رواية رسالة استغاثة

كان الصياد حسن يرمي بشبكة الصيد وينتظر رزقه من السمك مثل كل يوم، ولكن عندما أخذ الشبكة هذه المرة وجد مع السمك زجاجة وبداخلها رسالة، فقام بفتح الزجاجة ليقرأ الرسالة وكان مكتوبا بها:

" يا من تقرأ الرسالة انقذني، أنا محبوسة داخل سفينة وعمي فريد ينوي قتلي، وزوجته نجوى صفوان، أرجو أن تأتى بالشرطة وتلحقني، السفينة مكتوبا عليها من الخارج القمر اللامع، واسمي هو فاتن. "

 

اتصل حسن بالشرطة أو بالأخص الضابط ابن عمه، وأخبره بما حدث وبتلك الرسالة ، فقال ابن عمه:

- سأتولى الأمر، لا تقلق.

وعندما وصلت الشرطة البحرية لتلك السفينة، قال السيد فريد:

- ما الأمر؟

فتحدث الضابط قائلا:

- أين هي فاتن؟

فقالت فتاة حسناء بصوت رقيق:

- أنا فاتن.

- هل أنتِ من كتبتِ تلك الرسالة؟

- نعم أنا.

- من الذي يريد قتلك؟

- فريد هذا وزوجته نجوى هذه، سمعتهم يقولون وأنا مارة بجوار غرفتهم أنهم سيتخلصون مني.

ووقع نظر الضابط على نجوى وكانت نجوى صفوان المذيعة الشهيرة وعرفها الضابط على الفور، هنا تدخل السيد فريد في الحوار قائلا:

- حضرة الضابط أريد التحدث معك قليلا قبل أي شيء على انفراد.

أولا أعرفك بنفسي أنا السيد فريد صاحب أكبر شركة شحن بحرية وتُدعى القمر اللامع، وزوجتي غنية عن التعريف فهي مذيعة مشهورة، أما عن فاتن فهي مريضة نفسية وخرجت من المصحة منذ بضعة أيام، وعلى حسب نصيحة الطبيب علينا تغير الأجواء لها، لهذا خرجنا في تلك الرحلة ولكن يبدو أن حالتها أسوء مما ظننت.

- وما الدليل على أنها مريضة نفسية؟ ومن تكون أنت بالنسبة لها؟

- أنا عمها، تفضل إنها أوراق من المشفى أحملها معي أثناء وجودي معها، تحسبا لأي أمر طارئ، كما إني رجل ثري، وزوجتي امرأة مشهورة ونعطف على ابنة أخي الفقيرة التي ليس لها أحد، كما أننا لم نرزق بأبناء وقد أخرجتها من المصحة بعد أن تأكدت أن حالتها تحسنت، ونريد فقط أنا وزوجتي أن نأنس بها.

- حسنا، إذن عليكم أن تكونوا أكثر حرصا، والأفضل العودة الآن والتوقف عن تلك الرحلة، ونصيحة إذا عادت لمثل هذه التصرفات عليكم إعادتها للمشفى الصحي. 

- لا تقلق فسأتركها بالمنزل، وأضع جميع الاحتياطات، وأعتذر عما حدث.

- إذن علي الذهاب الآن إن كان الأمر كذلك، ولكن اعلم إذا حدث أي شيء مجددا ستتحمل أنت النتيجة.

- نعم أتفهم هذا، ولكن اعذرني، كيف توصلت إلى هنا وعلمت بأمرنا؟

- جاء بلاغ إلى الشرطة بأن هناك فتاة تطلب المساعدة وحمايتها من القتل في رسالة ومكتوب اسم السفينة. 

- حسنا، حسنا.

وخرجا معا، وقال ضابط الشرطة: سنرحل الآن.

فقالت فاتن وهي تنظر إلى الضابط: 

- ألم تأخذه معك؟ إنه يريد قتلي هو وزوجته.

- لا تقلقي يا عزيزتي، إنه عمك ولن يؤذيكِ، كما إن زوجة عمك مذيعة مشهورة، تساعد الناس ولن تؤذيكِ، اطمئنِ.

- أنت مثل الباقي، لا تصدقني. 

ثم بكت وتوجهت إلى غرفتها بالسفينة، ورحلت الشرطة، ثم نظر فريد إلى زوجته قائلا:

- يبدو أن علينا تأجيل الأمر. 

 

عادت تلك العائلة إلى المنزل، وكان منزلا كبير عبارة عن ثلاث بنايات من الخارج ملتصقه بميل، إذا نظرت إليه من فوق لوجدته وكأنه أشبه بحدوة الحصان، وبه حديقة واسعه خضراء مليئة بالأشجار، وحمام سباحة ونافورة عملاقة ، وكان المنزل من الداخل مليء باللوحات الأثرية، وأثاث المنزل والغرف أثرية أيضا، والأواني ذهبية وفضية.

عندما وصلت العائلة توجهت الممرضة سهيلة نحو فاتن قائلة لها:

- مرحبا بعودتك، والآن سأوصلك إلى غرفتك. 

تحدثت فاتن مع الممرضة سهيلة قائلة:

- لا تتركيني بمفردي مرة أخرى.

- هل حدث خطب ما؟

- نعم، لقد أراد عمي وزوجته رمي من السفينة. 

- أحقا ما تقولين؟

حاولت سهيلة التجاوب مع فاتن حتى تتكلم فاتن على راحتها، ولتكسب ثقة فاتن مع أنها لا تصدق أي كلمة من هذا، ولكن براءة فاتن جعلتها تكمل حديثها وهي فَرِحه بأن أحد يصدقها.

- نعم سمعتهم بأُذني، ليس هذا فقط بل أحضرت الشرطة إليهم، فقد أرسلت رسالة ورميتها بالنيل، ويبدو أن أحداهم التقطها وأبلغ الشرطة، ولكن عمي خدعهم. 

- من الجيد أنكِ فعلتي هذا، ولكن عليك الآن أن ترتاحي وتأخذي الدواء، وأنا سأُطفئ الإضاءة وأُغلق الباب، نوما هنيئا.

خرجت سهيلة وهى تقول: كم أشعر بالشفقة على فاتن، فهي واهمة، فالرسالة إذا رمتها بالبحر ستذوب كلماتها،

يبدو أن حالتها تزداد سوءا.

ثم توجهت سهيلة إلى غرفتها بذلك المنزل الكبير المجاورة لغرفة فاتن.

 

في الصباح كانت فاتن تتمشى بالحديقة وسمعت صوت شاب ينادي باسمها:

- فاتن.

فألتفت وكان ذلك الشاب الصياد حسن، قام بتعريف نفسه وقال:

- أنا من قرأت رسالتك، وأبلغت الشرطة، ولكني لم أعلم نتيجة اتصالي، وكان الوصول إلى عنوانك أمرا سهلا، والمهم الآن أنك بخير، ولكن اشرحي لي، لماذا تركتهم الشرطة؟

- تركتهم لأن عمي أخبرهم أني مجنونة، وأنا لست مجنونة.

- ولماذا يقول هذا؟

- لأني رأيت عمي وهو يقتل شخصا ما.

- ومن يكون ذلك الشخص؟

- لم أراه، فقد كنت أقف بشرفة غرفتي بالطابق الثاني، وهى تطل على نافذة مكتب عمي بالطابق الأول، فرأيت عمي يخرج من مكتبه شيء، ثم سمعت صوت إطلاق النار، فخمنت أن ما أخرجه كان مسدسا، ولم أرى الشخص الذي قُتل.

- وماذا فعل بجثة ذلك الشخص؟

- أترى تلك الشجرة الكبيرة؟ فقد زرعها عمي بعد أن دفن الجثة هو وزوجته ليخفي أثارها.

نظر حسن إلى الشجرة ووجد أنها شجرة كبيرة ويبدو أنها زُرعت منذ سنوات مضت،

فبدأ يشك أن فاتن حقا مجنونة.

- ربما كنت تحلمين يا فاتن، وهذا كله وهم.

- يبدو أنك لا تُصدقني أيضا.

جاءت الممرضة سهيلة نحوهم قائلة:

- من أنت؟

- أنا صديق فاتن.

- أعتذر عن قطع حديثكم، ولكن فاتن عليها أن تتناول الطعام الآن، فلتذهبي داخل المنزل يا فاتن قبل أن يبرد حساءك المفضل. 

- فقالت فاتن: جيد كنت سأدخل إلى المنزل في جميع الاحوال، فقد انتهى حديثنا وعليه الرحيل.

وهى تنظر إلى حسن نظرات الخيبة، ولاحظت سهيلة هذه النظرات ثم قالت:

- حسنا، وأنا سأوصل صديقك.

وبعد أن رحلت فاتن بدأت سهيلة بالحديث:

- كيف دخلت إلى هنا، اعترف كي لا أطلب الشرطة.

- عند البوابة أخبرت الحارس أنى من قناة جديدة وأريد مقابلة المذيعة نجوى، فأخبرني أنها بالخارج فأعطيته مائة جنيه وقلت له: لا بأس سأنتظرها حتى تأتى في الداخل؛ وفتحت لي الخادمة باب المنزل فأخبرتها أني طبيب مبتدئ وأريد مقابلة فاتن وأعطيتها مائة جنيه أيضا، وكنت أعلم منذ البداية أن عمها وزوجته خارج المنزل ولم أعمل أي حساب لوجودك، فمن تكونين؟

- أنا الممرضة المسؤولة على رعاية صحة فاتن النفسية، ويبدو لي أنك شخص ماكر، كما أني علمت بكذبك عندما أخبرتني أنك صديقها، فهي خرجت من المشفى منذ بضعة أيام فقط، ولم تلحق بتكوين صداقات بعد أن بقيت بها عشر سنوات، فمن تكون إذن؟

- لقد وجدت زجاجة بها رسالة وكان مكتوب بها أن فاتن تخشى من عمها وزوجته، وأنهم يريدون قتلها، فاتصلت بالشرطة، واستطعت التوصل للعنوان وتعجبت أنه لم يحدث جديد، وكأن لم يكن هناك بلاغ، ولكني فهمت الأمر الآن، يبدو أنها مريضة نفسية وأني سببت مشاكل لتلك العائلة، والآن تَدّعي أن عمها دفن شخصا ما وزرع فوق الجثة شجرة يبدو أن حالتها سيئة.

- يبدو بأن الصورة باتت واضحة إليك ولا تشغل بالك من الآن بها، فأنت لا تعلم كم عمها عطوف معها ويعاملها كابنة له، وزوجته حنونة عليها.

- أعتذر عن الإزعاج.

- لا بأس، ولكن لا تفكر في العودة مجددا، وتلك المرة لم أخبر أحد من العائلة عنك.

- شكرا لكِ.

قالت سهيلة في نفسها: إذن كانت تقصد أنها وضعت الرسالة داخل زجاجة، يبدو أني أخطأت فهمها، يا لذكائها، ولكن لمَ لم تحكي لي عن أمر تلك الجثة وأنا بمثابة صديقتها الوحيدة؟ ربما علي أن أوقعها بالكلام. 

عادت سهيلة إلى فاتن ووجدت الطعام كما هو فقالت إلى فاتن:

- لماذا لم تتناولين الطعام؟

- لأني لا أريد.

- هل هناك أمرا يزعجك؟

- لا، ولكن أريد منك طلب.

- وما هو؟

- عليكِ ألا تخبري أحد بأمر زيارة حسن لي، ولا تقلقي فهو لن يعود، ويبدو أنه يراني مجنونة.

- إذن أنتِ حزينة لأنه يراكِ مجنونة؟

- أنا لست مجنونة، ولكنه لا يصدقني.

- أنا متأكدة من أنكِ لستِ مجنونة وأنا أصدقك دوما، فما الشيء الذى لا يصدقه حسن؟

- لا شيء، أريد أن أبقى بغرفتي قليلا، وداعا.

بقلم: أمنية نبيل 

رسالة استغاثة الفصل الثاني

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author