صعدت فاتن إلى غرفتها وأغلقت الباب، أما سهيلة شعرت بحزن، كيف تمسك فاتن سرها إلى هذه الدرجة؟ فالطبيعي أن تحكى لها فاتن باعتبار أن سهيلة ليست ممرضة فقط ولكن بمثابة صديقة أيضا.
عاد حسن إلى شقته الصغيرة وهو يفكر في نظرات فاتن إليه ثم يقول: إنها مريضة، نعم مريضة.
وعاد ليفكر ويقول: كيف لتلك الحسناء الرقيقة أن تكون مجنونة؟ يا ليتها كانت عاقلة، علي أن أذهب إليها مرة أخرى، لأعتذر إليها. ولكن إذا كانت بالمشفى منذ عشر سنوات، إذن دخلت إلى المشفى وهى طفلة في العاشرة تقريبا من عمرها، وإذا أَصدَقت قولُها فربما زُرعت تلك الشجرة منذ عشر سنوات، كم أنا غبي، كان من المفروض أن أسألها متى رأت تلك الجريمة؟ فإذا كان هذا صحيحا إذن دخولها المشفى منذ البداية خطأ، من الجيد أني أخبرت الحارس أثناء رحيلي أني سأعود لمقابلة المذيعة مرة أخرى لأنه جاءني الآن اتصال بمقابلة أخرى، ولا داعى للانتظار الآن، الآن علي التحدث معها مرة أخرى، كما علي معرفة أي مشفى كانت تتعالج به للاستفسار عن سبب دخولها المشفى، ولكن لمَ أفعل هذا؟ علي أن أنسى الأمر من بدايته.
ثم عاد وقال: ستكون فقط محاولة أخيرة ليطمئن قلبي، والآن علي البحث عن معلومات عن نجوى إذا استلزم الأمر وقابلتها مفاجأة، من حسن حظي أنها لم تعود إلى المنزل وأنا هناك ولكن ليس كل مرة تسلم الجرة.
وقام حسن بتشغيل جهازه الإلكتروني وكتب السيرة الذاتية للمذيعة نجوى صفوان، ثم بحث وبدأ يقرأ ويسجل في دفتره.
• تملك قناة فضائية.
• تعمل مذيعة لبرنامج مدته ساعة ونص خمس أيام بالأسبوع، برنامج اجتماعي.
• بدأت في مجال الإذاعة منذ أحد عشر سنة.
• كانت طبيبة تجميل.
ثم تفاجأ وقال: ماذا، ماذا؟! هي طبيبة تجميل وليست خريجة إعلام! ما هذا التحول؟ أليس من الأفضل أن تملك مشفى استثماري خاص بالتجميل؟ ولكن ما دخلي أنا ربما كان حلمها أن تكون مذيعة.
وبقي يكتب حسن الملاحظات ويحفظها عن ظهر قلب تحسبا لأي ظرف طارئ.
جاءت المذيعة نجوى إلى شركة زوجها لتتحدث معه خارج المنزل كي لا يسمعهم أخد بالمنزل.
- فريد، أتدرك خطورة أن يصل الأمر إلى الشرطة؟
- لا تعطيهم اهتمام، سنفعل ما ننوى عليه ولا تنسي يا عزيزتي هي مجنونة.
- ولكني قلقة وأخشى من انكشاف جريمة الماضي.
- لا تقلقي فكل شيء تحت السيطرة، فتلك الجثة قمت بتغير مكان دفنها بعد أن بدأت فاتن بسرد ما حدث وتوريطنا، غيرت مكان الدفن، كما أني أدخلتها المشفى بمساعدة الطبيب صديقك وبعد تلك الأدوية التي تناولتها على مدار عشر سنوات أصبحت حقا مجنونة.
- ولكن كيف تفسر ما فعلته وهى بالسفينة؟
- ربما كان علينا التخلص منها بطريقة أفضل من تلك الطريقة، وهي الآن حبيسة المنزل وهذه فرصتنا.
- لمَ كل هذا العند؟ لمَ لا تتركها بالمشفى؟
- كان يجب أن أُخرجها بسبب ذلك المبتز، لم أستطع تحمله، وإذا تخلصنا منها لن يجرؤ على البوح بالحقيقة لأن مشفاه ستُغلق حينها إذن وسيكون شريكا معانا.
- كيف ستتخلص منها؟
- يجب أن يتم على هيئة انتحار، ولا أرى سوى أن نعلقها بالسقف.
- ولكن أولا اعطى إجازة لتلك الممرضة فهي كظلها.
- لا، فهذا سيزيد الاشتباه بنا خاصةً بعد التنويه أننا ننوي قتلها.
- إذن ماذا ستفعل؟
- الأمر بسيط عزيزتي، سنضع لها حبة منوم وستخلد في نومٍ عميق وعندما تستيقظ لن تشك بالأمر.
- كم أنت ماكر يا عزيزي؟ والآن أريد منك مبلغا من المال لافتتاح قناة أخرى، ولكن أرجو ألا تفكر في قتلي أنا أيضا.
وضحكت ضحكة عالية، أما فريد ابتسم وقال بلطف:
- كله إلا أنتِ عزيزتي، ولكن بعد أن نتخلص منها سأفعل لكي كل ما تطلبين، والآن انهيت عملي، ما رأيك بالعودة باكرا للمنزل؟ فقد اشتقت لابنة أخي.
وضحكا الاثنان بصوتٍ عالٍ...
في منزل السيد فريد حاولت سهيلة التحدث مع فاتن مرة أخرى، ودخلت الغرفة وحاولت أن تشجع فاتن على التحدث وقالت:
- فاتن هل تثقين بي؟
- نعم أثق بكِ كثيرا.
- لمَ تخفين عني أمرا ما؟ هل تظنين أني سأُكذبك؟
- لا على العكس، لأني أخشى على حياتك إذا صدقتي ما أقول.
- لا تقلقي، والآن اخبرني.
- أتعلمين أن عمي قتل شخصا ودفنه ثم زرع تلك الشجرة؟
- أحقا ما تقولين؟
- نعم، وعندما علما أني علمت بالأمر أدخلوني تلك المشفى.
- كم هم أُناسا قاسيين ومجرمين.
- علينا الاتصال بالشرطة لإخراج الجثة.
- لا، لا سنحفر أولا وبعد أن نجدها نُبلغ الشرطة، وبما أن عمك وزوجته يعودون في وقتٍ متأخر إذن فلدينا متسعا من الوقت للحفر، هيا بنا.
- أشكرك يا سهيلة لأنك الوحيدة التي تصدقينني، هيا بنا.
وأثناء نزولهما من الطابق الثاني، كان فريد وزوجته يفتحون باب المنزل، بدا على وجه فاتن نظرات الحزن أما سهيلة أسرعت في الحديث قائلة: أهلا بعودتكم باكرا اليوم.
- فقال فريد: نعم قررنا العودة لتناول الغداء مع حبيبتنا فاتن.
- وقالت نجوى: سنطلب طعاما جاهزا اليوم، سأطلب فطيرة باللحم، وماذا عنك يا فريد؟
- مثلك يا عزيزتي، وماذا عنكِ يا فاتن؟
بقيت فاتن صامته بنظراتها الحزينة، فقالت سهيلة:
- إن فاتن تحب حساء البامية باللحم، سأطلبه لها.
- فقالت نجوى: واطلبِ لنفسك شيئا أيضا يا سهيلة، وسنتناول الطعام سويا بغرفة الطعام.
- حسنا إذن.
وخرجت فاتن عن صمتها قائلة:
- لا سأتناول الطعام بالغرفة، ومشيت باتجاه غرفتها مرة أخرى.
وأثناء تناول الطعام، قال فريد إلى سهيلة:
- أنا حزين على حالة فاتن، وعلى كامل استعداد بدفع نصف ثروتي لو كان سيتم بذلك شفائها، ولكن ما باليد حيلة.
وبكت نجوى قائلة:
- كفاك يا عزيزي، إنه القدر، وسنحاول بقدر الإمكان تعويضها والعمل على سعادتها ما بقي لنا من العمر.
وكانت سهيلة تقول في نفسها: كم هم عطوفين، وبدأت تتشجع لقص ما حدث قائلة إليهم:
- سأخبركم بسر، أنا أرى إن فاتن تظن أنكم تريدون قتلها، ولكن هذا لأنها تظن أن هناك جثة مدفونة تحت شجرة بالحديقة، فإذا حفرنا حول الشجرة ولم يكن هناك أي جثة ربما تفيق فاتن أو على الاقل تتوقف عن سوء الظن تجاهكم.
قال فريد بغضب:
- جثة أي جثة! تلك اللعينة، مازالت تردد ذلك الكلام.
حاولت نجوى تهدئة زوجها قائلة:
- اهدئ يا عزيزي، إنها مازالت مجنونة ولم تشفى بعد.
- نعم، نعم، أعتذر عن غضبي يا سهيلة، ولكن كما ترين نعاملها أفضل معاملة ولا نجني سوى المتاعب.
- أتفهم ذلك يا سيد فريد، أعتذر عن وقاحتي ولكن كل ما كنت أقصده هو إعطائها فرصة لترى الحقيقة، فقد كنا سنحفر قبل عودتكما بلحظات، وكنت سأفعل ذلك لترى فاتن الحقيقة بعيونها، أن لا وجود للجثة سوى في خيالها.
فوافق فريد وزوجته على ذلك الاقتراح، وأخبراها أنهم سيخرجون في الصباح غدا ولن يعودوا إلا في المساء، ليكون هناك متسعا من الوقت للحفر على راحتهما، فشكرتهم سهيلة على تعاونهما.
عاد فريد وزوجته إلى غرفتهما في المساء:
- ماذا نفعل يا فريد؟ أرى أن الوضع بدأ يسوء.
- على العكس فكل شيء يخدمنا، ستحفر سهيلة وستكون شاهدة على جنان فاتن، وستصدق أنها إحدى كذب فاتن، وعند إذ مقتل فاتن سيكون أقرب للانتحار.
- عليك الإسراع بتنفيذ خطتك.
- حسنا غدا في المساء، سأضع المنوم في أي مشروب وسأقدمه إلى سهيلة، ثم اشنق فاتن وأعلقها، وعندها ستظن سهيلة أن فاتن انتحرت لأنها كذبتها.
ثم ضحك الاثنان بصوت عالٍ مرة أخرى..
قبل خلود سهيلة إلى النوم ذهبت إلى غرفة فاتن لإعطائها الدواء وطمأنتها قائلة:
- في الصباح يا فاتن سنحفر سويا حتى نجد الجثة.
وكانت تلك الليلة أول ليلة تنام فاتن وهى مطمئنة ومنتظرة إظهار الحقيقة.
في الصباح تناول فريد وزوجته الفطور ولأول مرة نزلت فاتن لتتناول معهم الفطور ومعها سهيلة، وكان زبدة ومربى وجبنة وخبر وشاي ساخنا، وبعد الانتهاء من تناول الفطور قال فريد:
- كم أنا سعيد بحضورك معانا أثناء الفطور، ولكن لن نتناول الغداء معا فقد أعود في وقتٍ متأخر.
- وقالت نجوى: وأنا أيضا يا عزيزي، فاليوم حلقة مباشرة من برنامجي، كم يؤسفني هذا يا فاتن.
- فقالت فاتن: لا بأس، سأتناول معكما العشاء.
وبعد أن رحل فريد ونجوى قالت فاتن بنشاط:
- هيا بنا يا سهيلة.
وبعد ساعة من الحفر وجدوا أمامهم حسن وهو يقول: أتحفرون بدوني؟
فقالت فاتن بنبرة لوم:
- ألم تقل أني كنت أحلم؟ لمَ عُدت؟
- لأني ظننت أني مخطئ، وربما أنتِ بحاجة لفرصة لإثبات صدق ما تقولين، والآن أعطيني هذا عنك سأحفر أنا، إنه عمل الرجال.
You must be logged in to post a comment.