عند منتصف الليل في ليلة رأس السنه خرجت دينا إلى شرفة شقتها بالطابق الرابع لترى مفرقعات الاحتفال، وكان الجيران والاطفال سعداء وكانت تتمنى في هذه اللحظة ان يعود زوجها من سفره ويكون معها لرؤية ذلك الاحتفال سويا، واثناء رؤيتها للمفرقعات نظرت بالشقة المقابلة ووجهها صادم، فكان شخصا يقوم بوضع رأسه في حبل معلق بالسقف، فصرخت ولم يسمع صوتها احد فصوت المفرقعات كان عاليا والطرق مزدحمة.
كانت دينا شابة في الخامسة والعشرون من عمرها، بشرتها خمرية وعيونها بنية وشعرها ذهبي كالحرير، متوسطة القامة.
خرجت دينا من شقتها مسرعة وهى ترتدى روبا شتويا، وكان المصعد مشغولا فلم تستطع الانتظار ونزلت على السلالم متجها نحو العمارة المقابلة، واخبرت بواب العمارة: ألحق بي فالشخص الذى يقيم بالطابق الرابع يحاول الانتحار، ونهض البواب معها واخبرها الاسانسير معطل فلنصعد بالسلم، ثم قام البواب بكسر باب الشقة ولكن قد فات الاوان فكان صاحب العمارة معلقا بالسقف ولا يتنفس.
فجاءت الشرطة بعد اتصالا هاتفيا محتواه ان هناك شخصا منتحرا بشقته، وكان المحقق يدعى هاني، رجلا يبلغ من العمر الثلاثين، يتميز بالذكاء والخبرة؛ وتم التحقيق عن هوية صاحب العمارة فكان جمال شاهين الشخص الذى ورث سبعة ملايين جنية وتلك العمارة ايضا من اخيه كامل شاهين المتوفى منذ شهر.
وكان جمال شاهين رجلا في الخمسين من عمره، فأدلت دينا بما رأت للشرطة واكد على كلامها البواب، وقرر ضابط الشرطة هاني التحقيق بكل من كان في العمارة، ثم اغلاق القضية على انها انتحار، ولكنه كان متحيرا كيف لرجلا في عمره ان يقدم على الانتحار وفى ذلك التوقيت، فقد ورث ثروة اخيه واحواله المالية تحسنت، وظل السؤال في عقله وبدأ التحقيق.
فكان يسكن بالطابق الثالث السيدة مي زوجة جمال شاهين، التي قرر ان ينفصل عنها وترك لها تلك الشقة كتعويض، وقد جاء اخيها حسن ليلة رأس السنه ليحاول الاصلاح بينهم مادام الطلاق لم يتم رسميا.
سأل المحقق السيدة مي ماذا كانت تفعل عند منتصف الليل، فقالت: انها لا تطيق الاصوات الصاخبة والمفرقعات لذلك قامت بأخذ الحبوب المنومة قبل منتصف الليل.
فسألها المحقق هل زوجها من النوع الذى يقدم على الانتحار؟ لم تتردد في نفى ذلك الكلام، فهو شخص قوى لا يستسلم ولم يعانى من أي مشاكل تدفعه للانتحار، كما انه كان يخطط من اجل مستقبله ويفكر ماذا سيفعل بتلك الاموال التي ورثها، واكملت بصوت حزين وبالرغم من انه اراد التخلص منى بعد تلك السنوات الا انى حقا اشعر بالأسف نحوه.
وكانت مي بالخامسة والاربعين من عمرها، بشرتها بيضاء وعيونها رمادية، وورثت منها ابنتها تلك العيون، وكانت قصيرة القامة.
اما عن حسن اخيها قص ما حدث الى المحقق قبل ان يسأله المحقق عما حدث وقال: تحدثت مع جمال عند العاشرة مساءا، وحاولت الاصلاح بينهم ولكن لم يأتي الجدال بنتيجة، وكان قرار الانفصال نهائي، وتنفيذه بعد ان تشفى ابنته مما حل بها بسبب تلك الحادثة، فعدت الى أختي واخبرتها بما حدث، فأخبرتني انها كانت تشعر بان لا امل، فالأموال قد غيرته، ونظراً لزحمة الطرقات في رأس السنه فقررت العودة الى منزلي غدا، وبعد ان اخذت أختي المنوم وعند منتصف الليل ذهبت لأشاهد المفرقعات من الشرفة المقابلة للاحتفال، وقال انه نظر الى الاسفل فوجد فاتن زوجة حسين تشاهد الاحتفال من شرفتها بالطابق الاول.
وكان حسن الاخ الاصغر الى مي، ويبلغ من العمر الاربعين من عمره، طويل القامة وعيونه رمادية وبشرته بيضاء مائلا للاحمرار، وكان عريضا وبدينا.
اما عن الطابق الثاني فكان لمنال جمال ابنة صاحب الشقة وزوجها محمود، فكانت منال قعيدة الفراش بسبب حادث سيارة منذ اسبوعين، وهى في مرحلة العلاج الان وخرجت امس من المشفى، وقد اخذ محمود اجازة من العمل حتى ينتهى علاج زوجته وتشفى تماما.
عندما علمت منال ذلك الخبر ظلت تبكى وهى غير مصدقة ما حصل، وقالت: ربما تلك الشاهدة كاذبة فلن يقدم والدها ابدا على الانتحار، وانها كانت في الفراش تشعر بصداع فأعطها زوجها حبوب للصداع واقترح ان يحضر لها كوبا من الشاي الساخن، ثم احضر مع الشاي كعك محلى من صنعه، فسألها المحقق عن تلك الحادثة التي اصابتها فقالت :لقد استعرت سيارة ابى لشراء سيارة خاصة بي، وعندما اردت ايقاف السيارة لم تقف ثم اصطدمت بسيارة ولكن الاصابة لم تكن بليغه وظللت بالمشفى حتى امس، وفي الصباح قام ابى بزيارتي للاطمئنان علي، واخبرني انه عندما اُشفى سيأخذني في رحلة الى أي دولة اجنبية من اختياري، لأنه كان يشعر بالذنب مما حدث لي، وعادت في بكاؤها فرحل المحقق في صمت.
متابعة: الشاهدة وخدعة الأنتحار - الفصل الثاني
بقلم: أمنية نبيل
You must be logged in to post a comment.