كانت نجلاء تسير بين الطرقات شاردة الذهن وهى تفكر كيف ستنفق على اخيها الصغير بعد ان تم رفدها من العمل، وبدون ان تشعر وجدت نفسها امام سيارة على وشك الاصطدام بها ولكن السيارة انحرفت كي تتفاداها وفرمل فرملة سريعة واصطدم بالرصيف، اتجهت نجلاء تجاه السيارة وجدت شاب وفتاة، وكان الشاب واعى اما الفتاة كانت فاقده للوعى، بقيت نجلاء تعتذر له وذهبت معه للمشفى للاطمئنان على تلك الفتاة.
وعند وصولهم للمشفى كانت هناك اصابة طفيفة للفتاة ولكنها بقيت تقول للشاب:
- رامز اتفاقنا لاغي، لن اكمل معك التمثيلية كدت افقد حياتي.
- انها كدمة طفيفة، وأنتِ بخير الان.
- لا، انتهى الموضوع.
- ليس هناك وقت لاستأجر فتاة تمثل انها خطيبتي.
- انها ليست مشكلتي، يكفى ما حدث.
- عائلتي بانتظاري وان ذهبت من دونك سيكتشفون كذبتي، ما رأيك انى سأزيد المبلغ؟
- لا تتعب نفسك، لا يعني لا!
استسلم رامز وخرج من الغرفة وصب غضبه على نجلاء قائلا:
- كل هذا بسببك، انا الان في ورطة.
- انا لا افهم شيء، ما الامر؟
- كنت اقيم في مدينة اخرى لأسباب شخصية، ومن فترة قريبة ابى أصر علي ان اخطب ابنة عمى ولكنى اخبرته انى خطبت فتاة من عائلة ثرية مثلنا وكانت تلك الفتاة ستؤدى دور مخطوبتي الثرية ومن عائلة عريقة، وانا عائد لزيارة عائلتي الان وكانت مناسبة لهذا الدور فهي خريجة معهد تمثيل والان ترفض العرض حتى لو ضاعفت المبلغ.
- مبلغ أي مبلغ؟
- كانت ستقيم بقصرنا مدة اسبوع وتتعرف على العائلة، وقصاد تلك التمثيلية مبلغ عشرة الاف جنيها، ودفعت لها مقدما خمسة الاف جنيها.
- هل مدة اسبوع اقامة بالقصر واكل وشرب مجانا؟
- نعم.
- لا مشكله، سأقوم انا بذلك الدور وسآخذ الخمسة الاف الاخرى.
فنظر اليها نظرة شاملة ثم قال
- وماذا تعرفين عن حياة الثراء؟ تبدين فتاة بسيطة وقد ينكشف امرك.
- لا تقلق فقد شاهدت مسلسل هوانم جاردن سيتي، واستطيع تقليد الهوانم.
ضحك ضحكة عالية ثم قال:
- ليس لدي خيار فليس لدينا وقت، هيا نشترى ملابس جديدة غالية لترتديها امام عائلتي.
- ملابس جديدة ولكن بدون ان تخصم من المبلغ.
- اذا نجحتِ قد ازيد المبلغ.
- هناك امرا صغير قد نبدو صادقين اذا كان معي شخصا نقول انه أخي في عمر عشر سنوات تقريبا، ما رأيك؟
- فكرة جيدة، ولكن ليس لدينا وقت لنبحث عن احد.
- لن تبحث انه أخي الوحيد، والحقيقة ليس لنا إلا بعضنا، واطمئن فقد شاهد مسلسل باشوات جاردن سيتي.
- حمقاء لا يوجد مسلسل بذلك الاسم.
- ربما، ولكنه يجيد التمثيل اذا اخبرناه انك ستعطيه ألف جنيه وهذا حقه نحن لسنا نصابين، وهو طفل رقيق حساس وكلما كنت انظر إليه شعرت وكأنه ارستقراطتاى.
- ارستقراطتاى!! يبدو اني تورط بكِ اكثر من تورطي مع أهلي، اسمها أرستقراطي.
ابتسمت نجلاء وقالت:
- لن تتوقف عن شكري بعد اسبوع، وتذكر هذا، توجه للشارع القادم فهناك مسكننا.
كانت شقة بالسطح مكونة من غرفة وصالة وكان الاساس قديم، وظلت تنادى: امير، امير.
فوجد صغيرا وجهه ملئ بالأوساخ وملابسه ممزقه وقال لأخته:
- نجلاء لقد ضربت ابن جارتنا كي آخذ منه رغيف عيش باللحم لنأكله سويا، ولكن من هذا الشخص؟
ونظر امير إلى رامز وقال:
- معك خمسة جنية، ارجوك أعطيني خمسة جنيه.
فأخرج رامز محفظته، فشّد امير المحفظة واخذها وجرى ووقف خلف نجلاء وقال:
- انها مليئة بالأموال، من هذا الغلوب (كان يقصد غلوب بمعنى غلبان).
- قال رامز: غلوب!! نجلااااااء
- فقالت نجلاء: امير اعيد إليه محفظته، فهذا الرجل سيأخذنا إلى قصره مدة اسبوع اكل، شرب، نوم، ملابس جديدة وفوق ذلك سنحصل على عشرة الاف جنيها.
قاطعها رامز قائلا:
- تقصدين ستة الاف، خمسة لكِ والف لأخيكِ.
- ألم اخبرك انك ستزيد المبلغ لبراعتي أنا وأخي في التمثيل؟ ولا تقاطعني لأشرح لأخي.
- حسنا تفضلي، ولكن اسرعي فليس هناك وقت.
- كما قلت لك أخي عشرة الاف جنيها، وهذا عندما نقوم بتمثيل اننا اثرياء وانا مخطوبة ذلك الغلوب وانت أخي كما انت، افهمت؟
- نعم فهمت سأقوم بدور الطفل الثرى هذا شيئا سهل.
نظرت نجلاء إلى رامز وغمزت له وقالت: لا تقلق.
أوصلهم رامز إلى محل ملابس عريق ورأت نجلاء فستانا سعره ألفين جنيها، فقالت نجلاء إلى بائعة المحل:
- لماذا ألفين جنيها يا نصابين؟ ده انا افصله بعشة جنيه.
أوقفها رامز عن كلامها واعتذر للبائعة وقال: سأشتريه
وطلب من نجلاء وامير ان يختاروا فقط الملابس بدون نقاش، وبعد ان انتهوا اثناء خروجهم من المحل صدر صوت الانذار الذى يدل على ان هناك ملابس مسروقة، فأوقفهم الامن ونظر نجلاء وامير إلى بعضهما، اما رامز كاد يفقد وعيه وقال بهدوء:
- من منكم اخذ شيء خلسة؟
اخرجت نجلاء بنطلون من حقيبتها واما امير كان يرتدى قميص تحت ملابسه، فاعتذر رامز وطلب عدم ابلاغ الشرطة ومقابل ذلك دفع مبلغ تلك الاشياء مضاعف، وبعد ذلك تحدث رامز بعصبية حادة وهو ينظر إلى نجلاء قائلا:
- لمَ اتورط معكم وانتم حسالة وناس وضيعه؟
- انت لا تعرف شيء عن حياتنا، ليس لنا احد.
وبدأت بالبكاء واكملت قائلة:
- أنا المسؤولة عن أخي، اتعلم كيف نمر اليوم ونحن نفكر كيف سنأكل غدا؟ اتعلم انى اعمل فترتان في فصل الدراسة ليتعلم أخي؟ اتعلم اننا نتجمد في الشتاء من البرد ولا نجد الغطاء؟
فأنت لا تعرف معنى الجوع، البرد، المرض، وليس لديك مالا للدواء وبالنهاية تدعونا بالحسالة، نحن نحارب كي نعيش.
تأثر رامز بذلك الكلام واعتذر بشدة عن كلماته المفلتة..
- فقالت نجلاء: لا تعتذر.
وبدأت تمسح دموعها بكم ذراعها، وعندما رآها تمسح دموعها بهذه الطريقة قال:
- تفضلي منديل، لما تنظرين إلي هكذا؟ ألا تعلمين ان الدموع تمسح بمنديل؟
- شكرا لك، انا لم اكن اعلم وعشت طوال حياتي انتظر شخصا غلوب مثلك ليخبرني.
- لا تقولي غلوب، وانت يا صغير اياك ان تتلفظ بأي شيء غريب.
- اطمئن يا خطيب أختي، لن ازعجك ولكن أين التريكه (كلمة غريبة)؟
فقال رامز:
- اين ايه؟
- ألعب باليه، انه غلوب خالص يا نجلاء.
ضحكت نجلاء وقالت:
- ربما يحتاج الى تعلم الكثير
- قال رامز: انتم صدااااع، لا يتفوه احد بكلمه حتى نصل.
وصعدوا إلى السيارة وهم الان في طريق وصلهم إلى قصر العائلة...
في القصر العريق، كان هناك بوابة عملاقة وقال الحارس:
- سيد رامز، اهلا بك.
- اهلا بك يا عم حامد، احمل حقيبة السفر للداخل.
- نورت القصر، سأدخل الحقيبة الان.
وكانت واقفة عند باب القصر الخادمة هنادي قائلة:
- مرحبا بك يا بني.
- هنادي العزيزة، اعرفك انها مخطوبتي نجلاء.
وقال امير: وانا أخيها سيدتي.
- كم هي جميلة، احسنت الاختيار يا رامز، ولكن هل عدت لتقيم معانا دائما ام اقامة مؤقته؟
- اقامة مؤقته، أنتِ تعلمين اني لن اعود مطلقا.
- يا بني انسى انها كانت حادثة غير مقصودة لست السبب.
فقال امير بصوتا خافت: لست السبب سأعلمك الادب.
ضربت نجلاء على رأس امير، واكمل رامز كلامه إلى هنادي كي لا تلحظ ذلك:
- اغلقِ هذا الموضوع الان فانا لا اريد تذكره، والان اخبرني اين أبي؟
- بانتظارك بالداخل.
امسك رامز يد نجلاء وامسكت نجلاء يد امير، وكان بانتظارهم والده خليل ووالدته سماح، وكان هناك ايضا عمه جميل وزوجته حنان وابنتهما جميلة وكانت حقا جميلة.
قال رامز:
- اهلا بكم جميعا، اعتذر عن تأخري، اقدم لكم مخطوبتي نجلاء واخيها الصغير امير.
قالت نجلاء:
- مرحبا بكم، تشرفوا بمعرفتكم اقصد تشرفنا بمعرفتكم.
فقال امير إلى سماح والدة رامز:
- تبدين جميلة سيدتي، أمتأكدة ان رامز ابنك وليس اخيك الصغير؟
ضحكت سماح وقالت:
- تبدو طفلا ذكيا، احسنت الاختيار يا رامز خطيبتك حسناء.
ثم نظرت إلى هنادي وقالت:
- من فضلك يا هنادي اوصليهم إلى غرفهم كي يرتاحوا حتى تعدين العشاء، واعدى غرفة اخرى لضيفنا غير المتوقع امير.
- تمام سيدتي، هيا يا نجلاء سأوصلك إلى غرفتك.
- قالت نجلاء: لا بأس سيبقى أخي بغرفتي.
تعجب خليل والد رامز وقال: وكيف هذا؟ ألستم معتادين على ان لكل فردا غرفة؟
شعرت نجلاء بخطائها وانها كادت تكشف نفسها، ولكن رامز انقذ الوضع وقال:
- في الحقيقة ان نجلاء تخشي النوم بمفردها، لذلك تبقى معها خادمة بالغرفة ولكن ليس من اللائق ان تحضر هي وخادمتها لذلك جاء أخيها بدلا من ذلك.
- فقالت جميلة: لماذا لا تتعالجين؟ انه مرض نفسي من انواع الخوف.
صمتت نجلاء قليلا ولكن رد امير وقال:
- لا تقلقي يا جميلة، قريبا ستتزوج أختي من رامز ولن يكون هناك داعى للعلاج، ولكن التدخّل في شئون الاخرين مرض ايضا يحتاج إلى العلاج.
- ماذا تقصد يا ولد؟ عليك ان تتحدث مع من يكبرك سنا بأدب.
- تقصدين انى قليل الادب!! والدتك التي تقف هناك أترينها؟! اسمها رجب.
وضحك امير ونجلاء ولم يستطع رامز كتم ضحكته..
ولكن قالت حنان:
- هل والدتك هي التي ربتك تلك التربية؟!
تدخل رامز قائلا:
- انه حديث طفل يمزح ولا يقصد شيء واعتذر على الازعاج، سنذهب الان ونستريح، يا هنادي دعي نجلاء وامير بغرفة واحده، هيا بنا نصعد يا نجلاء هيا يا امير.
بقلم: أمنية نبيل.
You must be logged in to post a comment.