كنت اجلس في عربة المترو عند الساعة العاشرة مساءا بانتظار محطتي ولاحظت ان العربة بها شخص واحد فقط ويرتدى ساعة ذهبية وفى إحدى المحطات دخلت امرأة عجوز ملابسها مليئة بالماء بسبب المطر، جلست بجانب هذا الشخص وبقيت تبكى وسمعت حديثهما حين سألها:
-ما الأمر يا جدة؟
-لقد سُرقت منى محفظتي وبها ألف جنيها لشراء دواء لحفيدي، ولا اعلم كيف سأعود إليه بدون الدواء.
اخذت العجوز المبلغ ونزلت معه لتحصل على الباقي ولم أجد نفسي سوى وانا اتبعهما ولا اعرف السبب وبعد ان سحب هذا الرجل المبلغ واعطاه للمرأة العجوز توجهوا إلى مطعم وهنا تعجبت كيف نسيت امر حفيدها وكان المطعم على وشك الإغلاق بسبب الأمطار ولقد تناولت الطعام بطاولة بالقرب منهما ثم ذهبت تلك العجوز لتغسل يدها وبعد قليل وجدت فتاة شابة خرجت من حمام السيدات بالمطعم وتحدثت مع النادلة ثم رحلت وبعد قليل جاءت النادلة لتطلب الحساب من الرجل صاحب الساعة الذهبية، فقال لها:
-هناك سيدة عجوز تغسل يدها، هل يمكنك استعجالها؟
-لا يوجد أي شخص، كما ان الفتاة التي خرجت للتو طلبت منى اعطاءك تلك الرسالة.
امسك الرسالة وقرأ المكتوب:
"شكرا على المبلغ"
وعندما سمعته ادركت ان تلك الفتاة هي نفسها العجوز بعد ان قامت بالتنكر، دفعت حسابي ثم عدت إلى المنزل وشغلت المدفئة وقمت بتحضير كوب شأى ساخن ونظرت من النافذة وانا افكر في تلك الفتاة وكيف سأصل لها، لان الفكرة التي تدور برأسي لن يتقنها سوى تلك الممثلة، وتذكرت المحطة التي دخلت فيها إلى العربة وقررت الانتظار في اليوم التالي.
جلست بانتظارها ولم تأتى ومر يوم ويوم وفى كل مرة ارتدى قبعة وأضع كوفيه حول رقبتي وفعلت هذا دون ملل حتى جاء اليوم الذى رأيت فيه تلك المرأة العجوز مرة أخرى ولم تتعرف عليّ، فصعدت بجوارها وجلست بالقرب من مقعدها وسمعت حديثها مع الشخص الذى ارادت النصب عليه وكان الحوار مختلف هذه المرة فقد كانت تقول:
-حفيدي بحاجة لعملية، فهل يمكنك مساعدتي؟ انه ما تبقى لى من رائحة ابنتي.
وبدأت بالبكاء وهنا اخرج هذا الرجل مبلغ مائتان جنيها وقال لها:
-هذا فقط المبلغ الذى معي؛ ثم أخرج بطاقة ارقامه، واخبرها ان تتصل به ليحضر لها مبلغ اكبر.
وبعد قليل تركته تلك الفتاة المتنكرة وجلست بجواري وقالت لي نفس الكلام، فقررت اعطاءها مائة جنيها وانتظرت أن تأتى محطتها وتبعتها هذه المرة حتى رأيتها وصلت إلى منزل قديم في أحد الشوارع الضيقة ولم تلحظ انى كنت اتبعها وعندها لم اعرف ماذا افعل ثم فجأة ناديت قائلا:
-أيتها الشابة العجوز.
نظرت خلفها ووجدتني أمامها ثم قالت:
-ارجوك لا تفضح امرى، دعنا نتحدث بعيدا عن هنا.
ذهبنا سويا إلى نفس المطعم وبدأت تحكى حكايتها قائلة:
-انا ادعى نبيلة ولقد عشت مع جدتي وعندما توفت خيرني صاحب المنزل اما ان اتزوجه واما ان يطردني من الشقة، فقررت ترك الشقة، وعشت بغرفة على السطح بمكان اخر وتنكرت بهيئة امرأة عجوز على انها جدتي كي لا يعرف احد انى اعيش بمفردي، وكنت ابحث عن عمل وجلست بالمحطة في إحدى المرات ابكى على جدتي وحالي من بعدها ثم وجدت امرأة وضعت بيدي المال وظنت انى أشحت، الحقيقة أعجبتني الفكرة، والان بعد ان كشفت امري هل تود العمل معي؟
ضحكت من قولها لهذه الجملة ثم قلت لها:
-لا، انا اريد ان تعملي أنتى معي.
-وما هو هذا العمل؟
-نفس الطريقة بس على طبقة اخرى وسنكسب الكثير من مال.
-تعجبني الفكرة، وما اسمك؟
-شاكر، والان سأحجز لك بفندق ودعي تلك الغرفة وذلك التنكر.
-اتفقنا.
في صباح اليوم التالي جلست نبيلة مع شاكر ووضعوا الخطة ان تعمل انها قارئة فنجان وجلست وهى متنكرة بهيئة امرأة بدوية مع إحدى رجال الاعمال ويدعى مراد وسكرتيره وكانت قد علمت الكثير من المعلومات عنه بواسطة شاكر ثم قالت الكلام الذى طلبه منها شاكر ان تقوله وهو:
-سيدى احذر هناك مَن يود قتلك.
-يود قتلى؟! انا؟!
-هذا كلام الفنجان.
قال سكرتير رجل الأعمال:
-أنتى دجالة، مديري ليس له اعداء.
-سترى الليلة الدليل، الليلة.
بعد ذلك تركتهم نبيلة وتحدثت مع شاكر قائلة:
-لقد قلت ما أخبرتني به، ولكن ما هو هذا الدليل؟
-انه كلام للبيع، اطمئني.
وفى صباح اليوم التالي بعد ان تناولت نبيلة الفطور قرات الجريدة فوجدت خبر:
"اصطدام سيارة رجل الأعمال الشهير مراد بشجرة قبل منتصف الليل بقليل"
وعلى الفور اتصلت بشاكر واخبرته بما في الجريدة وحاولت ان تفهم ما حدث فطمئنها شاكر قائلا:
-إنها مصادفة ليس أكثر ولا أقل، اطمئني.
-ماذا سيفعل مراد بي ان نجا؟! قد يظن أنى الفاعلة.
-اطمئني عندها سيستشيرك بالكثير من الأمور.
-لماذا انت متخفى عن السيد مراد؟ لماذا تتركني بمفردي؟
-إذا رأني سيعلم انى من اخبرتك بالمعلومات عنه، فهو يعرفني مسبقا.
-حسنا فهمت.
وبعد مرور ثلاثة أيام جاء اتصال إلى هاتف نبيلة من سكرتير السيد مراد وطلب منها المجيء إلى المشفى، لأن السيد مراد بحاجه للحديث معها بعد ان تحسنت صحته، فوافقت نبيلة وتحدثت مع شاكر قبل وصولها إلى المشفى ليخبرها بما ستقول إذا طلب منها مراد أن تقرأ فنجانه.
وصلت نبيلة إلى المشفى وتحدث معها مراد بمفردهما فقالت له نبيلة وهى خائفة مما ستقول:
-إن ابن اخيك هو..
-هو ماذا؟
-هو الذى دبر قطع الفرامل.
-هل ما تقولينه صحيحا؟!
-نعم، واسمه ف.. فر..
-فريد.
-نعم هذا هو، الاسم ليس واضحا تماما بالفنجان.
-هذا رد جميله لي؟! بعد ان ساعدته ماليا.
-الان انتهى دوري دعني اذهب.
-حسنا.
وبعد ان ذهبت نبيلة دخل السكرتير إلى الغرفة وتحدث مع السيد مراد، واخبره أن فريد ابن اخيه بالخارج ويود الاطمئنان عليه، فرفض مراد مقابلته لأنه بحاجه إلى الراحة.
بعد مرور أسبوع من هذا خرج السيد مراد من المشفى وعاد إلى قصره وفى صباح اليوم التالي قابل نبيلة واخبرها انه سيقيم الليلة احتفال صغير فقالت له:
-لا تشرب عصير التفاح.
-لماذا؟
-هذا طلب فنجان القهوة، هذا العصير ليس لك.
-لمَن اذن؟
-هذا ل.. فريد.
-حسنا فهمت.
ثم اخذت مبلغ كبير مثل كل مرة ورحلت.
وفى المساء قام بعمل الاحتفال الصغير بمناسبة خروجه بالسلامة من الحادث وقامت الخادمة بتوزيع العصير الجميع برتقال باستثناء السيد مراد فالعصير الخاص به هو التفاح ثم جلس مراد بجوار فريد وقال:
-هل يمكننا تبادل الكؤوس؟ فأنا اريد البرتقال.
-حسنا يا عمى.
وقام الاثنان بتبادل الكؤوس وبعد أن شرب فريد العصير صرخ وهو يمسك بمعدته ووقع على الأرض، وعندما جاءت الشرطة كان السيد مراد فى غاية الذهول واخبر الشرطة بما حدث وأنه كان المقصود بالسم فالجميع يعرف أن السيد مراد يفضل عصير التفاح، وبدأ الضابط الشك بجميع المدعوين والبحث عن زجاجة السم.
تحدث الضابط مع الخادمة وسألها:
-أنتى من احضر العصير؟
-نعم، اشتريت في الصباح اكثر من زجاجة لعصير البرتقال وزجاجة واحدة لعصير تفاح للسيد مراد.
-ومَن دخل إلى المطبخ؟
-لا أعلم، فقد وضعتهم بالثلاجة وانشغلت بتحضير طعام العشاء وخرجت قبل المساء لشراء بعض الاشياء.
-حسنا.
لم يتم العثور على زجاجة السم، وكانت السم قد وُضعا داخل زجاجة التفاح، والغريب ان هناك شخصا يحاول التخلص من السيد مراد مره عند قطع الفرامل، ومره عند السم.
كانت حالة السيد مراد سيئة بعد وفاة ابن اخيه والوريث الوحيد له حتى بالرغم من انه حاول قتله بقطع الفرامل الا انه لن ينسى انه كان ضحية شخصا ما اراد تسميمه وهذا عندما قال في نفسه:
-لو كان هو مَن وضع السم، لم يكن ليشرب العصير ابدا، اذن مَن وضع السم؟
ثم فكر في نبيلة ربما لديها الاجابة لهذا وحاول السيد مراد التواصل معها ولكن كان رقم هاتفها مغلق فقال في نفسه أين اختفت تلك البدوية؟!
وبعد أيام وصلت رسالة إلى السيد مراد من ابن اخيه ويدعى شاكر، تعجب مراد من الرسالة وقال في نفسه هل اخي لديه ابن اخر غير فريد؟! واين كان طوال هذه المدة؟ ولماذا لم يخبرني فريد أن له اخ؟
You must be logged in to post a comment.