"الخاطف كان لطيفا وسمح لنا أن نأكل" تعرّف على متلازمة ستوكهولم

بعد عرض مسلسل لا كاسا دي بابيل الإسباني انتشر مفهوم متلازمة ستوكهولم، وهي عبارة عن حالة نفسية يحدث فيها تعاطف مع الجاني من قبل الضحية، وفيها تتشكل مشاعر إيجابية من الضحية تجاه الجاني، وتعاكس مشاعر الرعب والخوف والازدراء المتوفع صدورها من الضحايا في مواقف مثل هذه.

وبالعادة فإنّ هذه المتلازمة ترتبط مع حالات الاحتجاز وحالات الاختطاف، لكن الأشخاص العاديون أيضًا من الممكن أن يصابون بها كاستجابة لعدة أنواع من الصدمات.

وقبل البدء بالحديث عن تفسيرات العلماء المختلفة لتفسير علماء النفس لهذه المتلازمة، والطرق التي يرون فاعليتها من أجل التعامل مع الضحايا، فسوف نتحدث عن تاريخ اكتشاف هذه المتلازمة.

تاريخ متلازمة ستوكهولم

لم تكن المتلازمة معروفة لدى علماء النفس قبل عام 1974م، لكن هذا السلوك بالتأكيد قد كان قبل ذلك، لكنّه أصبح ملفت للأنظار وخاضع للدراسات بعد حادثة اختطاف شهيرة في دولة السويد، وقد تمت تسمة المتلازمة باسم عاصمة السويد التي وقعت فيها الحادثة.

واسم المتلازمة يرتبط بشكل كبير مع السيدة الأمريكية باتي هيرست، وهي حيدة الصحفي ويليام راندولف هيرست وهي أيضًا وريثة صحيفة كاليفورنيا، وقد كانت السيدة قد تعرضت لحادقة اختطاف مع مجموعة أشخاص آخرين على يد مجموعة يسارية مسلحة كانت قد قامت بعملية سطو على بنك في مدينة ستوكهولم، وكانت المجموعة قد احتجزتهم جميعًا لمدة 6 أيام قامت خلالها بإجراء مفاوضات مع الجهات الرسمية ومع عائلات الضحايا.

والأمر الغريب في تلك الحادثة هو أنّ السيدة هيرست حينها كانت تبلغ من العمر 19 عام وقد تعرضت خلال الحادثة إلى ضرب مبرح أدى لفقدانها للوعي، كما قد تم احتجازها في غرفة مظلمة مع إبقائها مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، وكانت أيضًا قد تلقت عدة تهديدات بالقتل، وقد قام الخاطفون بمساومة عائلتها لتوزيع 70 دولار من المواد الغذائية على كل شخص محتاج يسكن في كاليفورنيا، وهذا الأمر سوف يكلف العائلة مبلغ 400 مليون دولار تقريبا.

وفعلًا، قام والدها بالاقتراض والتبرع بمبلغ مليوني دولار من المواد الغذائية للمحتاجين والفقراء في منطقة باي، لكن هذا الأمر وحده لم يكن كافيًا للإفراج بشكل سريع عن ابنته المخطوفة هيرست، ومن الغريب في الأمر أنّ هيرست أظهرت تعاطفًا مع خاطفيها لدرجة أنها قد تورطت معهم.

وكانت هيرست قد تعاطفت مع خاطفيها بعد أن سمحوا لها بالخروج من أجل تناول الطعام مع العصبة وقاموا حينها بفك عصبة عينيها، وحينها دخلت مع المجموعة بنقاشات سياسية، وتورطت معهم في صنع قنابل خلال فترة احتجازها، وبعد شهرين من انتهاء عملية السطو أعلنت هيرست انضمامها للمجموعة بشكل رسمي، وحينها تم القبض عليها مع أحد أعضاء المجموعة، وبعدها تمت إدانتها بالتورط معهم في سرقة البنك، وحُكم عليها بعد ذلك بالسجن لمدة 35 عام وتم تخفيف الحكم بعدها ليصبح 7 سنوات، وفي النهاية حصلت على عفو رئاسي من قبل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.

وقد تحولت هيرست من فتاة ضحية مختطفة ومحتجزة لدى العصابة إلى فرد يدافع عن مبادئ العصابات والخاطفين، وقد تكرر هذا الحدث مع ضحايا آخرين لكن في أماكن وفي أماكن أخرى مختلفة، وكانت درجات التعاطف تختلف من حكاية لأخرى، لكنها كانت تصل إلى الدفاع عن العصابة والاشتراك معهم في جرائمهم.

وقد شهدت ذات الحادثة تعاطف من قبل محتجزين آخرين، فقد قام الصحفي الأمريكي دانيال لانغ بإجراء مقابلة لمجلة نيويوركر مع الضحايا المخطوفين من أجل رسم صورة كاملة عن كل من الأفراد الخاطفين والأسرى، وكان الرهائن قد تحدثوا عن أنهم قد تلقوا معاملة حسنة من زعيم المجموعة الخاطفة وهو جان إيريك أولسون.

وقد قالت إحدى الموظفات في البنك والتي كانت من ضمن المحتجزين وتعاني من الرهاب من الأماكن المغلقة واسمها إليزابيث أولدغرين أنّها كانت قد تعرضت لحسن المعاملة من قبل أولسون، فقد سمح لها بأن تغادر القبو الذ كانت قد سجنت فيه، على الرم من قيامه بترك الحبل مثبتًا حول رقبتها.

وقد استهوى ذلك السلوك علماء النفس، خاصة من يحاولون تفسير سلوك الضحايا والمخطوفين الذي يتعرضون إلى تهديدات بشكل مرعب، وتحت تأثير الصدمة فقد كانوا يقومون بتفسير أي سلوك بسيط، مثل أن يقدم الخاطفون لهم الطعام، أو أن يسمحون لهم بدخول المرحاض، وكانوا يرون ذلك رحمة من قبل مصدر التهديد لديهم، وبعدها يختبرون شعور جيد تجاه عائلاتهم.

وقد وضع الطبيب النفسي السويدي نيلز بيجيروت المختص في علم الجريمة اسم لهذا السلوك، فقد سماه "متلازمة ستوكهولم".

أعراض متلازمة ستوكهولم

يوجد 3 أعراض رئيسية تميز الشخص المصاب بمتلازمة ستوكهولم، وهذه الأعراض هي:

1. تطوير الضحية مشاعر إيجابية تجاه مَن يحتجزها أو يختطفها أو يعاملها بشكل سيء.

2. تبدأ الضحية بإدراك إنسانية الشخص الذي يحتجزها، وتعتقد الضحية أيضًا أنّ لديها ذات القيم والأهداف.

3. تتطور لدى الضحية أو المحتجز عدة مشاعر سلبية تجاه السلطات أو الشرطة أو أي شخص يحاول القيام بمساعدتها على أن تبتعد عن العصابة، وقد ترفض الضحية التعاون مع أي شخص ضد خاطفيها.

وبالعادة فإنّ هذه المشاعر تنتج بسبب الموقف العاطفي المشحون بشكل كبير والذي يحدث خلال الاعتداء على الضحية، وبعض الضحايا يشعرون بوجود تهديد من قبل أسرهم، ولكن على الرغم من ذلك فهم يعتمدون عليهم بشكل كبير كي يبقوا أحياء، وفي حال قيام الخاطف بإظهار أي لطف أو معاملة حسنة للضحية فحينها تبدأ الضحية بالشعور بعدة مشاعر إيجابية تجاه أسرهم، وفي هذا الموقف فإنّ غريزة البقاء تعتبر جهور ظهور المتلازمة.

وهذه المتلازمة لا ترتبط بالاختطاف أو الأسر فقط، فهي من الممكن أن تنطبق على عدة علاقات أخرى مؤدية، ومنها العلاقات العاطفية التي تتعرض فيها الضحية إلى الإساءة سواء العاطفية أو الجسدية.

وقد ربطت عدة دراسات تم حفظها في أرشيف مكتبة الولايات المتحدة الوطنية للطب بين المتلازمة وبين عدة حوادث حول الإساءة للأطفال، وفي دراسة تم نشرها في عام 2020م وجد الباحثون عدة أدلة تدل على أنّ الأفراد الذين يتعرضون للعنف المنزلي يعانون من متلازمة ستوكهولم.

التعامل مع الأشخاص المصابين بالمتلازمة

لا تزال هذه المتلازمة قيد الدراسة، ومن أجل ذلك فإنّه لا يوجد علاج موحّد وواضح لها، إلّا أنّ العلاج النفسي لحالة اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات القلق والاكتئاب من الممكن أن تساعد المصاب في التخفيف من شعوره المرتبط بالمتلازمة.

كما أنّ العلاج النفسي طويل المدى من الممكن أن يساعد على التعافي، ومن المهم أن تتم مساعدة الشخص المصاب كي يفهم السر في شعوره وكيف قد اكتسبه وكيف بإمكانه أن يتجاوزه، خاصة أنّ متلازمة ستوكهولم ليست تشخيص رسمي من ضمن أمراض الصحة العقلية.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٥٤ ص - Salma karam
يناير ١٧, ٢٠٢٢, ٢:٢٢ ص - Bayan Adel
نوفمبر ١١, ٢٠٢١, ٧:٤٤ ص - Dena Shokry
أكتوبر ٦, ٢٠٢١, ٥:٤٩ ص - Mostafa