كانت نرمين تجلس بغرفتها في الشقة المشتركة بينها وبين زميلاتها في العمل، كانت نرمين فتاة في بداية العشرينات، شعرها أسود وعيونها بنية، بشرتها بيضاء، متوسطة القامة؛ وكانت في ذلك اليوم متغيبة عن العمل وجالسة بمفردها بالمنزل، سمعت دقات على الباب وعندما فتحت الباب وجدت امرأة تبدو في الأربعين من عمرها قامت بتعريف نفسها أنها تُدعى سعاد، وطلبت منها شراء أي شيء من أجل أن تُطعم عائلتها، وكانت ترتدي حجابا على شعرها ونضارة سوداء وكان في منتصف جبهتها شامة، فوجدت نرمين أشياء بالية ورخيصة ثم لفت انتباهها خاتم عليه جوهرة حمراء لامعة فتعجبت كيف لشيء كهذا يوجد مع امرأة فقيرة؛ نزلت خصلة من شعر سعاد وكانت حمراء وأدخلت سعاد تلك الخصلة إلى حجابها سريعا، قالت نرمين في نفسها يا لها من مُسنّة غريبة، كيف لها تصبغ شعرها بذاك اللون؟!
- قالت نرمين لها: كم سعر هذا الخاتم؟
- قالت سعاد: أدفعِ أي مقابل ولكن لن أقبل أقل من خمسة جنيهات.
ازدادت حيرة نرمين وقالت يبدو حقيقي مع أنه مزيف وأخذت الخاتم وأعطتها عشر جنيهات، وقالت لها: إذا وجدتي شيئا كهذا فتعالي إلى هنا مرة أخرى وسأشتريه.
وبعد ذلك رحلت سعاد وقالت في نفسها وأخيرا وجدت الضحية لتلك اللعنة..
كانت نرمين سعيدة بذلك الخاتم وأردت ارتداءه لتجربته وكان جميلا عليها ولكنها عندما حاولت إخراجه لم يخرج، فذهبت لإحضار الصابون لإخراج ذلك الخاتم فلم يفلح الامر، فقالت: لا بأس أن يبقى فإن منظره جميل ولكن هل هذا الخاتم ضيق أم أن وزني قد زاد؟
في الصباح التالي عندما استيقظت نرمين من نومها قالت: ما هذا الحلم الغريب ثم نهضت ونظرت بالمرآه وجدت شعرها لونه أحمر، فخرجت من غرفتها غاضبة وسألت الفتيات وقالت:
- من منكن قام بصبغة شعري باللون الأحمر؟
- فقالت إحدى الفتيات وتُدعى سلوى وأين ذلك الشعر المصبوغ يا نرمين؟
وكانت سلوى فتاه في منتصف العشرينات شعرها بُني، عيونها رمادية، بشرتها سمراء، متوسطة القامة.
فأمسكت نرمين شعرها وقالت: ألا ترين يا سلوى؟
فقالت جميع الفتيات أنه أسودا كما هو.
ردت نرمين: أتريدون أن تُصيبوني بالجنون، اعلموا أنى سأكتشف تلك الفتاة من بينكم، كما أني لن استطيع الذهاب اليوم أيضا إلى العمل، بسبب ذلك الشعر؛ وطلبت أن تحضر لها إحدى الفتيات صبغة سوداء.
وظلت نرمين طوال النهار تفكر بذلك الحلم الغريب الذى حلمت به وهى تقول: من ذلك الشاب الذى يحمل سيفا وتلك الأبواب ذات اللون الاحمر؟
وفى المساء جاءت سلوى وأعطتها الصبغة وهي قائلة: إن شعرك أسودا، أسودا وعليكِ ألا تزيدي من أيام الغياب لان بعد ذلك سيخصم من المرتب؛ لم تبالى نرمين إلى كلام سلوى لأنها تعلم حرص سلوى على المال.
ثم دخلت نرمين إلى غرفتها وأغلقت الباب ووضعت الصبغة، وعندما نظرت إلى المرآه وجدت شعرها مازال لونه أحمر، فقالت: تبا لسلوى سأشترى في الصباح صبغه سوداء بنفسي، وها هن يكررن مقالبهن.
في الصباح الثاني استيقظت نرمين بصرخة خافتة وقالت: لماذا أحلم بتلك الأحلام؟ ولماذا أرى ذلك الشاب مجددا؟ ثم نظرت في المرآه وجدت لون عيونها تحول للأحمر، فظنت في البداية أنها عدسات وقالت: كيف يجرؤون على تلك التصرفات، وحاولت إخراجها ولكن اكتشفت في النهاية أنه لون عيونها؛ دبّ الرعب في قلبها، كيف هذا؟
وعندما سألت الفتيات أجبن بنفس الإجابة أن لون عيونها مازال بنيا وقالت إحداهن: هل جننتِ يا نرمين؟ كيف يتحول لون عينك إلى اللون الأحمر؟
فطلبت من الفتيات إخبار المدير بيوم أجازه أخر للذهاب إلى الطبيب، وأرتدت نرمين قبعة لتخفي شعرها ونظارة شمس وذهبت إلى طبيب عيون يُدعى صفوت التابع إلى التأمين الصحي، لتعرف سبب تحول لون عيونها.
كان صفوت رجلا في الخامسة والثلاثين من عمره، طويل القامة، بشرته خمرية، وعيونه عسلية.
- قال صفوت: إن لون عيونك بنية كما هي.
- فسألته: وماذا عن لون شعري؟
- تعجب من سؤالها وقال: إنه أسودا.
فقالت في نفسها: إن كلامه مثل كلام زميلاتي.
وفى النهاية نصحها أنها بحاجه إلى زيارة طبيب نفسي.
فقالت: أنا لست مجنونة.
قال: ربما بعض الاضطرابات النفسية لن تخسري شيء وسأنصحك بطبيبٍ أعرفه معرفة شخصية.
وبعد التفكير بالأمر قليلا قررت أن تذهب إلى الطبيب النفسي، وكان يُدعى مراد يبلغ من العمر الأربعين، عيونه خضراء وشعره أسود، طويل القامة وبدين قليلا، يرتدى نظارات، درس بالخارج عن الأمراض النفسية والأوهام، وتحدثت معه نرمين وأخبرته بما يحدث لها.
- قال لها: أنا لا أرى ذلك أيضا، ولكن سترين الدليل بمحاولة بسيطة.
- قام مراد بتصويرها خلال الهاتف الذكي لترى ماذا ستكون الصورة؟
فوقع الهاتف من يدها عندما رأت شعرها أسود وعيونها بنية، وحينها تأكدت أن ما تراه هي فقط من تراه، وظلت خائفة ولا تفقه شيء.
- قال مراد: بما أنك رأيتِ الحقيقة في تلك الصورة هذا جيد، أنتِ فقط تعانين من هلوسة بصرية.
وكتب لها بعض الأدوية ونظر إلى ذلك الخاتم بنظرة تعجب، وطلب رؤيتها مرة أخرى الأسبوع القادم، وبعد أن رحلت قال مراد إلى نفسه: أشعر أنى سمعت عن مريضة أخرى تدعي أن شعرها لونه أحمر وحاول التذكر.
لم تهتم نرمين بتلك الأدوية وخلعت القبعة والنظارة بما أن لا أحد يرى ما تراه وربما يوم أو اثنين وتنتهى تلك الأوهام البصرية تلقائيا، وذهبت إلى مقهى لتشرب فنجانا من القهوة وأثناء تناولها للقهوة لاحظت شابا ينظر اليها، فقد لفت انتباه شابا جالس على الطاولة المجاورة لها ذلك الخاتم وتلك الجوهرة الحمراء، فتوجه إليها وقام بتعريف نفسه: أنا أُدعى سامي خريج كلية الآثار وكان سامي في أواخر العشرينات، عيونه زرقاء وشعره بُني، بشرته بيضاء وطويل القامة.
وجلس معها بطاولتها وقال: من أين حصلتي على ذلك الخاتم؟
وكانت نرمين تنظر إليه بدهشة وتقول في نفسها إنه الشاب الذي أراه في أحلامي، ثم توقفت عن التفكير وردت عليه قائلة: من بائعة مُسنّة أحضرته لي؛ وتذكرت شعر تلك المُسنة الذي كان مصبوغا باللون الأحمر.
فقاطع أفكارها وقال: انتظري لحظة يا أنستي.
وأخرج من حقيبته كتاب عن الآثار وفتح صفحة به وكان على تلك الصفحة رسمة تلك الجوهرة الحمراء.
- قال لها: إن هناك جوهرتان باللون الأحمر وملتصقين ببعضهم وكانت قوى السحر التي بداخلهما تتوقف وهما معا ولكن أحد سارقين المقابر أخذ تلك الجوهرتان وقام ببيعهما، وبائع أخر ربما باعهما منفردان وعندما تفرقت الجوهرتان انطلقت قوى السحر الشريرة، وذلك الخاتم سيعذبك إلى النهاية وتكوني ضحية وربما تلك المرأة المُسنّة أو ربما لم تكن مُسنّة، قامت بشراء ذلك الخاتم ولكن لم ترتديه وكانت النتيجة أن تغير لون شعرها والجميع رآه وباعته إليكِ كي تنتهى مما هي فيه، ولكن مشكلتك أنتِ أنك ترتديه ولم تستطيعي إخراجه، أليس كذلك ؟
رواية الجوهرة والقوى السحرية ج٢
بقلم: أمنية نبيل
You must be logged in to post a comment.