رواية المصادفة

اثناء عبور لقاء الشارع سقطت السلسلة الفضية من رقبتها فأسرعت لالتقاطها ولكن ظهرت سيارة مسرعة من الطريق الجانبي ونظرت لقاء إلى السيارة وهى مغمضة العينين ظنا منها ان لا مفر من الاصطدام، وفجأة فتحت عيونها ووجدت شابا اسرع وازاحها من امام تلك السيارة وسألها:

- هل أنتِ بخير؟

نظرت إلى عيونه واشعة الشمس سقطت بين عيونهما ثم قالت:

- نعم بخير، وانت؟

- انا ايضا بخير.

ونهض وساعدها على النهوض، فنظرت لقاء وقالت:

- انها دماء!! انها من ذراعك!!

- ربما هو خدش صغير لا تقلقي، المهم انكِ بخير.

- لا اعرف ماذا اقول؟ انت حقا انقذت حياتي، ولكنى لن ادعك حتى اطمئن عليك بالمشفى.

ذهبا معا إلى المشفى وتم تطهير الجرح ووضع لاصقة عليه، وفور خروجهم اطمأنت لقاء انه اصبح بخير واعطته اعلانا عن المطعم الذى تعمل فيه نادلة واخبرته ان له وجبه مجانية، فقبل جاسم دعوتها ووعدها بزيارة المطعم، والجيد بالأمر انه هذا المطعم بالشارع المجاور لعنوانه وكانت لقاء تدرك هذا لأنها حفظت بيانات الاستمارة التي ملأها بالمشفى عن ظهر قلب، ابتسمت لقاء ثم قالت: على الرحيل الان؛ وافترقا الاثنان.

 

مر اسبوع منذ تلك الحادثة وكان كل يوم تنتظر لقاء مجيء جاسم ولكنه لم يأتي، وكانت تقول في نفسها: ربما مشغول سيزور المطعم بالتأكيد قريبا، ولكن ماذا لو كان مرضيا؟ ربما علي الاطمئنان عليه؛ فقررت الاطمئنان عليه وطلبت من زميلتها لبنى الذهاب معها للسؤال عنه لأنها لا تستطيع الذهاب بمفردها وحكت لها ما حدث عندما انقذها وانه يسكن بالشارع الخلفي للمطعم فوافقت لبنى على طلب لقاء.

بعد انتهاء دوام العمل ذهبا الاثنان إلى الشارع الخلفي للمطعم وكانت لقاء تذكر رقم العمارة التي سجلها جاسم بالاستمارة، وقالت لقاء: ها هي العمارة؛ وسألت حارس المبنى:

- هل يسكن احد بتلك العمارة يدعى جاسم نبيه؟

- نعم يسكن هنا، ولكن من أنتِ؟

- انا صديقة له، وهل هو بخير؟

- هو بخير، ولكنه مسافر سيخطب ابنة خاله، اخبره من سأل عنه عندما يعود؟

- لا تخبره، علينا الرحيل، وداعا.

وقال الحارس في نفسه: انهن بنات هذه الايام، كيف تجرؤ على السؤال عن شاب محترم مثل جاسم وتقول لي صديقة!! هل تظنني مغفل؟!

بعد ان ابتعدت الفتاتين عن ذلك الشارع ذهبا إلى السكن سويا، وبدأت لبنى بالحديث إلى لقاء بكلمات رقيقة للتخفيف عنها لأنها شعرت ان الامر لم يكن رد جميل او اطمئنان ولكنه يبدو حبا ثم تحول إلى صدمة، وبالنهاية قررت لقاء نسيان الامر وكأنه كان حلما.

 

وبعد مرور ثلاثة ايام من ذلك جاء جاسم إلى المطعم وعندما رأته لقاء توجهت إلى لبنى:

- لبنى، لبنى هذا هو جاسم.

- انه وسيم حقا ولكنه رجلا خاطب بالنهاية.

- نعم لم انسى كلام الحارس ولذلك لا اريد ان اخذ طلبه، اذهبي أنتِ. 

- لا بل عليكِ ان تذهبي وتباركي له على الخطبة، انظري إلى الدبلة ثم قولي: مبارك لك هل خطبت؟ وهكذا تغلقين الباب امامه كي لا يتلاعب بكِ.

- فكرة جي... انه ترك مقعده انه قادم نحونا!!

ذهب جاسم إلي لقاء التي تقف بجوار لبنى:

- تحياتي آنساتي، كيف حالك يا لقاء؟

- انا بخير ولكن لما لم تأتي من قبل؟

- لقد كنت مسافرا لزيارة خالي.

ونظرت لقاء ولبنى إلى يده ولم يكن يرتدى دبلة، وقالت لبنى: 

- سأترككم لأرى طلب ذلك الزبون؛ وذهبت.

قال جاسم إلى لقاء:

- هل هذه صديقتك المقربة؟

- نعم واسمها لبنى، ولكن لعل سبب سفرك إلى خالك خيرا.

- نعم انه من اجل حصتنا السنوية من الميراث.

- هكذا الامر اذن، ظننتك نسيت امر الدعوة المجانية.

- اقُل لكِ استلمت حصتنا السنوية وتقولين دعوة مجانية!! أستطع ان ادفع حساب جميع الزبائن الان.

- المدير حسام خرج من مكتبه للتو وينظر إلينا توجه إلى طاولتك.

جاء إليهم المدير حسام ونظر إلى جاسم وقال:

- مرحبا بك يا سيد جاسم، كيف حالك؟

نظرت لقاء إلى جاسم مندهشة وقالت:

- جاسم، هل تعرف المدير؟

أجابها المدير حسام وقال:

- ألا تعرفين؟ انه..

قاطع جاسم حديث المدير وقال:

- اريدك في امرا ضروري، هيا بنا إلى المكتب.

وقالت لقاء في نفسها: ما علاقة المدير بجاسم يا ترى؟!

وبعد لحظات عاد جاسم إلى طاولته، وتوجهت لقاء إليه وسألته:

- ما علاقتك بالمدير؟

- إنه صديق قديم لوالدي.

- آهااا فهمت، والان سأحضر طعام الدعوة المجانية.

ودخلت لقاء إلى المطبخ وقالت إلى لبنى: لم يكن يرتدى دبلة، لقد سافر إلى خاله بسبب نصيبه من ورث والدته وربما فهم الحارس موضوع سفره خطأ.

ولكن لبنى صمتت وكانت تفكر ربما احد الاثنين صادق والاخر كاذب؛ عادت لقاء إلى طاولة جاسم وبدأت تضع الاطباق، وكان حساء اللحم والبامية وطبق ارز وطبق بطاطس محمره وطحينه وسلطة وخبز.

قال جاسم: 

- هل سآكل طعام المطعم كله؛ أيمكنك تناول الطعام معي؟

- اتريد ان يتم رفدي من قِبَلِ المدير!!

وخرج المدير مرة أخرى وتوجه إلى جاسم وقال:

- هل هناك شيئا يزعجك؟

- لا شيء، ولكن لقاء ترفض ان تأكل معي.

- لما ترفضين يا لقاء؟ اجلسي وتناولي الطعام.

تعجبت لقاء وقالت بارتباك:

- هذا.. هذا لطفٌ منك.

رحل المدير ثم قال جاسم:

- ألم أقُل لكِ؟

تناولت لقاء الطعام مع جاسم وبعد الانتهاء نهضت وأخذت الاطباق، فقال جاسم:

- ماذا تفعلين؟

- لقد انهينا الطعام سأعيد الاطباق إلى المطبخ.

- لن تعودي إلى العمل قبل رحيلي، هل تريدي ان اخبر حسام انكِ تزعجيني؟

- ماذا؟ ماذا؟ حسام بدون عمى! ألم تقُل انه صديق والدك؟

ثم شاور جاسم إلى لبنى لتأتي وتأخذ الاطباق وقال:

- عفوا احضري لي فنجانا من القهوة، وماذا عنك يا لقاء؟

- فنجانا من القهوة ايضا.

قالت لبنى إلى جاسم:

- حسنا، ومباركا لك يا جاسم تلك للخطبة.

- أي خطبة!! فهمت اذن انتن من سألوا عنى.

أجابته لقاء:

- نعم نحن، لقد قلقت عليك عندما تأخرت عن المجيء.

- ان الحارس قال هذا لأنه يعلم انى شخصٌ ملتزم ولست من ذلك النوع، اعتذر على سوء الفهم.

فكرت لبنى قليلا ثم قالت لجاسم: 

- ما رأيك ان تأتى معانا في رحلة القناطر الخيرية يوم الجمعة؟ سنتجمع امام المطعم في التاسعة صباحا.

تعجبت لقاء وقالت: 

- أي رحلة؟

نظرت إليها لبنى نظرة تخبرها سأخبرك لاحقا وقالت:

- أنسيتي الرحلة التي خططنا لأجلها مع خطيبي إياد؟

أدركت لقاء نظرة لبنى ثم قالت: 

- نعم، نعم الرحلة.

فقال لهم جاسم: 

- جيد سأكون متفرغ ذلك اليوم؛ ثم نظر جاسم إلى ساعته وقال: يبدو ان الوقت سرقني، هناك ميعادا هاما، هذه البطاقة بها ارقامي، مع السلامة.

ابتسمت إليه لقاء وقالت: مع السلامة.

 

في يوم الجمعة وصل جاسم وبقي منتظر وصول لقاء ولبنى وخطيبها، ولكن وصلت لبنى مع خطيبها فقط وقالت:

- ان لقاء لم تستطع المجيء وطلبت منى ان اعتذر لك عن غيابها.

- وما سبب عدم مجيئها؟

- في الحقيقة لقد طلب حبيبها السابق مقابلتها في نفس الميعاد من اجل ان يتصالحا.

- مَن؟!!!!

- حبيبها السابق ألم تكن تعرف؟ يبدو انى اخطأت بالحديث.

- لا يهم، ولكن كان يمكن ان تعتذر لقاء بالهاتف.

- لقد اضاعت البطاقة التي كان مسجل رقمك بها.

- حسنا، انا لدى موعد هام وجئت لاعتذر ايضا، تشرفت بمعرفتك سيد إياد، وداعا يا لبنى. 

وفى تلك الاثناء كان جاسم غاضب كلما فكر ان لقاء تركت ميعاده وذهبت للقاء حبيبها السابق، ومن يكون هذا؟ وظل يتوعد ويخطط لها بما سيفعله بصفته صاحب المطعم الذى تعمل به.

وكانت لقاء بمنزلها تفكر كيف حال جاسم بعد ان يسمع امر كذبة حبيبها السابق، وعندما سمعت لقاء صوت باب الشقة يفتح توجهت بلهفه إلى لبنى التي هي زميلتها بالسكن ايضا لتسألها عن رد فعل جاسم، اخبرتها لبنى انه غضب ورحل ولا تفهم معنى هذا فان كان خاطب قد يفعل مثل هذا التصرف إذا كانت خطبته ليست عن حب وتلك المحاولة لم تأتى بنتيجة واضحه.

 

في اليوم التالي عند وصول لقاء ولبنى إلى المطعم قالت احدى الفتيات: إن المدير حسام طلب حضور جميع العاملين الان بمكتبه؛ وبعد ان اجتمع جميع الموظفين قال المدير حسام:

- أعرفكم بصاحب المطعم جاسم كما ان لديه مطعم اخر وهو مطعم الاسماك بالشارع الرئيسي وكان يديره بنفسه.

ووقعت تلك الكلمات كالصاعقة على لقاء ولبنى، كما صعقهم ايضا انه كان يرتدى دبلة بيده، وقال جاسم:

رواية المصادفة (الفصل الثاني)

بقلم: أمنية نبيل

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author