- صدقا سأعمل هنا من الغد؟ ولكن لم تسألني أي سؤال بخصوص الوظيفة.
- لا يهم فهناك تدريب في البداية.
- ولكن، هل هناك المزيد من الوظائف؟
- لا، هي وظيفة واحدة فقط وكانت من نصيبك.
- حسناً، وأتمنى أن أضيف إلى تلك الشركة.
وأثناء رحيلها سمعت عامل المشروبات وهو يقدم عصيراً إلى موظفة الاستقبال وهو يقول:
- أتعلمين أن السيد محمود طلب قهوة بالحليب وهو لا يحبها.
- فقالت موظفة الاستقبال: إنه غريباً اليوم، أترى ماذا يرتدي؟
سمعت مريم ذلك الكلام ولكن لم تشغل بالها وقالت: الآن عليّ إخبار خالد بالأمر.
جاء رياض من مكتبه المجاور إلى مكتب محمود بالشركة
- ما الأمر؟ هل قابلت مريم؟
- نعم قابلتها، ولكن انظر إلى الرسالة التي أرسلتها إلى خالد.
وكان مكتوب بها:
" أتعلم يا خالد لقد تم قبولي للعمل بالشركة، هي حقا شركة كبيرة، وأيضاً الشخص المتملق لم يكن موظفاً عادياً بل كان صاحب الشركة بنفسه، يبدو أني ظلمته في البداية، هو الآن يبدو عكس ما رأيت، أشعر بالشفقة تجاهه لأنه بائس وحزين من داخله، حقاً المال لا يشتري السعادة. "
قال رياض:
- وما الغريب في الرسالة؟
- تشعر بالشفقة تجاهي!! ماذا أفعل لتعجب بي، لقد طلبت نفس المشروب الذى تحبه، لقد ارتديت ملابس عادية لأنال إعجابها، أنا أملك شركة كبيرة وغيرها يتمنى نظرة مني، وبالنهاية تراسل خالد مرة أخرى!
- أنه الحب يا محمود، وليس له قوانين أو شروط، يأتي بدون سبب ويبقى حتى الموت دون سبب.
- سأجعلها تحبني، وسترى.
- هل أحببتها وتغار من شخصا مات؟!
- أتركني الآن بمفردي يا رياض، وعُد إلى العمل.
- لا تنسى أننا أصدقاء قبل أن أعمل في شركتك، وعليّ أن أكون صادقاً معك وسأتركك الآن.
في أول يوم عمل لمريم
أخبرت فتاة الاستقبال مريم فور وصولها أن المدير محمود يريد مقابلتها أولاً، ذهبت مريم إلى مكتب محمود بعد أن أخفى الهاتف، بعد أن قرأ الرسالة الجديدة وكان مكتوباً بها: " أتعلم يا خالد أنه أول يوم عمل لي، وكم أتمنى أن تكون بجانبي لنحتفل بذلك وتعزمني على الروبيان الذي أحبه، وما زلت بانتظار رسالتك. "
- قال محمود لمريم: تفضلي بالجلوس، أنه أول يوم للعمل هنا وسأخبرك بالتفاصيل، ولكن في البداية نشرب قهوة بالحليب قبل الحديث.
- فقالت مريم: وهل تحب القهوة بالحليب؟
- لمَ تقولين هذا؟
- لأني سمعت بدون قصد أحدهم تعجب عند علمه بأنك تشرب قهوة بالحليب.
- لأني أول مرة أطلبها، فإن المعتاد شرب القهوة بدون حليب، ولكنى أحببتها بالحليب منذ فترة قصيرة؛ وابتسم وهو يقول في نفسه: ممن سمعت هذا الكلام يا ترى؟ علي أن أكون أكثر حذراً، كي لا تشك بالأمر.
وبعد ذلك بدأ يتحدث بعيدا عن العمل...
وبقى يتحدث عن نفسه وعن أنه شخصاً مسؤول وسعيد بما هو فيه وظلّ يحكي ويحكي...
ولاحظت مريم أنه عند أي اتصال يرد حول الأمر إلى رياض، وعند توقيع أي شيء يخبر السكرتارية يجب رياض أن يقرأ العقود أولاً، وكأنه حاضر ولكنه غائب، ثم قال لها:
- الساعة الآن الواحدة ظهراً، هل مضى ذلك الوقت بتلك السرعة؟ لم أشعر به وهذا موعد تناول الغداء، هل ترافقيني إلى إحدى المطاعم القريبة المعتاد على لتناول الطعام بها؟
وكان وجهه يشبه الطفل الذي يطلب طلب من والدته بنظرات متأمل الموافقة، فخجلت من الرفض ولكنها كانت تشعر بشيءٍ من التعجب، ثم دخل رياض إلى مكتب محمود وقام بتحية مريم والترحيب بها بأول يوم عمل، ثم قال لمحمود:
- ماذا ستطلب لتناول الطعام؟ فسأقوم الآن بحجز الطلب على الهاتف.
ضحك محمود ضحكة مذبذبة قائلا:
- لا تطلب لي، فأنا سأذهب إلى المطعم مثل كل مرة، مثل كل مرة أتفهم.
- قال رياض: آها، أعتذر، لقد ظننت أنك ستأكل معي، ولكن يبدو أنك ستتناول الغداء خارج الشركة مثل كل يوم.
- قال محمود: لا بأس، تولى أمر الشركة حتى أعود.
ورحل ومعه مريم ووصلوا إلى مطعم أسماك وقال لها:
- أنا أحب الروبيان، وماذا عنك؟
اتسعت حدقة عين مريم وهى تقول:
- إنه طعامي المفضلة، قد أبدو بنظرك منافقة وأحب ما تحبه، ولكن صدقا إنه طعامي المفضلة.
- فقال: أنا أصدقك، لا تشغلي بالك.
وبعد أن تناول محمود أول قطعة بدأت عيناه تحمر واعتذر منها وقال:
- لحظه وسأعود، هناك مكالمة هامة.
ابتعد عن الطاولة وأصيب بسعال شديد وبقيت هذه الحالة، لأنه يعاني من الحساسية من الروبيان، ولكنه كان مجبراً على هذا لتحقيق أحلام مريم؛ وكانت مريم في ذلك الوقت انهت طبقها وبقيت تنظر إلى طبق محمود الذى أمامها وهى تقول:
- هل يعانى من الحساسية يا تُرى مثل خالد، لا أظن فقد طلب الطبق باختياره، ولكنه أيضا يبدو أنه لا يشرب الحليب، فقد ترك قهوته كما هي في كل مرة مثل خالد، لما أشعر أن محمود يقرأ أفكاري، هل يملك قوة خارقة؟! ما هذا الجنان إنها مصادفات ليس إلا؛ علي أن أخبر خالد الآن أني أتناول الروبيان وكم أتمنى أن يوصلني إلى المنزل في أول يوم عملاً لي.
عاد محمود إلى الطاولة مرة أخرى وقال لها:
- انهيت المكالمة، هل تأخرت؟
- قليلا، حتى أني انهيت طبقي دون أن أشعر، أعتذر عن حماقتي، كان يجب أن أنتظر عودتك.
- لا هذا لا يهم، فالآن علي العودة إلى الشركة، ولكن سأوصلك إلى منزلك قبل ذلك فالتدريب انتهى اليوم.
- ولكن لم نتحدث عن العمل بعد.
- الأيام قادمة، وستتعلمين الكثير.
- لا تتعب نفسك بإيصالي، فسأتدبر الأمر.
- لا مشكلة، فهناك مقابلة بجوار عنوانك فهذا في طريقي.
- حسنا إذن.
وعندما وصلت مريم إلى منزلها كانت تفكر بجدية لماذا كلما تتمنى شيء يحدث لها؟ ولكن الفرق أنها تحدث مع شخصاً أخر.
تقابل محمود مع رياض في المساء في إحدى المقاهي، وبقي رياض يُحذر محمود مما يفعله ، ولكن لا يهتم محمود بذلك التحذير، وظل يطمئنه قائلا:
إن الحادثة حدثت منذ سنتين، وعندما بحثنا عن عائلته وجدناه وحيد لم يكن له أقارب وأصدقائه توقفوا عن إرسال الرسائل ونسوه الآن، والجثة قد تحللت الآن، كما أنك دفنتها أنت وصديقتك السابقة في مكاناً بعيداً عن هنا وإذا اكتشفها أحد سيجد هيكلاً عظمياً بدون أي بيانات، الأمر انتهى يا صديقي.
- كلامك صحيح يا محمود، ولكن الهاتف الذي معك هو ما سيوقعك.
- قريباً سأتخلص منه، عندما تتوقف مريم عن إرسال الرسائل وتحبني.
- إنها أحلام على ما يبدو.
- أصبحت خرفاً يا رياض، سأعود إلى المنزل فليس لي مزاجاً للسهر اليوم.
- لا تنسى أن تجعل مريم تعمل بالشركة كي لا تشك بالأمر، سأقابلها أنا في الغد بدلاً عنك.
- حسنا أنت محق، لأنها ترسل رسائل إلي تخبرني أنها قلقة من العمل ومني.
- تقصد ترسل رسائل إلى خالد وليس إليك.
- نعم، نعم وداعاً.
ثم تحدث رياض على الهاتف إلى شخصاً وهو يقول:
إنها عملية جديدة، فهناك فتاة أريد التخلص منها، قابلني الآن وسأخبرك بالتفاصيل، وسأعطيك المبلغ مقدماً.
في اليوم الثاني من العمل أخبرت فتاة الاستقبال مريم أن عليها الذهاب أولاً إلى مكتب رياض، فذهبت مريم إلى مكتبه وقال لها:
- آنستي، هل أنتِ جاهزة إلى العمل، فأول طلب سأرسل معك مبلغاً كبيراً من المال ومعك عقد للتوقيع من صاحب شركة أخرى، ولا تقلقي فكل شيء مرتب وستوصلك سيارة الشركة.
- حسناً، أنا جاهزة.
- إذن امضي على ذلك الإيصال.
- إيصال ماذا؟
- إيصال باستلامك المبلغ، وستحصلين عليه فور عودتك، لمَ هذا القلق؟
- لا لست قلقة، وها هو إمضائي.
وكانت مريم تقول في نفسها: يا لهذا التوريط، كم أتمنى أن أرفض من الخوف، ولكن لا أريد أن أخسر تلك الوظيفة، ولكن لا بأس يبدو الأمر بسيطاً ولن يحدث شيئاً خطيراً.
ورحلت مريم في سيارة الشركة، وبعد لحظات دخل محمود مكتب رياض وهو شديد العصبية قائلا:
- افهمني يا رياض ماذا تقصد بهذا؟
- ماذا تعنى يا محمود؟
- انظر إلى رسالة مريم إلى خالد.
" أتعلم يا خالد لم أكن أعلم أن العمل بشركة كبيرة خطيراً هكذا، أنا أحمل الآن خمسمائة ألف جنيها لأسلمهم إلى شركة أخرى، وأنا الآن في طريقي، كما أني مضيت إيصالاً بالاستلام، أخشى أن يحدث شيء وأتورط، سأطمئنك بعد الانتهاء من هذا. "
- لا تقلق فالمال سيعود إلينا، فقد استأجرت شخصاً يوقف السيارة ويأخذ الحقيبة ولن تُؤذى مريم.
- لست قلقاً على المال، ولكن قلقاً عليها، لمَ فعلت هذا؟
- اطمئن لن تُؤذى، وهذا الإيصال هو نجاتك إذا انكشف أمرك، اعلم أنك تلعب بالنار وتنتظر أن تحبك تلك الفتاة، ولكن هذه الفتاة إذا علمت بالحقيقة ستُبلِغ عنك، هذا إذا لم تقتلك بيدها.
- أوقف هذا الآن ولا تتدخل بالأمر.
- هذا رأيك النهائي؟
- إن لم تفعل ستترك الشركة، ولن نكون أصدقاء!
طلب رياض رقم الشخص الذي استأجره ولكن الهاتف كان مغلق، فقال رياض:
- ربما يغلق هاتفه وقت عمله، لا تقلق سأتصل بسائق سيارة الشركة ليعود إلى الشركة.
You must be logged in to post a comment.