادمان مع استمرار الاستماع اليه, و "ادم" كان اكثر المستمعين اليه ويتم تجربته عليه بشكل مباشر, وبالتالي كان اشد الناس ادمانا لموجات الجهاز, حتي انه بعد بضعة اشهر لم يعد يطيق سماع اي لحن, واصبح يسمع الحانه طوال اليوم في مخيلته, حتي تم ايداعه في مصحة نفسية, ولكن دون اي تحسن, بل ازداد الأمر سوءا فلم يستطيع النوم لبضعة ايام, حتي اخذ يضرب رأسه في الحائط حتي مات بسكتة دماغية, اما عموم الناس فانتشرت فيهم اعراض مرضية بسرعة كبيرة,  لكن سرعان ما تداركت الشركة هذا الأمر وانتجت دواء بالشراكة مع شركات اخري تابعة لها. 

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

----النهاية----

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author