الخجل ليس في مصلحة بشر أقدم على الحياة

● بداية وقبل كل شيء، ما هو الخجل؟ وهل هو صفة مرضيّة دائما؟
إذا كنت تشعر بعدم الارتياح عند تواجدك بين الناس وتتهرب من اللقاءات بهم وتتفادى أي اصطدام نقاشي مع أحد منهم، لا تكوّن صداقات جديدة، بل ولا تمتلك حتى صداقة قديمة تستطيع أن تقول أنك قد كونتها بنفسك أنت ولم تُفرض عليك، إذا كنت تجد أن وقوفك لإلقاء كلمة أو محاضرة أو حتى لتعبر عن رأيك في قضية ما أمام جمع من الناس أمر مستعصٍ حقًا ولا يمكن أن يكون مُستطاعٌ لديك، فعليك أن تتوخى الحذر بهذا الشأن، حتى لا تتطور صحتك النفسية للأسوأ.

● الشعور بالخجل هو أحد المشاعر الطبيعية التي يمر بها كل إنسان، ولكن متى تصبح صفة غير طبيعية؟
إن الخجل في حد ذاته أمر شائع وعادي ولا يسبب المشاكل، إلا إذا تطور إلى أمر ذي صلة بما يُعرف (القلق الاجتماعي).
إذا أصبحت صفة الخجل معوقة للسير الطبيعي لحياتك وتؤثر بشكل مباشر على اتخاذ قراراتك وتحركاتك فهذه حتمًا قد خرجت من ضمن الإطار الطبيعي، واتجهت نحو اعتبارها مرض، تقول كلوي فوستر، وهي خبيرة في علم النفس السريري: إن الأشخاص الذين عالجتهم من قبل لجأوا لطلب المساعدة منها لأنهم وجدوا أنفسهم قد بدأوا يتجنبون الكثير من الأشياء التي يتعين عليهم القيام بها.

● يُدرِج علم النفس الخجل المرضي أو ما يسمى بالرهاب الاجتماعي أو الخجل الاجتماعي تحت بند أمراض القلق والتوتر، وحتى مع علمي بأن معاناة مريض الرهاب الاجتماعي ليست بالأمر الهيّن إلا أنه من أخف الأمراض النفسية فتكًا بصاحبها، كما وأنه أكثرها قابلية للشفاء إذا ما قرر حامله التغيير، أتمنى حقًا أن تعي أن قيد الخجل لن يطلق سراحك إن لم تشجّه بيديك.

● كيف تظهر أعراض الخجل على الشخص؟
تختلف أعراض الخجل من شخص إلى آخر وهذا تابع لكونه في الأساس مرض تتفاوت قوة تأثيره على الأفراد، فهناك من يعاني من ظهور أعراض المرض فقط في أماكن التجمع المغلقة أو بين حشد ضخم من الناس وهناك من أوقف سير دراسته وتعليمه ووظيفته بل وحتى لا يفكر بالارتباط ولا يرى نفسه مؤهل لذلك فهو غير قادر على التواجد إلا بين جدران غرفته الخالية من الناس، وبين هذا وذاك مراحل كثيرة.

● هناك نوعين من الأعراض التي يعاني منها المريض:
1) أعراض نفسيّة مثل:
- الشعور بالوحدة
- الشعور بالنقص
- الرغبة بالبكاء
- الاحراج
- الخوف وعدم الأمان
- الخوف من أن يُلاحظ عليه الخجل
- الرغبة الشديدة بالهرب أو الاختفاء
- نقص التركيز أو فقدانه
- التفكير بالانتحار في مراحل متقدمة

2) أعراض جسدية ويمكن أن تظهر على شكل:
- تعرّق
- احمرار في الوجه والعينين
- جفاف الحلق
- الارتجاف
- تحايد الاتصال البصري مع الأشخاص
- التأتأة
- تسارع في دقات القلب
- ضيق التنفس
- غباش في الرؤية
- ارتعاش وضعف الصوت
- الشعور بالدوار وفي مراحل متقدمة قد يفقد المريض الوعي

● حسنًا، على المريض أولًا أن يعرف كل الأسباب التي أدّت به للوصول إلى هنا، وهذا البند بالذات لا يمكن أن يتشابه بين مريضين فكل منهما له حياته الخاصة وكل منهما مر بأحداث وسيناريوهات خاصة تعنيه وحده، وحتى نتفق دعنا نحذف الجانب الوراثي من الموضوع، إذ أنه وإن كان يؤثر بنسبة قليلة جدًا إلا أن هذا الجانب إن لم يلقَ ما يحفّز وجوده فسيندثر وهنا ما أدعوك لفعله بالذات، عليك أن تعرف جميع الأسباب التي حفّزت على وجود المرض عندك.

● إن اضطراب القلق الاجتماعي هو اضطراب ينشأ بالدرجة الأولى بفعل البيئة التي عاش وتأثر بها الإنسان خاصة في مراحل الطفولة فإن ما يتكون في هذه المرحلة يكون له التأثير الأكبر على تكوين الدماغ، وغالبًا ما تبدأ مظاهر المرض تبدو على الفرد المصاب في سن المراهقة، وتزداد تطورًا وتعقيدًا مع مرور الوقت إذا ترك من دون علاج.

●ومن الأسباب الشائعة للمرض:
- قلة وعي الوالدين بكيفية التعامل مع الطفل وبناء نفسية سوية لديه
- عدم سؤاله عن يومه وعن صداقاته الجديدة وعدم الاستماع لما لديه
- عدم حمل الجانب النفسي على محمل الجد فأغلب العائلات تعتبره جانب نظري غير قابل للتطبيق
- استمرار تعرض الطفل للعنف اللفظي أو المعنوي أو الجسدي
- تعرض الطفل للتحرش أو الاعتداء الجنسي
- كثرة الخوف على الطفل وإحاطته بعوامل الحماية من كل الجهات بحيث لا يجد منفذًا للاعتماد على نفسه
- إطلاع الطفل على الخلافات المستمرة بين والديه
- نشوء الطفل في بيئة كان فيها أحد الوالدين يزدري الطرف الآخر ويقلل من شأن دوره وأهميته في العائلة أو المجتمع
- تعرض الطفل للسخرية والتهكم أو الإهانة من قبل أي شخص يجعله أكثر عرضة للإصابة بالمرض خاصة إن لم يشعر أنه قادر على أن يسترد حقه

● من الصعب جدًا أن تُجمع كل الأسباب المؤدية للمرض فكما ذُكر سابقًا أن ذلك يختلف بين الأفراد وكما يختلف السبب تختلف معه درجة الرهاب عند المريض ولكنه مرتبط ارتباطًا مباشرًا بتعرض الشخص المصاب به لإساءة أو أذى سابق، ومن الجدير بالذكر أن الأمراض النفسية جميعها إن لم تُجابَه بجديّة وتحدٍ حقيقي فإن ذلك يعطيها الضوء الأخضر لتتطور وتنهش صاحبها أكثر فأكثر فإن البقاء إما له أو للمرض أما كلاهما معًا فإنه خيار غير قابل للاستمرار وغير قابل للرؤية الحقيقية للحياة، استمرار هذا الخيار يعني استمرار النظرة السوداوية المظلمة إلى كل شيء كما وأن الشعور بالحياة في نفس المصاب متوقف على التخلص من المرض فقط، إن الأمر قابل للتعاظم فقد يصل به إلى:
- الاكتئاب
- تعاطي المخدرات
- اضطرابات في القلب
- الانعزال التام وعدم تكوين أي خيط تواصل مع الغير
- الشعور بالعجز بحيث أن المريض يصبح غير قادر على الاعتماد على نفسه و الاستقلال المادي أو الاجتماعي
- ضعف الإنجاز العلمي و الأكاديمي
- شعور الشخص بأنه غير متأكد من أي رأي أو فكرة تجول في خاطره
- تلف في بعض أنسجة الدماغ
- الانتحار أو محاولات الانتحار

● إذن كيف تستطيع أن تنقذ نفسك؟
إن كل ما ذُكر هنا هو في سبيل العلم لا في سبيل التشاؤم، فكما ذكرت أنه اضطراب قابل للشفاء بدرجة كبيرة، إذن العلاج ممكن ولكن هذا لا يعني أنه سهل، فأول خطوة عليك أن تفعلها هي أن الصبر نعم الصبر، لا تستعجل النتائج.

● يعتمد العلاج على درجة الاضطراب التي يعاني منها المريض ومدى تأثيره على حياته وأنشطته اليومية الطبيعية، يستخدم الطب النفسي نوعين من العلاج لاضطراب القلق الاجتماعي:

○ الأول: العلاج المعرفي السلوكي
ينطلق هذا العلاج من الاعتقاد الجازم بفكرة أن كل السلوكيات والتصرفات قد تصبح مكتسبة لدى الإنسان فهو من دون شك قادر على أن يتعلم ومن ثم يطبّق ويغيّر على نمط معيشته.
إن الأفكار هي التي تكوّن المشاعر والمشاعر تكوّن السلوكات إذن فهي وصلة مترابطة وبما أن التأثير على المشاعر وتغييرها أصعب من التأثير على الأفكار وتغييرها وتغيير السلوك أصعب من كليهما، فسنتوجه بتركيزنا على الركيزة الأولى وهي الأفكار.

أولاً: عليك أن ترجع بتاريخك منذ الطفولة ومرورًا بمرحلة المراهقة مرورًا تفصيليّا ووصولًا إلى ما أنت عليه الآن ثم تحدد كل الأسباب التي تعتقد أنها قد شاركت ولو بدرجة بسيطة في إنبات بذرة المرض فيك (يفضّل أن تكتب ذلك كتابة وتترك مقدارًا فارغًا بعد كل مرحلة كتبتها فلو غاب عن بالك شيء ارجع واكتبه).
ثانيًا: عليك أن تتحدث عن معاناتك، مرضى الرهاب الاجتماعي يتصفون بكونهم كتومين بشكل كبير جدًا وتبدو هذه الخطوة شبه مستحيلة في نظرهم إلا أن عليهم الحديث عن تفاصيل معاناتهم وأسبابها مع شخص يجيد الاستماع، ربما من المستغرب لك إن ذكرتُ الآن أن من المرضى من يتماثل للشفاء عند هذه النقطة بالذات فأحيانًا جل ما يحتاجه مريض الرهاب هو أن يزيل الصخرة القابعة في صدره، جل ما يحتاجه هو الكلام.
بقدر ما يرى المريض أن هذه الخطوة مستحيلة فهي نافعة بالحد ذلك أو أكثر، بالتأكيد رأيت أشخاصًا يتحدثون عن معاناتهم مع هذا النوع من الاضرابات على الملأ وأمام الجميع وفي مواقع التواصل الاجتماعي، هؤلاء وصلوا لمرحلة الشفاء التي تلاشت عندها جميع مشاعر الحرج من وصف معاناتهم أمام أي شخص، أما زلت تقبع في فكرة المستحيل؟
ثالثًا: عليك أن تحدد جميع المشاعر والأفكار والمعتقدات السلبية التي ترافقك وتعمل على تصحيحها، عليك هنا إعادة تشكيل أفكارك من نقطة الصفر وهذه ليست بالخطوة الهيّنة، عليك أن تقضي على كل أنواع الجهل لديك فالجهل يعني المجهول وما من مجهول إلا وارتبط بالخوف.
كفّ عن الحصول على المعرفة بشكل عشوائي، كف عن كونك لست صاحب نهج وفكر واضح، يجب أن تعمل بطريقة منهجيّة منظمة لبناء طريقة التفكير الخاصة بك.

وإليك بعض النصائح العملية المساندة أيضا:
- مارس الرياضة بشكل يومي ومنتظم
- نظّم أوقات نومك واحصل على قسط كافٍ من النوم
- قلل من شرب المنبهات
- ابتعد عن الأشخاص السلبيين
- أغلق الهاتف قبل ساعتين من نومك

○ الثاني: العلاج الدوائي
يوجد العديد من الأدوية الفعالة في هذا الجانب، أحيانًا ما تكون مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ورغم أني لست مع التوجه المباشر للدواء إلا أنها أدوية فعالة وآمنه ويمكن أن تستخدم جنبًا إلى جنب مع العلاج السلوكي منها:
- زولفت ويعد أفضلها
- باكسيل
- زيروكسات
- إيفكسر
- فافرين
وغيرها حيث يبدأ أخذُ هذه الأدوية بجرعة منخفضة ثم يزيدها الطبيب تدريجيًا حسب الحالة، قد يأخذ الأمر أسابيع أو أشهر لظهور أعراض الشفاء وهذا يختلف من شخص لآخر، يفضل أن لا تأخذ أي منها من غير استشارة الطبيب، كما وأن ذكر الجانب الدوائي هنا لا يعني أنك لا تستطيع أن تكتفي بالعلاج السلوكي فهو وإن كان يأخذ وقتا أطول إلا أنه فعال جدًا.
إن بعض المصابين بالرهاب الاجتماعي رغم معرفتهم الجمّة عن الأمر فهم يتأخرون في طلب العلاج إما بسبب فقدانهم الأمل في الشفاء أو خجلهم بفعل الحالة نفسها أوخوفهم من مواجهة المرض والاعتراف بوجوده.

● ليس عليك أن تفقد الأمل أبدًا، ربما من المفاجئ لك إن أخبرتك أن هناك شخصيات تاريخية قيادية معروفة أثرت بشكل مباشر في رسم مسار التاريخ كانت تعاني من هذا الاضطراب مثل (المهاتما غاندي) و(توماس جيفرسون) واحداً من مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية، وفي وقتنا الحالي الكثير ماذا تنتظر لتصبح ناجٍ مثلهم؟

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٥٤ ص - Salma karam
يناير ١٧, ٢٠٢٢, ٢:٢٢ ص - Bayan Adel
نوفمبر ١١, ٢٠٢١, ٧:٤٤ ص - Dena Shokry
أكتوبر ٦, ٢٠٢١, ٥:٤٩ ص - Mostafa
About Author

لا الدنيا أقبلت إليّ ولا الزمانُ أدبر