من هم أهل الصفة؟
أهل الصفة هم فقراء المهاجرين، من ليس لهم أهل ولا مكان، فقد كان من المهاجرين الذين صحبوا رسول الله ﷺ في هجرته من مكة إلى المدينة طائفة، لم يحملوا من ديارهم ما يقيم أودهم، حيث تركوا بلادهم التي كانوا يعملون فيها، فأصبحوا فقراء يعانون آلام الجوع، ولا يجدون ملبساً ولا مأوى، ولم يستطع إحسان أنصار المدينة أن يقضي على الفاقة التي كانت تغمر الأحياء، وفي أثناء ذلك كان إذا جن الليل يوضع في صحن بيت رسول الله ﷺ وعاء فيه شعير محمص، كان يشترى من مال المسلمين، ليأكل منه الجائعون والمساكين، وكان الذين لا يجدون مأوى يلجؤون إلى الصفة، وهو بنيان مظلل، شبه البهو الواسع الطويل السمك، يقع في الجزء الشمالي من مسجد رسول الله ﷺ، وكان ذا سقف وليس له ما يستر جوانبه، وكان عدد قاطني الصفة يختلف على حسب اختلاف الأوقات والأحوال، فلم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد، بل منهم من كان ينتقل من مكان إلى آخر، فكانوا تارة يقلون وتارة يكثرون، فأحياناً يكونون عشرة أو أقل من ذلك، وأحياناً يكونون عشرين وثلاثين وأكثر، وأحياناً أخرى يكونون ستين وسبعين، وعن جملة عدد أهل الصفة، فقد قيل أنهم كانوا نحو أربعمائة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وكان فقراء المسلمين من أهل الصفة وغيرهم يكتسبون، عندما يكون مجال الاكتساب متاحاً، وأما إذا لم يستطيعوا ذلك، فإنهم يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله، وقد عرف أهل الصفة بـ(ضيوف الإسلام).
إكرام رسول الله ﷺ لأهل الصفة
يقول الحافظ أبو نعيم الأصبهاني عن إكرام رسول الله ﷺ وآله الطيبين الطاهرين لأهل الصفة: "وقد كان من أهل البيت من ولاة الفقراء وأهل الصفة، الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، يجالسانهم استناناً في مجالستهم، ومحبتهم برسول الله ﷺ، إذ أمروا بالصبر على مجالستهم، وإلزام مواظبتهم ومخالطتهم، وكذلك من بعده من أصحابه أكثروا زيارتهم، واختاروا مودتهم ومجالستهم، حسبما انتشر عنهم واشتهر، وأنهم كانوا يرون العيش الهني معهم، والمقام السني في مخالطتهم، والحال الزري في مفارقتهم ومنابذتهم.
أسماء أهل الصفة
أما عن أسماء أهل الصفة، فقد ورد ذكرهم في مصادر عديدة، نذكر منهم: أوس بن أوس الثقفي، حارثة بن النعمان، ثابت بن الضحاك، حبيب بن زيد، حنظلة بن أبي عامر، دكين بن سعيد، البراء بن مالك، خالد بن يزيد، أبو لبابة، أبو هريرة، سعد بن مالك، العرباض بن سارية، مسطح بن أثاثة، عبد الله بن أنيس، فضالة بن عبيد، عكاشة بن محصن، وغيرهم.
أهل الصفة في القرآن الكريم
وجاء ذكر أهل الصفة في القرآن الكريم في عدة مواضع:
- قال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ{273} الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{274}﴾ [البقرة:273،274].
- قال تعالى: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ{52}﴾ [الأنعام:52].
- قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً{28}﴾ [الكهف:28].
- قال تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ{26}﴾ [الشورى:26].
أهل الصفة في الأحاديث الشريفة
كما وجاء أهل الصفة في العديد من الأحاديث الشريفة:
- عن عبد الرحمن بن أبي بكر، أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله ﷺ قال: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس"، أو كما قال: وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبي الله ﷺ بعشرة [متفق عليه].
- عن أبي هريرة، قال: مرّ بي رسول الله ﷺ فقال: "أبا هر؟" فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: "الحق أهل الصفة فادعهم"، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها وأشركهم فيها [أخرجه البخاري].
- عن طلحة بن عمرو، قال: كان الرجل إذا قدم على النبي ﷺ وكان له بالمدينة عريف نزل عليه، وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة، قال: وكنت فيمن نزل الصفة، فوافقت رجلاً وكان يجري علينا من رسول الله ﷺ كل يوم مداً من تمر بين رجلين [أخرجه أحمد].
- عن فضالة بن عبيد، قال: كان رسول الله ﷺ إذا صلى بالناس، يخر رجال من قامتهم في صلاتهم، لما بهم من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة، حتى يقول الأعراب: إن هؤلاء مجانين [أخرجه الترمذي].
- عن أبي هريرة، قال: كان من أهل الصفة سبعون رجلاً ليس لواحد منهم رداء [أخرجه البخاري].
- عن أبي هريرة، قال: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب، فمنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من هو أسفل من ذلك، فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته [أخرجه البخاري].
أهل الصفة في الكتب التراثية
ومن الكتب التراثية التي تناولت موضوع أهل الصفة:
- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني.
- التحفة في الكلام على أهل الصفة، لتقي الدين السبكي.
- تاريخ أهل الصفة، لأبي عبد الرحمن السلمي.
المراجع
- تهذيب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني، إعداد صالح أحمد الشَّامي، المكتب الإسلامي، الأردن، 1998.
- موجز دائرة المعارف الإسلامية، م. ت. هوتسما وآخرون، مركز الشارقة للإبداع الفكري، دولة الإمارات العربية المتحدة، 1998.
You must be logged in to post a comment.