كان لطفي جالساً بشرفة منزله الكبير يفكر كيف سَيُقسم الميراث بين أبنائه، فكان الابن الأول شاهين الذى لم يكن ابنه ولكنه قام بالتزوير وكتبه باسمه، والابن الثاني معتز الذى انجبته زوجته حنان بعد تأخرها في الانجاب ثلاث سنوات، والابنة الثالثة سالي الابنة التي لم يراها، وهى ابنة امرأة أجنبية تُدعى ماجي، تزوجها بالخارج أثناء سفره لمدة عام، ثم طلقها وعاد إلى مصر، وبعد ذلك اكتشف أن ماجي كانت حامل، وهو الان متلهف لرؤية ابنته بعد أن أرسل لها خطاب يخبرها أن عليها الحضور من أجل الميراث، وظل يفكر هل سيتقبل جميع أولاده تقسيمه.
وفي المساء وصلت إلى المنزل فتاة جميله في الثالثة والعشرين من عمرها، شعرها أصفر كالحرير وعيونها عسلية وبشرتها بيضاء، متوسطة القامة ورشيقة، فتح الخادم عاصم الباب وجعلها تجلس بغرفة الجلوس.
وكان عاصم رجلا في الخمسين من عمره، بشرته خمرية وعيونه سوداء وطويل القامة، وبالرغم من سنه إلا أنه كان خفيف الحركة.
ذهب عاصم إلى السيد لطفي بغرفته قائلا: هناك فتاة تنتظرك بغرفة الجلوس تدعى سالي، ومعها حقيبة سفر.
فقال لطفى: واخيرا جاءت ساعدني في النهوض يا عاصم؛ واتكأ لطفي على عصا فقد كان لطفي رجلا في الخامسة والخمسين من عمره، شعره أبيض وعيونه بنية وبشرته خمرية، كان قليل الحركة بعد أن أنهكه المرض.
نزل لطفي السلم واتجه إلى غرفة الجلوس، وطلب من عاصم تجهيز الغرفة المجاورة إلى غرفته من أجل تلك الفتاة، ولم يهتم كيف سيخبر الجميع بأمر ابنته التي لم يعلم أحد بأمرها، وعندما رآها لطفي شعر بنبض قلبه يزداد، واحساسه أخبره أنها حقا ابنته، فقام بالترحيب بها وكان سعيدا برؤيتها، ثم دخلت زوجته حنان إلى الغرفة قائلة: عرفنا ضيوفك يا لطفي؛ وكأنها تشعر بالغيرة على زوجها.
كانت حنان امرأة في الخمسين من عمرها، شعرها مصبوغ باللون البنى، وعيونها رمادية وبشرتها بيضاء، متوسطة القامة وبدينة قليلا.
فضحك لطفي وقال لها: هل وصلتك الأنباء سريعا يا حنان، سأخبركم جميعا بكل شيء؛ ونادى على عاصم وطلب منه إحضار أبنائه، فجاء إليه شاهين وكان شابا في الرابعة والعشرين من عمره، بشرته خمرية، شعره أسود وعيونه بنية، متوسط القامة، وجاء بعده معتز وكان شابا في الثالثة والعشرين من عمره، بشرته بيضاء وشعره بنى وعيونه رمادية وطويل القامة؛ ثم طلب لطفى منهم إغلاق الباب.
-قال لطفي: أتذكرين يا حنان عندما لم تنجبي في بداية زواجنا وطلبتي مني الزواج بغيرك لأصبح أبَّا، ولكني رفضت بشدة، وبعد سنه سافرت إلى الخارج لمدة عام، عندما شاركت في إنشاء مشفى استثماري مع صديقي الطبيب أمير، وعندما لم ينجح المشروع عُدنا سويا.
-نعم أتذكر، عندما اكتشفت أنك تزوجت بامرأة غيري، ثم طلبت منك الطلاق ولكنك قمت بطلاقها وعدت من السفر، وطلبت مسامحتي، فوافقت بعد أن وافقت على شرطي.
-نعم الشرط الذى كان أن نأخذ أي طفل ونكتبه بأسمائنا، ثم وجد عاصم طفلا أمام المسجد أثناء ذهابه لصلاة الفجر وهو شاهين.
-ماذا تريد أن تقول، فالجميع يعلم بأمر شاهين، لماذا تتذكر الماضي فجاءه؟
-رد لطفي قائلا: لأنه بعد أن طلقت ماجي، أرسلت إلي رسالة تخبرني أنها حامل، فراسلتها وطلبت منها أن ترسل رسائلها على عنوان صديقي الطبيب أمير، ومنذ ذلك الوقت أتلقى منها الرسائل سراً، فتلك الفتاة الحسناء التي أمامكم ابنتي سالي.
بقي الجميع في حالة من الذهول....
-قالت حنان: إن هذا جنان، كيف هذا؟! عليك أن تعلم أنها عملية نصب واحتيال.
-وقال معتز: ماذا يا أبي؟ الأول ابن مزور وتقبلت الامر، والآن لك بنت سراً، وماذا أيضا هل سيشاركنا عاصم في الميراث!!
-فقال لطفي: عليكم أن تهدئوا، أعلم أنها مفاجأة صادمة ولكني اقسم لكم أنها ابنتي، ولكن من الجيد أنك ذكرت كلمة الميراث يا معتز؛ أول شيء سأكتب ذلك المنزل الكبير باسمك يا حنان ومبلغ من المال قدره مليون جنيهاً، أما باقي ثروتي في حدود أربعة وعشرين مليوناً، الثلث إلى شاهين باعتباري تبنيته وكتبته باسمي، وكان لي خير الابن، الثلث الثاني إلى معتز، لأنه ابني ويجب أن يتساوى مع أخيه، الثلث الثالث إلى ابنتي سالي التي حُرمت من وجودي وحناني كل تلك السنوات الماضية.
غضب معتز وظل يقول ابنك الشرعي له مثل ذلك الذى ليس له أصل، ألا يكفي تربيته ورعايته كل تلك السنوات، وأيضا تلك الفتاة المحتالة التي لا نعلم ابنة مَن، تريد إعطائها ورثا أيضا، على الأقل تتأكد من أنها ابنتك.
وخرج من الغرفة وذهب في غضب إلى غرفته، وكانت عفاف زوجته جالسة بالغرفة، كانت عفاف شابة في الثانية والعشرين من عمرها، بشرتها بيضاء وعيونها زرقاء وشعرها بني محمر مموج ومتوسطة القامة.
-فقالت عفاف: ماذا هناك لما أصواتكم متعالية ومَن تلك الفتاة الحسناء؟
-فقال معتز: يا لذلك عاصم الذي ينقل الأخبار، إنها مصيبة يا عفاف، أتعلمين أن أبي سيكتُب ثلث الميراث إلى شاهين، ألا يكتفى بأنه أنفق عليه تلك السنوات، يريد أيضا إعطاءه الثلث.
-فقالت عفاف: وهل أنت لك الثلثين؟
-لا، الثلث فقط.
-وماذا عن الثلث الأخر؟
-إنه لفتاة محتالة تَدَّعي أنها ابنته.
-ماذا تقول؟! يبدو أن المرض أصاب والدك بالجنون؛ وإن كان كلامك صحيح، فإن هناك خياران، الأول أن ترفع قضية حجر، وتظهر حقيقة تزوير والدك لتبني شاهين، وأن تلك الفتاة محتالة، وهذا سببا كافي لتكسب القضية.
-ماذا؟ لا، لن أرفع قضية على أبي، ولكن لا أعلم كيف أوقف ذلك، كما أن أمي تحب شاهين وتعتبره بمثابة ابنها.
-إذن لم يتبقى سوى الحل الثاني، بدون أن تغضب والدك، وهو أن يتقلص عدد الورثة.
-ماذا، ماذا تقصدين؟
بقلم: أمنية نبيل
You must be logged in to post a comment.