لقد جاءت مصر وبعدها بدأ التاريخ، قد تكون جملة بها بعض المبالغة، ولكن بعد قراءة ذلك المقال سنجد أن الجملة حقيقة إلى حدٍ كبير، هل تعلم أن أشهر معلم سياحي بالولايات المتحدة الأمريكية مصريُ الأصل؟ ولكن كيف حدث هذا؟
قناة السويس
عام 1856م، منح والي مصر (محمد سعيد باشا) المهندس الفرنسي (فرديناند دي ليسبس) حق امتياز حفر قناة السويس وإدارتها من خلال الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، نص العقد أن تكون الإدارة لمدة 99 عامًا، وحين تم طرح أسهم الشركة في الأسواق العالمية، اكتتب الفرنسيون بحوالي 207,111 سهمٍ، أي ما يعادل 51% من إجمالي الأسهم.
عام 1869م، تم افتتاح القناة، كان ذلك في عهد الخديوي (إسماعيل)، وقد أنفق الكثير من الأموال في حفل الافتتاح الذي حضره حُكام وسيدات العالم في ذلك الوقت، منهم الإمبراطورة أوجيني.
كان دور فرنسا بارزًا في كل ما سبق، وكان ذلك يمهد للهدية التذكارية التي عرضتها فرنسا على مصر عام 1869م، لتحتل مدخل القناة المُطل على آسيا.
الهدية
تمثال ضخم لفلاحة مصرية ترتدي ثوبها التقليدي، ترفع يدها اليسرى إلى أعلى؛ لتحمل شُعلة من خلالها "ترسل مصر نورها إلى آسيا"، وهو الشعار الذي أراد إضافته النحات الفرنسي (فريدريك بارتولدي) إلى التمثال.
نالت الفكرة إعجاب الخديوي (إسماعيل) في بداية الأمر، ولكن بعد إدراكه لحجم التمثال، وأنه بحاجة إلى قاعدة ضخمة لتحمله ونفقات أخرى تخص تركيبه، تجاهل الأمر، حيث كان على مشارف أزمة مالية.
بعد رفض الخديو (إسماعيل)، قام (فريدريك) بتعديل فكرته لتناسب الدولة الناشئة التي تحتفل بمرور 100 سنةٍ على تأسيسها، الولايات المتحدة الأمريكية.
جزيرة الحرية
رحبت الولايات المتحدة بالفكرة، وتم الاتفاق على الخطوط الرئيسية للمشروع، فالتمثال يحاكي إحدى الآلهة الإغريقية، ولكنها سيدة حّلت الأغلال عن جسدها بالاستقلال الأمريكي في 4 يوليو 1776م، ولذلك حملت بيدها اليُمنى شعلة الحرية لينال زائروها قبسًا منها.
تم الانتهاء من التمثال ليصل إلى نيويورك في يونيو 1885م، وقد تم شحنه على هيئة 350 قطعةً مفككة في 214 صندوقًا، وقد صمم قاعدة التمثال المعماري الأمريكي (ريتشارد موريس هنت)، وتوفي المهندس الفرنسي (يوجيني لو دوك) قبل أن ينهي التصميم الإنشائي للهيكل المعدني الخاص بالتمثال، وأكمله مواطنه (جوستاف إيفل) والذي صمم بعدها بأشهُر تحفته المعدنية الأشهَر برج إيفل في باريس.
في 28 أكتوبر 1886، تمت أعمال بناء قاعدة التمثال في جزيرة بيدلو، وذلك قبل أن يتغير اسمها إلى جزيرة الحرية، في خليج نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأخيرًا استقرت المنارة في مكانها الأخير، وبذلك انتهينا من حكي قصتها الكاملة، بدايةً من كونها فكرة داعبت عقل مصممها متأثرًا بمنارة روديس، وهي أحد عجائب العالم القديم، إلى منارة تستقبل المهاجرين والسائحين من جميع أنحاء العالم، وتوثق علاقة الصداقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إنه تمثال الحرية!
You must be logged in to post a comment.