رواية المخيم وجريمة الماضي

أثناء عودت هاشم إلى المنزل في وقت متأخر من الليل، وجد رسالة بالبريد فأخذها وفتحها ووجد دعوة ورسالة "عزيزي هاشم، لقد سعدت بقراءة اسمك مخرج لأفضل الأعمال، هنيئاً لك لتحقيق حلمك، في انتظار حضورك لخطبتي وهناك مفاجأة لك. صديقتك المخلصة حنان"

ثم قال في نفسه: حنان التي كنت أتوقع لها الفشل، يبدو أني كنت مخطئ فأنا متشوق لرؤيتها، ومن ذلك الذي أُعجب بها؟ فهي حمقاء وفاشلة ولكنها عفوية وطيبة القلب، من الجيد أن هناك وقت لترتيب أعمالي لأكون متفرغ لحضور الخِطبة.

كان هاشم في الثامنة والعشرين من عمره، كانت عيونه خضراء وشعره بُني اللون وله ذقن، يتقن فن الحديث وجذاب، ولكنه عنده مرض وسواس النظافة، ينظف الأشياء باستمرار.

 

بعد أن تناول هاشم العشاء رفع سماعة الهاتف واتصل بأمجد صديقه الذى يعمل بالديكور.

- قال هاشم: أتعلم أن حنان حبيبتك السابقة أرسلت إلي رسالة لحضور خطبتها؟

- ضحك أمجد وقال: لقد أرسلت لي رسالة أيضا؛ ولكن ذلك لم يكن حب بل إعجاب، وما أن تقربت منها لم أتحمل تهورها واندفاعها وتصرفاتها الطفولية، فأنا كما تعلم شخص مُتزِن، يُحب الإستقرار والحياة الجادة، فاكتشفنا أننا غير مناسبين وهذا شيء عادي، أاكملنا أصدقاء ولم نتحدث منذ سنتين؛ ولكن هي لا تعلم أننا ما زلنا على اتصال ببعضنا البعض، ربما تلك هي المفاجأة التي تقصدها، هل سنتجمع مره أخرى؟ فلقد تفرقنا بعد تلك الحادثة.

ثم صمت الاثنان.

- رد هاشم قائلا: ربما تكون محقاً ولكن علينا ألا نتذكر تلك الحادثة المؤلمة.

وبعد أن أغلق أمجد السماعة قال: لنرى مَنْ الذي أُعجب بكِ، وقادر على تحملك أيتها الفتاة الحمقاء؟ وظهرت ملامح الحزن على وجهه.

كان أمجد في السادسة والعشرين من عمره، لم يملك قدر كبير من الوسامة، ولكن شخصيته الحادة القاسية جعلته محبوبا بين الفتيات، ولكنه لم يكترث لهن؛ يحب عمله وساعده هاشم كثيراً لتحقيق حلمه، فصعدا سُلَّم النجاح كُلاً بمساعدة الأخر.

 

وفي صباح اليوم التالي بدأت الشمس تشرق وأشعتها اخترقت غرفة ساندي المغنية الشهيرة ذات الصوت الذهبي حسب وصف النقاد، وكانت حسناء ورشيقة في الخامسة والعشرين من عمرها، عيونها بُنّية اللون وشعرها أصفر كالحرير، فاستيقظت باكراً كعادتها، وقامت بأداء التمارين الصباحية في حديقة منزلها، وعادت لتناول الفطور البيض والجبن وكوب من الحليب، وقرأت الجرائد ثم جاءتها الخادمة برسالة بالبريد، وكانت دعوة خِطبة صديقتها حنان التي لم تراها منذ سنتين، مرافق لها رسالة بها "لقد اشتقت إليكِ حقاً، بانتظارك في الحفل، يجب أن تكوني أول الحاضرين، فالمفاجأة بانتظارك، وهنيئا لكِ لتحقيق حلمك بالغناء. صديقتك المخلصة حنان"

ثم فكرت ساندي، هل حققت حنان حلمها لتكون أشهر مُصممة أزياء، وجنيت الكثير من الأموال لتكون خِطبتها في تلك القاعة الشهيرة؟ ولكني لم أسمع اسمها يتردد في ذلك المجال؛ الآن عليّ شراء فُستان يتحدث عنه الجميع، والكثير من التحضيرات، ولم تكترث ساندي بجملة فالمفاجأة بانتظارك.

 

في صباح يوم الخِطبة ذهب آسر لشراء سيارة جديدة فاخرة، للذهاب إلى خِطبة صديقته حنان، كان آسر مؤلف مشهور، يبلغ من العمر الثلاثين، منذ سنتين كان فقيراً يسعى للشهرة والأموال، وقد وصل بذكائه الفكري إلى تلك الأحلام، فقد كان شديد الموهبة، وكان لديه اضطراب في النوم ولا يستغني عن الحبوب المنومة، فعقله يسرح في كتاباته حتى يسترق النوم من عينه؛ والآن يريد أن يرى حنان التي لم تكن أيسر حالاً منه مادياً، كيف استطاعت أن تحجز في تلك القاعة من أجل خطبتها؟ وماذا حققت؟! ولكنه فَرِح بتلك الرسالة وأراد أن ترى حنان ذلك التغيير الذى أصبح عليه.

 

عند المساء بدأت الخِطبة وجاء الكثير مِن المَدْعُوِّين، وكانت هناك مقاعد خاصة، مُخصصة لأصدقاء حنان، وظنوا أنها تلك المفاجأة المذكورة بالرسالة ولكنها لم تكن كذلك .

رحب الأصدقاء ببعضهما البعض وتحدث كل شخصٍ عن إنجازاته تفاخراً، ثم نظر هاشم إلى العريس وقال: وجهه مألوف، ربما رأيته من قبل ولكن لا أتذكر أين، فهل أحد يعرفه؟ قال الجميع: لا، ورد أمجد أن وجهه عادي فمن الطبيعي أن تكون ملامحه مألوفة. 

وظلت تنظر لهم حنان من مقعدها بفرح وابتسامه كالأطفال، وكانت حنان شخصية طفولية تحب الضحك ومن يراها يظن أنها ليست من ذلك العالم من براءتها.

- فقالت ساندي: حنان كما هي لم تتغير، ألا ترى أن جميع الأعين حولها؟ كان يجب أن تكون أكثر حرصاً وحذراً لتصرفاتها، ولكن فستانها الزهري حقاً جميل.

ثم ذهبت حنان إليهم وجلست بجوارهم قائلة:

- لقد اشتقت إليكم؛ وأنا أول المرتبطين في تلك المجموعة، ويبدو أنه الإنجاز الوحيد الذى حققته.

فتعجب الجميع ورد هاشم قائلا:

- هل هذا يعني أنكِ لم تحققي حلمك؟

- قالت: حتى تلك اللحظة لا، ولكني على ميعاد بذلك الحلم، فقد قرر خاطبي أن يُساعدني بالأموال لتصميم الأزياء، إنه كمصباح علاء الدين، وذلك الفستان الذي أرتديه من تصميمي الثاني الذي تم تنفيذه إذا اعتبرت أن الأول تلك الفساتين التي صممتها من أجل مسرحيتنا منذ ستين، وبعد توقف المسرحية عملت بائعة في محل ملابس كي أستطيع العيش، وأيضاً لأتابع الموضة وأعرف ماذا يحب الناس، وقد صممت الكثير بيني وبين نفسي، وكأني كنت أشعر بأن الفرصة ستأتيني يوماً ما، ويجب أن أكون مستعدة لذلك؛ ولكني كنت أشتاق لكم، فتلك الأوقات التي شعرت بها بموهبتي، وأتذكر فريال التي أنتجت تلك المسرحية ولو لم تمت في تلك الحادثة لكانت ساعدتني في تحقيق حلمي. 

- ثم ردت ساندي: لننسى تلك الحادثة، فاليوم خِطبتك، وانتبهي خاطبكِ ينظر إلينا ربما يريدك تعودي تجلسي بجواره، فهذا غير لائق.

- وقال أمجد: أشعر بعدم إرتياح من نظراته، فهي تبدو نظرات غضب ولكن ممزوجة بكراهية. 

- رد هاشم: لا تكن متسرعاً، فتلك المرة الأولى التي يرانا بها، ولكني ما زلت أشعر أن وجهه مألوف.

ثم ترك خاطبها مكانه وتوجهه إليهم، كان خاطبها عمرو ضابط بالشرطة من عائلة ثرية، يبلغ من العمر التاسعة والعشرون، عيونه زرقاء اللون، بشرته بيضاء وشعره أسود اللون، كان شاباً وسيماً يرتدي بدلة سوداء اللون، ورابطة عنق زهرية لتناسب فستان حنان؛ جلس بجوارهم قائلا:

- إذا أنتم أصدقاء حنان.

- فسأل أمجد: كيف تعرفت على حنان؟

- قال: لقد كنت أتحدث على الهاتف وأنا أقود سيارتي، كدت أن أدهسها فهرعت من سيارتي وجدتها فاقدة للوعي، حملتها إلى أقرب مشفى ولم تكن هناك إصابات، لقد أُغمى عليها من الصدمة، وما أن أفاقت قررت أن أُعطيها مبلغاً كتعويض، أضحكني ردها حين قالت: لا أقبل العوض ولكني جائعة، إذن ربما أقبل بعشاء فاخر في أحد المطاعم، وبعد ذلك أُعجبت بها، وها نحن هنا الآن.

- قالت حنان: إنه كما يحدث في الأحلام، ويبدو أني على موعد مع السعادة التي طالما حلمت بها، والآن سأخبركم بالمفاجأة في رسالتي.

نظر الجميع إلى بعض وقال هاشم: 

- أتقصدين تجمعنا سوياً، أليس كذلك؟

- ضحكت وقالت: ربما كان على تبديل كلمة مفاجأة بمفاجأتين يا لي من حمقاء؛ ثم قالت: هناك رحلة مفاجأة لمدة يومين على نفقة خاطبي الأسبوع القادم فلتجهزوا جميعاً، سنمر عليكم جميعا بالسيارة.

 

في صباح يوم الرحلة اجتمع الجميع بالسيارة، حتى وصلوا إلى الميناء، وكانت هناك باخرة بانتظارهم، ركب الجميع الباخرة وتم نقل صناديق الطعام إليها، وأثناء سير الباخرة شعرت ساندي بصداع، فأعطاها آسر إحدى حبوبه المنومة كي لا تصاب بدوار البحر، إلى أن رست في جزيرة وأفاقت ساندي من نومها، وطلب عمرو من سائق الباخرة الرحيل والعودة حين يتصل به.

رواية المخيم وجريمة الماضي ج٢

بقلم: أمنية نبيل

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author