أخذت عالية ابنتها ميرنا وذهبت للمطعم في الميعاد وجدت سهام وبرفقتها صديقتها رباب وابن خالتها مدحت، تفاجأت من صحبة رباب وابن خالتها وفرحت لتجمعهم ولكن لم يكن هذا شعور ابنتها ميرنا...
صرخت ميرنا صرخة عالية واختبأت خلف والدتها عالية وقالت:
- أمي، أريد العودة للمنزل؛ وظلت تبكي دون توقف.
اعتذرت عالية من صديقتها سهام ورباب ومدحت وقالت لهم:
- أعتذر منكن فابنتي يبدو أنها تخاف من الأشخاص الذين تراهم للمرة الاولى، ولكن كيف آتى مدحت معكم؟
قالت سهام إلى عالية:
- يبدو أنكِ لست على تواصل مع أحد، حتى ابنتك متأثرة بذلك.
قالت رباب:
- بعد ولادة عالية انشغلت كثيرا بأمور المنزل وابنتها والحياة الزوجية ولم نعد على تواصل.
قالت سهام إلى عالية:
- لا يجب عليك قطع التواصل مع أصدقائك بسبب الزواج!
قالت عالية:
- أنتن تعلمن انني منغلقة قليلا، ليس بسبب انشغالي هذه طبيعة شخصيتي، ولكن لم يجبني أحد عن أمر مدحت.
ظلت تصرخ ميرنا كثيرا وتحاول أن تدفع أمها للخروج من المطعم، فقالت رباب:
- يبدو أنكِ دلعتِ ابنتك كثيرا فهي لا تستمع لكلامك، كيف نخبرك عن شيء في أثناء هذا الصراخ المتواصل؟
فقالت سهام:
- يبدو أنها لم تتعامل مع أحد سوى دائرتها المقربة فقط لهذا تخاف من أي شخص تراه لأول مرة.
فشعرت عالية بالإحراج من تصرفات ميرنا ولم تشعر بنفسها إلا وقد وبخّتها كثيرا وهددتها بالضرب، وقالت لها:
- اهدئي قليلا واستمعي لكلامي.
لم يزد هذا سوى المزيد من الصراخ والبكاء دون توقف، لم تجد عالية نفسها سوى أن تعتذر عن هذا التجمع وتتركهم وتعود للمنزل.
فقالت سهام إلى عالية:
- سأتصل بكِ لاحقا لأخبرك بأمر العمل.
- أي عمل؟
- سأخبرك فيما بعد فلا أستطيع الحديث من صراخ طفلتك هذه.
قالت رباب:
- ابنتك ليست طبيعية، ما تفعله ليس بسبب رؤيتها لنا لأول مرة ولكن تبدو غير طبيعية.
وافقتها سهام الرأي ثم غادرت عالية من المطعم وهي متضايقة كثيرا وتريد أن تعود إلى المنزل على الفور، أخبرها مدحت أنه سيقوم بإيصالها ولكنّها رفضت ذلك، فإن علم زوجها عمرو بذلك ربما يمنعها من الخروج مرة أخرى، ثم اوقفت سيارة أجرة وركبت مع ابنتها وعادوا للمنزل، وبعد عودتهم وقد اقترب عودة عمرو من العمل، قالت عالية بعنف إلى ميرنا:
- ما هذا التصرف السيء؟
- ماذا فعلت؟
- الصراخ والبكاء دون التوقف.
- لا، لم أفعل.
- بل فعلتي ذلك، ولماذا وبختك إذن؟
- هل وبختني؟ لا أتذكر شيء.
- عندما ذهبنا لرؤية أصدقائي سهام ورباب.
- لا أعلم يا أمي.
- هل تفعلين ذلك لرؤيتهم للمرة الأولى؟
- عندما ذهبنا شعرت بشيء في عنقي يخنقني.
- ماذا؟! لماذا؟ هل ضايقتكِ إحداهن أو مدحت؟
- لا أعلم سوى ما قلته.
- لا أفهم ماذا تقولين؟ لا تخافين من الأماكن الجديدة أو الأشخاص الجديدة، فأنا معكِ.
- حسنا أمي.
جاء عمرو وقال إلى عالية:
- لقد جئتِ باكرا ظننت أني سأعود قبل مجيئك.
- عدنا باكرا بسبب ابنتك، ظلت تصرخ وتبكي ولم أستطع التحدث مع صديقاتي واعتذرت منهم بسببها.
- لماذا؟
- لم أفهم منها شيء، ولكن يبدو لأنها لم تراهم من قبل.
قالت ميرنا:
- لقد رأيت عمي مدحت من قبل.
قال عمرو إلى عالية:
- مدحت؟! ألست ذاهبة إلى سهام؟
- لقد تفاجأت بصحبة رباب وكذلك مدحت، كنت ذاهبة لرؤية سهام فقط.
- رباب صديقتكم، أمر طبيعي، ولكن ماذا عن مدحت؟ لماذا آتى معكم؟
- لا أعلم حقا، وسألتهم ولم يجيبوني من صراخ ابنتك.
- علمت الآن سبب صراخ ميرنا، فمدحت مصدر إزعاج لمجرد رؤيته، لن تذهبين لمقابلة سهام مرة أخرى.
بدأ الشجار بين عمرو وعالية وساء الأمر بين علاقتهم وثقتهم، وقالت عالية يا ليتني لم أجب الهاتف، من وقتها وبدأت المشاكل، وتذكرت ما حدث عندما رن هاتفها وكان رقم سهام صديقتها التي سافرت منذ خمسة أعوام إلى دبي للعمل مع والدها هناك، ويبدو أنها قد عادت مصر، فأجابتها وقالت:
- سهام معي؟
- نعم، كيف حالك يا عالية؟
- بخير الحمد لله، وأخيرا عدتِ إلي بلدك.
- لقد عدت منذ بضعة أشهر ولكني انشغلت بتهيئة بعض الأمور وبعد أن أصبح كل شيء جاهز اتصلت بك.
- هذا جيد، سعدت بمكالمتك كثيرا، وفقك الله.
- أريد أن أقابلك غدا بالخارج الساعة الثالثة، ما رأيك أن أقابلك بمطعم "ساشا فود"؟
- لا مانع لدي، ولكن يجب أن أخذ إذن زوجي عمرو.
- حسنا انتظر تأكيد الميعاد.
أغلقت الهاتف وكنت أشعر أنها تريد أن تتباهى علي بحالها، ولكن ظننت ربما تغيرت فالعام الواحد يغير فينا كثيرا.
عالية تبلغ من العمر الثلاثين عاما وهي متوسطة القامة نحيفة القوام وترتدي حجاب عصري وملابس كلاسيكية، تزوجت من زميلها بالجامعة عمرو وهو يكبرها بعام وأعُجب بها من أول نظرة، حاول أن يتقرب منها ولكنها كانت ذات طباع جديّة ولا يستطيع الشباب التعرف عليها، فحاول التقرب منها عن طريق صديقتها رباب وكانت رباب صديقتها المقربة، ولكن عالية لم تسمح لرباب بأن تكون حلقة وصل بينهم ورفضت ذلك وكانت رباب ستخسر مصادقة عالية، وقتها أخبرها عمرو أنه بعد أن تتخرج سيتقدم لخطبتها، وبعد خطبتهم تعرفت عالية على سهام زميلة عمرو في الكلية وفي العمل لأنها نفس دفعته، وكانت سهام تنتقد كثيرا ملابس عالية وشخصيتها وتتباهى بأناقتها ورشاقتها وبساطتها في الحديث دون تعقيدات عالية، لم تتقبل عالية سهام ولكن حتى لا تظن أنها تغار منها تعاملت معها لعلها تغير معتقداتها أن عالية متكبرة ومعقدة.
بعد زواج عمرو من عالية أخبرتهم سهام بسفرها إلى الخارج لتساعد والدها في عمله، وقاموا باحتفال صغير يضم عمرو وعالية بمناسبة زواجهم ورباب صديقتها وسهام زميلة عمرو، وحاولت التقرب من عالية ورباب كصديقة لهم، ثم غادرت.
بعد انشغال عالية بالزواج وابنتها ميرنا انقطع الاتصال بين الأصدقاء، كان عمرو يرحب بعمل عالية ولكنها فضلت ألا تعمل وتهتم بأمور المنزل وقضاء الوقت مع ابنتها، وبعد أن أصبح عمر ابنتها الأربع سنوات رغبت بالعمل ولكنها لم تجد عمل مناسب لا تقصر فيه عن واجبتها مع أسرتها.
في المساء وقبل نوم ميرنا قامت عالية باحتضان ابنتها واعتذرت منها لغضبها وتعنيفها فقالت ميرنا:
- أعتذر أمي إن ضايقتك، ولكن شعرت بشيء يخنقني وشيء بصدري.
- هذه مجرد أوهام من مخيلتك، فلننسى محدث ولا تفعليها مجددا.
- لم أشعر بنفسي.
- اطمئني وأنا بجانبك حتى لا تكرريها مرة أخرى.
- حسنا أمي.
- تصبحين على خير.
- وأنت كذلك أمي.
أثناء نومهم فجأة استيقظت ابنتها وهي تصرخ: أمي، أمي، اتركوها، لا.
نهضت عالية مسرعة لغرفة ابنتها وأشعلت الإضاءة وقالت لها:
- ماذا هناك يا ميرنا؟
رواية ضحية الأصدقاء الجزء الثاني...
You must be logged in to post a comment.