رواية الغائب الحاضر

استيقظت مريم من نومها واقتربت من هاتفها وهى تقول: 

- هل رد على رسالتي أم مثل كل مرة؟

ولم تجد أي رسالة من حبيبها خالد، هو فقط شاهد رسالتها ولم يرد، وكانت الرسالة " اليوم حفل تخرجي من الجامعة، هل تستطيع الحضور أم لا "

ثم قالت: كان عليه أن يجيب، أن يخبرني فقط أنه لن يأتي، لماذا توقف عن الرد على رسائلي مدة سنتين؟ هل هذا يعني أنه لم يعد يحبني؟ هل أتوقف عن إرسال الرسائل له؟ لا لن أتوقف حتى يخبرني بذلك. والآن علي أن أجهز لذلك اليوم الجميل، فهو حفل تخرجي أما خالد فهو الخاسر فذلك اليوم تمنى حضوره منذ سنوات.

كانت مريم فتاة حسناء بشرتها بيضاء متوسطة القامة عيونها خضراء وشعرها أسود اللون.

وفى تلك الأثناء كان هناك شخصاً معه هاتف خالد، وهو يقول:

- ما هذه الفتاة؟ لقد ظلت سنتين ترسل رسائل إلى صاحب ذلك الهاتف بدون توقف وتخبره بما يحدث في حياتها، فما هذا الحب؟ وأنا لا أجرؤ على إخبارها أن صاحب هذا الهاتف توفى في حادث، وهى لا تمل من الرسائل ألم تفهم بعد معنى عدم الرد على الرسائل؟ ولكنى حقا متشوق لرؤية تلك الفتاة ربما سأذهب إلى ذلك الحفل وأتعرف عليها.

 

في حفل التخرج

كانت الجامعة مليئة بالطلاب والجميع سعيد ذلك الحفل، تقابل الأصدقاء وتحدثوا عن طريق كلا منهم بعد التخرج، وبقيت مريم حزينة وسط الجميع ولم تستطع كتم حزنها الذى يفيض من عيونها.

جاء إلى الحفل محمود، الشخص الذي يحمل هاتف خالد، وكان شابا في أواخر العشرينات طويل القامة عريض الكتفين بشرته خمرية وعيونه بنية وشعره ذهبي، وتعرف على مريم من بين الجميع من خلال صورتها على الهاتف، وكان يعرف شخصية مريم حق المعرفة، وتذكر بعض رسائلها مثل:

 " أتعلم يا خالد لقد وضعت صديقتي سوسن التوابل الحارة بالأكل، مما جعلني أشعر بالضيق منها فهي تعلم أنى لا أحب التوابل الحارة "

" أتعلم يا خالد لقد جاءتني اليوم سوسن ومعها علبة مليئة بالشكولاتة التي أحبها، واعتذرت لي وقد سامحتها "

" أتعلم يا خالد الامتحان اليوم كان صعب، فأنا حقا فاشلة في المواد النظرية، ولكني أنتظر أن أُجيب أفضل من ذلك في الامتحانات القادمة، فأنت تعلم أني أجيد المسائل الحسابية وأحلم بأن أعمل في شركة يوهيرو "

وقال محمود في نفسه:

- يقتلني الفضول لأعرف كيف تبقى على تواصل مع شخصاً لم يجيب ولو لمرة واحدة على رسائلها، وتحكي له تفاصيل يومها؟

بعد حفل التخرج اقترب محمود من مريم وكان معها بعض الأصدقاء، وبدأ بتعريف نفسه قائلا:

- مُبارك لكم جميعاً، أنا أعمل بشركة كبيرة وبحاجه إلى بعض الوظائف، من منكم يود العمل؟ والمطلوب فقط أن يجيد المسائل الحسابية.

ولم يبدو على مريم أي تعبير على القبول، ثم أكمل قائلا:

- كما أنه من سيثبت نفسه قد ننقله إلى شركة " يوهيرو" المشهورة.

وهنا اتسعت حدقة عين مريم وقالت بلهفة:

- نعم أريد الانضمام معكم.

 كما وافق الجميع، فقال محمود:

- حسنا، إذن سآخذ أرقامكم وأتواصل معكم.

 

وفي مساء ذلك اليوم تواصل محمود مع مريم هاتفيا:

- أهلا بك، هل في إمكانك المجيء غدا إلى الشركة من أجل المقابلة؟

- بكل سرور.

- حسنا، إذن الميعاد في العاشرة صباحاً.

- سأكون غداً في الموعد بإذن الله.

- سأرسل إليكِ العنوان برسالة الآن. 

بعد أن انتهت المكالمة اتصلت مريم على الفور بباقي أصدقائها، لتسأل هل اتصل السيد محمود من أجل المقابلة؟ ولكن فاجأها الجميع أنه لم يتصل بأحد، وكان ردها لعله يتصل بعد قليل، ولكن لفت انتباهها رد إحداهن قائلة لها:

- أشعر يا مريم أنه كان يقصدك من البداية، فنظراته لم تكن موجهه لسواك، والآن غريب أن يتصل بك فقط.

- فقالت مريم: ربما هي مصادفة سننتظر ونرى.

 

أمسك محمود هاتف خالد ووجد رسالة مكتوبا بها:

" أتعلم يا خالد غداً، سأذهب للمقابلة في شركة، إذا تم قبولي وعملت بجد بها، سيتم انتقالي إلى شركة "يوهيرو" التي أحلم العمل بها، وكان الأمر مصادفة فقد جاء شخصاً إلى حفل التخرج وتحدث معنا عن الأمر، ويبدو أنه شخص أحمق ومغرور يتحدث من فوق أنفه، وملابسه كانت لامعة ومتملق، وكان يرتدي بذلة سوداء سيئة، وأنا أكره أولئك الناس المتملقين، ولكن أتعلم كم كنت أود أن تأتى معي وتوصلني. " 

كاد محمود أن يكسر الهاتف من يده عندما قرأ ذلك الكلام ثم ردد:

- أحمق! مغرور! أهكذا نظرت إلي؟!!

فقال له صديقه رياض:

- لما كل هذا الغضب يا محمود، ألم تكن فقط تريد رؤية تلك الفتاة المخلصة؟ هل شعرت بشيء تجاهها؟ أريد أن أحذرك من ذلك الشعور، فلو علمت تلك الفتاة أنك السبب في موت صاحب ذلك الهاتف لقتلتك، أتسمع؟ لقتلتك ألف مرة؛ ولا أعلم أي سبب لتورطك لتجعلها تعمل معك، فأنت تضع النار بجانب البنزين، فماذا لو رأت الهاتف معك مصادفة؟

- لا تقلق يا رياض، سأخفى ذلك الهاتف ولن تعلم أبداً، وأنت نسيت أمراً هاماً أنا أملك المال والنفوذ، وستقع في حبى بكل تأكيد وتنسى أمر ذلك الشخص نهائياً، فلا توجد امرأه مخلصة.

- هل تقول ذلك لأنك تعتقد هكذا حقاً أم لأنك قد وقعت بحبها؟

- ماذا تقول؟

- أنا أقول ما أراه يا عزيزي، ولكن أعلم كلما اقتربت أكثر كلما باتت نهايتك وشيكة.

- أنت لا تعلم شيء، الحقيقة هي أني أريد أن تحبني وتنسى خالد، وهكذا لن أشعر بالذنب تجاهها، فهذا حقا ما يقتلني.

- ألا يقتلك أنك قتلت خالد بالخطأ وأخفيت الأمر بنجاح، ولكنك احتفظت بالدليل الوحيد الذي قد يكشف تلك الجريمة منذ سنتين؟

- لم أستطع التخلص منه بدافع الفضول، فقبل أن أتخلص منه قرأت أخر رسائلها وأكملت بدافع الفضول قراءة الرسائل منتظراً أن تمل وتتوقف ولكنها لم تتوقف، فقد توقف الجميع عن إرسال الرسائل إلا هي بقيت إلى الآن.

- عليك أن تفكر ملياً في خطواتك القادمة وأن تكون حذراً.

- لا تقلق، والآن علينا زيارة محل ملابس، فأنا أود شراء نوعاً جديداً من الملابس بعيد عن الملابس الرسمية.

 

في اليوم التالي، وصلت مريم إلى ذلك العنوان ووجدت أمامها شركة كبيرة وعملاقة أكبر من شركة " يوهيرو " التي كانت تحلم العمل بها، فقالت مريم:

- يا لها من شركة كبيرة، هل حقا قد أعمل بها؟

وعندما وصلت إلى الاستقبال أخبرتهم أن لديها موعد مع السيد محمود موظف بالشركة، وأنها تُدعى مريم، فقالت لها موظفة الاستقبال:

- إنه صاحب الشركة.

فتعجبت مريم قائلة:

- وهل صاحب الشركة يذهب إلى حفلات التخرج ليُلحق شركته بالموظفين؟

قالت موظفة الاستقبال:

- أنا لا افهمك ماذا تقصدين ؟!!!

- لا، لا أقول شيء، هل أستطيع مقابلته الآن؟

- لحظة أتواصل مع السكرتارية.

- نعم، هو بانتظارك وسأوصلك بنفسي إلى مكتبه كما طلب مني.

عند وصولها إلى المكتب وجدت شخصاً مختلفاً عما رأته في الحفل، فقد كان يرتدي قميصاً عادياً وسروال جينز أما عن شعره فقد كان بدون ملمع وكأنه تبدل.

فجلست على المقعد أمام مكتبه وتحدثوا سوياً وبدأ هو بالحديث:

- ماذا تودين أن تشربي قبل البدء بالكلام؟ سأطلب لنفسي قهوة بالحليب وماذا عنك؟ 

- أنا أيضاً قهوة بالحليب؛ وقالت في نفسها: يا لتلك المصادفة، أعتقد الآن أنه يظن أني منافقة، وطلبت مثله ولكني حقاً أحب القهوة بالحليب.

ثم ضغط على زر الجرس وجاء عامل المشروبات وطلب أثنان من القهوة بالحليب.

فقال العامل:

- هل متأكد أنها قهوة بالحليب؟

فقال محمود:

- نعم، اذهب ولا تتأخر.

ثم بدأ فالحديث بعيدا عن مجال المقابلة قائلا:

- أتعلمين أني ورثت تلك الشركة وذلك جعلني قد أبدو أحمق أحياناً، لأني أرتدى ملابس لا تشبهني، ويجب أن أتحدث بغرور وهي بعيدة عن شخصيتي، فأنا حقاً شخصاُ متواضع، ولكني أحياناً أرفض ذلك الوضع كما أفعل الآن ولكن سأعود إليه مرة أخرى لأنها طبيعة الحال الذي أعيشه.

وبقيت مريم تسمع ذلك الكلام وهى تضحك في نفسها وتقول:

- يبدو أنه ليس كما ظننت.

ثم قال لها:

- العمل يحتاج لتفرغ هل أنتِ متزوجة؟

وكان يسأل هذا السؤال ومنتظر من مريم أن تبدأ تحكى عن خالد...

- لا لست متزوجة، وأنا متفرغة لا تقلق.

- غريب فأنتِ حقاً جميلة وتبدين طيبة القلب، ربما تعيشين قصة حب.

بدا على مريم نظرات التعجب من الأمر، فحاول محمود تغير الأجواء والابتعاد عن تلك النقطة الآن، ثم دخل عامل المشروبات وقدم فنجان القهوة أمام كلا منهما ورحل، ثم أكمل محمود كلامه قائلا:

- أنا لست متزوج، لأني أعيش قصة حب ولكن من طرف واحد، لذلك لم أفكر بغيرها، فظننت أنك قد تشبهي حالتي.

- كم يؤسفني سماعي لقصتك، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لي، ولكن لا أريد التحدث عن هذا الأمر لأنه خاص.

- لا بأس وأعتذر عن تطفلي وأنتظرك غدا لاستلام العمل.

بقلم: أمنية نبيل 

رواية الغائب الحاضر الجزء الثاني

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author