الفقر مدرسة النبوغ ج2

 

تتمة لمقالتنا السابقة الفقر مدرسة النبوغ ج1 التي نذكر فيها طرفاً من قصص المشاهير ممن كابدوا الفقر وعاينوا الحرمان والبؤس، ولم يثنهم ذلك عن بلوغ مجدهم الشخصي وتحقيق مطامحهم العالية ومن هؤلاء :

 

الوزير المهلّبي

 

كان هذا الوزير قبل ائتلاق نجمه سائحاً في البلاد يسير على غير هدى، لا يجد منامة يضجع جنبه فيها، وبلغت به الشدائد مبلغاً عظيماً حتى أنشد هذين البيتين من الشعر برفقة زميله أبي علي الصوفي :

ألا موت يُباع فأشتريـــه .. فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا رحم المهمين نفس حر .. تصدّق بالوفاة على أخيه

ومرت السنون، وذات يوم رأى أبو علي الصوفي مشهداً لموكب عظيم أحدث جلبة وصخباً، وأقبل يسأل عن صاحبه من يكون، فقالوا له : هذا للوزير المهلبي رجل الدولة، وزير أحمد بن بويه ومستشاره الأول، وبالغوا في تقدير منزلته، فاجتهد أبو علي حتى يصل إليه، وانتظر أن يخلو المجلس من الناس، وأنشد هذين البيتين للوزير :

ألا قل للوزير بلا احتشـــام .. مقال مذكِّر ما قد نسيه

أتذكُر إذ تقول لضيق عيش .. ألا موت يُباع فأشتريه

 

تشارلز ديكنز

 

يعده بعض نقاد الأدب أعظم روائي انجليزي في العصر الفيكتوري، مؤلف (قصة مدينتين) و(أوقات عصيبة) و(آمال كبيرة) و(أوليفر تويست) وغيرها من الروائع. وُلد تشارلز ديكنز - كحال من ذكرناهم سابقاً - في أسرة فقيرة، وكان أبوه يصحبه معه في عمله الكادّ المنهك، وفي طريق عودتهما إلى المنزل ينظر الطفل مشدوهاً إلى قصر أرستقراطي فخيم، فيقول في ألم وحسرة "لماذا لا نسكن هذا القصر يا أبي" ويرد والده "سوف تسكنه عندما تكبر" ثم يسأل الطفل "ولماذا لا نسكنه الآن"؟ فيجيب أبوه "لا يسكنه إلا الكبار"!

 

سجن والده وهو صغير، فأُخذ تشارلز إلى منزل امرأة عجوز، وكان يقوم على شؤونه المعيشية ويعيل نفسه بنفسه، واضطر إلى العمل حتى يؤمن قوت يومه، ولكنه لم يكن يظفر إلا بما يكاد يسد به رمقه، يروي في إحدى مذكراته قائلاً "لولا رحمة الله لأصبحتُ لصاً، لأن الجوع كان يعض أحشائي فأحلم بالسرقة، ولكن رحمة الله تدركني فأجبن".

 

ويعد أن خرج أبوه من السجن، التحق ديكنز بالمدرسة، وكان يتعلم نهاراً، ويعمل ليلاً في إحدى الصحف، حتى ظهر نبوغه واقتحم عالم الكتابة القصصية، ولقي قبولاً واسعاً منقطع النظير، إذ كانت أعماله تحاكي الطبقات الكادحة وما يختبره أفرادها من صنوف العذاب والتشرد والمرض والتسكع والبؤس.

 قرر ديكنز - بعد تدفق المال في يده - أن يشتري نفس القصر الذي أخبره والده أنه سوف يسكنه عندما يكبر، وبين ليلة والثانية أصبح القصر ملكه فعلاً، ولكنه كان يعالج في تلك اللحظة شعوراً بالحزن الشديد، فيسأله صديقه : لقد تحقق حلمك فلماذا تبكي؟ ويقول ديكنز : شدّ ما كنت أتمناه هو أن أجد والدي معي اليوم، ولكنه فارق الدنيا قبل أن أحقق حلمي، آه لو يعلم ذلك في ملكوته الأعلى إذن لاسترحت كثيراً!

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٢ ص - عبد الفتاح الطيب
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١٢:٤٤ م - Sarora Fayez
About Author